خبير دولي يكشف عن «الواقع المرير» للزراعة في العراق وكردستان

قال: آلاف الدونمات الزراعية خصصت للصناعة ولم تنتج إبرة واحدة

يعاني العراق واقليم كردستان من عدم استغلال الموارد الغذائية غير المستغلة لديها
TT

تحدث خبير زراعي عمل لسنوات طويلة في منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) عن الوضع المزري للواقع الزراعي في العراق وكردستان، مؤكدا أن «أول نبات القمح زرع على الأرض كان في العراق، وأن هذا البلد تتوفر فيه جميع مقومات ثورة زراعية شاملة من المياه والأراضي الخصبة، ولكن الانفتاح الاقتصادي الذي شهده في السنوات الأخيرة وضع قوت الشعب بيد دول الجوار» مضيفا «عندما تتجول في أي سوق محلية لا تجد إلا القليل النادر من المنتج الزراعي المحلي، مقابل الكم الهائل من الغذاء المستورد من دول الجوار مما يعرض الأمن الغذائي إلى مخاطر كبيرة ستتضرر منها الأجيال القادمة».

وتحدث الدكتور طالب مراد الذي استقدم من الخارج ليكون مستشارا للأمن الغذائي لرئيس حكومة كردستان إلى «الشرق الأوسط» بمرارة عما وصل إليه حال الزراعة في كردستان. وقال «باعتباري خبيرا دوليا عملت لسنوات طويلة مع منظمات الأمم المتحدة وبالأخص منظمة الفاو، أستغرب التصريحات التي تخرج من هذا المسؤول الكردي أو العراقي وهو يتحدث عن الاكتفاء الذاتي في الغذاء، وأتحدى كل أولئك القائلين بوجود وفرة في الإنتاج الزراعي، أن يذهبوا إلى الأسواق المحلية (السوبرماركيتات ومحلات البقالة وبيع اللحوم) ليتأكد بأنفسهم من نسبة الإنتاج المحلي مقارنة بالإنتاج المستورد، خصوصا من الغذاء الذي تصل نسبته إلى حدود 95% من مجمل المواد المصدرة إلى العراق من دول الجوار».

وأضاف «هذا يعني أن الأمن الغذائي في العراق مفقود تماما، وأن قوتنا اليومي أصبح بيد دول الجوار».

وأبدى الدكتور مراد استغرابه الشديد من الأرقام التي تنشرها جهات في الحكومتين العراقية والإقليمية حول زيادات في نسبة الإنتاج المحلي، وقال «هذه الأرقام لا وجود لها إلا في مخيلة بعض المسؤولين الذين يحاولون خداع الشعب، فالأرقام الحقيقية هي التي تتحدث عنها دول الجوار عندما تقول بأن حجم صادراتها وصلت إلى حدود 5 - 7 مليارات دولار سنويا، ونسبة 75% من هذه الصادرات طبعا هي مواد غذائية تأتي بشكل يومي إلى العراق وكردستان».

وأضاف «أن أموالا طائلة تصرف من أجل استيراد الغذاء من الخارج، في حين أن العراق هو بالأساس مجتمع زراعي منذ آلاف السنين، ويعتمد سكانه على منتