وكيل وزارة التجارة السعودي: آن الأوان لإعادة النظر في منهجية عمل منتدى الرياض الاقتصادي

د. الكثيري يؤكد أهمية إحداث تجانس بين حلول القضايا المحلية والتأثيرات الدولية

TT

قال الدكتور محمد بن حمد الكثيري، وكيل وزارة التجارة والصناعة للشؤون الفنية السعودية وعضو مجلس أمناء منتدى الرياض الاقتصادي والأمين العام السابق، إن المنتدى قد أدى دوره بشكل جيد نحو تلبية متطلبات تمحيص وتشخيص القضايا البنيوية للاقتصاد السعودي. ودعا الدكتور الكثيري، في حوار على هامش مرور 10 أعوام على انطلاق المنتدى، الذي يستعد لعقد دورته الخامسة في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، إلى أهمية إيجاد مؤسسة فكرية وبحثية مستقرة ذات مرجعية وشخصية فكرية قادرة على رصد المتغيرات السريعة وانعكاسها علي منهج التغير والتحديث الذي تنتهجه الدولة في هذا العهد، مؤكدا أن المنتدى يوفر نواة جيدة لهذا التصور إذا أتيحت بعض المقومات المادية والفنية.

وجاء حوار الدكتور الكثيري مع قرب انطلاق الدورة الخامسة التي تنطلق في 17 ديسمبر المقبل، في الوقت الذي ينتظر أن يبحث المنتدى خمس قضايا اقتصادية تشكل أهمية كبيرة للاقتصاد الوطني، والتي تتمثل في دراسة النقل داخل المدن، ودراسة التعليم الفني والتدريب التقني والمهني ومدى ملاءمته للاحتياجات التنموية من القوى العاملة، ودراسة الأمن الغذائي بين الزراعة المحلية والاستيراد والاستثمار الزراعي الخارجي، ودراسة تقييم الاستثمار في المملكة، ودراسة التنمية المتوازنة لمناطق المملكة.

> كيف تقيّمون مسيرة المنتدى التي تقترب من محطة مهمة وتتأهب لمرحلة جديدة، ربما تكون لها سمات تختلف عن واجبات العقد الأول من عمر المنتدى؟

- أي عمل بشري يحتاج إلى التوقف والمراجعة بين فترة وأخرى مهما كانت نتائج العمل المتحققة، والمنتدى في عقده الأول خاض تجربة ثرية من خلال المنهج المتفرد الذي اتبعه خلافا لكل المنتديات الأخرى في المملكة، سواء بتركيزه على القضايا المحلية أو اعتماده على قاعدة واسعة من المشاركة المتخصصة من النخب الفكرية والمهنية في القطاعين العام والخاص، أو بتميزه في طرح القضايا وتقديم الحلول العلمية المقترنة بآليات التنفيذ وتحديد الجهة المنوط بها تنفيذ كل مهمة، ولهذه الأسباب مجتمعة نستطيع أن نقول إن المنتدى قد نجح خلال عقده الأول في طرح قضايا شكلت أسبقيات مهمة لصالح حركة الاقتصاد والمجتمع نحو تنمية مستديمة، ولقد تعارفنا في أدبيات الخطاب الاقتصادي وفي إسهامات المنتديات والمؤتمرات التي يشهدها المجتمع الاقتصادي، أن مخرجاتها تقوم أساسا على إتاحة الفرصة لمن يريد أن يقدم بحثا أو دراسة في الموضوع المراد تشخيصه، أما في منتدى الرياض الاقتصادي فقد قام المنهج على فلسفة إشراك الجميع في انتقاء القضايا وتشخيصها والوصول إلى النتائج واختيار التوصيات وأنسب الآليات لتنفيذها، ولذلك نجح المنتدى في نشر مخرجات مهمة رفدت حركة الاقتصاد الوطني والمجتمع، وساهمت في مناقشة بعض القضايا التي لم تكن مطروقة في الخطاب المشترك بين القطاعين العام والخاص، ومن الجدير هنا التذكير والإشادة بدور غرفة الرياض في بلورة فكرة المنتدى ودعمه ماديا وأدبيا وفكريا. ولقد آن الأوان لإعادة النظر في منهجية عمل المنتدى والتفكير في الوضع المستقبلي للمنتدى، بحيث أرى أن هذه المنهجية قد أدت دورها بشكل جيد في تلبية متطلبات العقد السابق من ترسية وتشخيص وتمحيص القضايا البنيوية والهيكلية في اقتصادنا، لكن هذا الدور لم يعد كافيا ولا يواكب الإيقاع السريع لحركة الاقتصاد العالمي ومتغيراته التنموية المختلفة في كل شؤون الحياة، سواء كانت اقتصادية واجتماعية وتقنية وغيرها، والتبدل في موازين القوى الاقتصادية العالمية، وبروز قطبيات جديدة تتشكل الآن وبسرعة مربكة مثل الصين الهند تركيا. هذا في الشق العالمي والخارجي، أما على الصعيد الداخلي فقد برزت الحاجة إلى قيام مؤسسات فكرية قادرة على رصد هذه المتغيرات والتفاعل مع الإيقاع السريع لفلسفة التغيير والتحديث التي تنتهجها الدولة في هذا العهد المبارك، وبالتالي فإن المنتدى عليه واجب المشاركة الفاعلة في هذا الحراك الجديد بشقيه العالمي والوطني، والتغير الذي أدعو إليه يجب ألا يتعارض مع الفلسفة الأساسية التي بنيت عليها فكرة المنتدى، وفي مقدمتها ضرورة التركيز على القضايا المحلية ومشاركة كل النخب الفكرية في تدعيم مخرجاته وانتقاء قضاياه.

> لكن، نلمح في ثقافة العالم اليوم صعوبة التمييز القطعي بين القضايا المحلية وظلالها الدولية والإقليمية، فكيف نبقي على مبدأ المحلية ونؤكد في ذات الوقت رغبتنا في مواكبة ما يحدث في العالم؟

- المنتدى بمكوناته والأسس التي قام عليها يصلح للقيام بواجبات المرحلة المقبلة، إذا نجحنا في التمسك بالشروط المنهجية التي أشرت إليها، لكننا بحاجة إلى تغذية هذه المنهجية بطاقة إضافية تمكنها من السير السريع نحو أهداف المرحلة المقبلة، بحيث يكون المنتدى قادرا على التفاعل السريع، وألا يتسلل الملل للنخب من الإيقاع البطيء الذي يستغرق نحو عامين لميلاد كل دورة، خاصة أن المنتدى قد نجح في تأسيس ما يسمي مجموعات العصف الذهني، وهم يشكلون مع المنتدى نواة لمؤسسة فكرية، مؤهلة لتكون ذات شخصية ومرجعية فكرية في قضايا الاقتصاد المحلي، وإنهم كما نعلم نخبة من أميز الكفاءات الفكرية التي تنتمي لمدارس ومرجعيات أكاديمية متنوعة، وينتسبون للقطاعين العام والخاص، ولديهم خلفيات وتجارب علمية تتصل بأفضل المراكز الداخلية والعالمية، ومن أبرز المتغيرات المنهجية التي نطمح إليها في المرحلة المقبلة أن يتسم حراك المنتدى بإيقاع يومي وليس لكل عامين، وأن يعتمد على مجموعة عمل فكرية ثابتة بنظام التفرغ الكامل، ويسنده طيف أوسع من الكفاءات المتعاونة بالنظام الجزئي ينتسبون لأفضل المراكز العلمية في الوطن، بحيث يتشكل المنتدى من مجموعات عمل قادرة على التجاوب الأسرع مع القضايا الملحة التي يطرحها المنتدى، وتوسعة الأمانة العامة للمنتدى وتغذيتها بالكفاءات المشار إليها لتلعب دور الذراع الفكرية لغرفة الرياض، وعلى سبيل المثال فقد نجح المنتدى من خلال تجربته السابقة في بناء 5 محاور رئيسية لقضايا الاقتصاد الوطني منها الموارد البشرية، البنية التحتية، التشريع وغيرها، ومن ثم فقد آن الأوان أن يكون لدى المنتدى خمس مجموعات عمل دائمة متصلة بقاعدة من العلماء البارزين في كل ميدان لمتابعة القضايا التي تليها في كل محور من هذه المحاور وما يستجد فيها بشكل يومي، عبر سكرتارية علمية ومهنية دائمة ومتفرغة تحتضنها الأمانة العامة، على أن تستمر الآلية الحالية كما هي بحاضناتها من الورش والحلقات العلمية التي يشارك فيها المختصون في هذه المحاور، وفي هذا الإطار دعنا نتخيل بروز مشكلة عاجلة وظرفية تتعلق بالبنية التحتية، ففي هذه الحالة تقوم السكرتارية العلمية المسؤولة عن هذا المحور بجمع المعلومات حول القضية وتدعو لورشة علمية تعقد في وقت وجيز بالاعتماد على ما لديها من عناوين وصلات بالشخصيات العلمية والفكرية ذات العلاقة بالأمر، والتوصل إلى الحلول والتوصيات المناسبة، وكل سكرتارية علمية في المنتدى تعنى بموضوع معين ولديها قاعدتها من الشخصيات العلمية والفكرية في مجالها من غير المتفرغين وهكذا في بقية المحاور الخمسة، وأن هذه الآلية ستمكن المنتدى من عدم الاعتماد على مخرج علمي واحد لكل سنتين، وإنما تكون لديه عدة مخرجات وتوصيات تصدر تباعا وبإيقاع أسرع وبتفاعلية تناسب المتغيرات التي أشرنا إليها - وشيئا فشيئا سوف يتحول المنتدى بما لديه من تراكم علمي إلى مرجعية يعود إليها الإعلام في استقاء الإجابات والرؤى العلمية والمهنية الرصينة والمدروسة، ومرجعا للباحثين، بل حتى للأجهزة الحكومية إذا أرادت أن تستوثق من بعض المعلومات بالرجوع للمنتدى للحصول على المعلومة والفتوى العلمية بصورة منهجية.

> هل نستطيع أن نلتمس بعض الأثر لمخرجات المنتدى من دوراته السابقة في قطاف القرارات والأنظمة والتوجيهات التي تبنتها الدولة خلال الفترة السابقة ضمن المحاور والتوصيات التي تبنتها دورات المنتدى؟

- من حظ المنتدى أنه ولد في وقت كان يشهد انفتاحا في الجهاز الحكومي على القضايا الاقتصادية الكلية، وكان هناك توجيه من خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - بأهمية الانفتاح وتبادل الرأي والمشورة في هذه الأمور مع القطاع الخاص والسرعة في التطوير. وهذه الرغبة من القيادة اتسقت مع توجه المنتدى نحو طرح القضايا التي لم يعد هناك أي داع لحظر البحث والمناقشة الصريحة والشفافة فيها، وقد ساعدت هذه البيئة في أن يتجه المنتدى إلى القضايا الكلية بدلا من القضايا القطاعية الضيقة في المناهج السابقة.. ولذلك، نستطيع أن نقول إن تأثير المنتدى في بعض محتوى القرارات والأنظمة كان نتاجا وثمرة للبيئة التي أتاحتها الدولة وترجمة لتوجيهات القيادة نحوها، وبالتالي تناغمت توصيات المنتدى مع معظم القرارات التي أثرت حركة الاقتصاد بفاعلية «التأثير والتأثر» الإيجابي مع المشهد العام للتوجه التنموي.

> الدولة الآن تتقدم وتفتح الطريق للمعابر نحو التطوير والتحديث، فهل نجح المنتدى في قراءة هذه المعطيات التي يشهدها عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز؟

- دعني أقول إن رغبة خادم الحرمين الشريفين شخصيا في الإصلاح والتطوير والتغيير، تسبق كلا الجهازين الحكومي والخاص، وأتمنى من الجهازين المسارعة إلى إدراك هذه الإرادة بعقل منفتح، وسرعة الاستجابة نحو التطوير والإصلاح ومكافحة الفساد وغيرها من عناوين الإصلاح التي تقودنا إلى شعار التنمية المستديمة، وهي نظرة شمولية وبعيدة المدى وتنظر للأمور بكافة جوانبها، أما في ما يتعلق بالتناغم والمعايرة بين القطاعين العام والخاص فيجب ألا ننسى أن القطاع العام هو الذي يشرع لاتجاهات التنمية مع التسليم بأن الخاص هو الذي يحرك أداة التنمية، فالعلاقة إذن تقوم بين جهة تشرع وتهيئ البيئة وجهة عليها أن تستجيب وتفعل وتستحضر محركات هذه البيئة نحو هدف مشترك، هو تحقيق عناصر التنمية المستديمة.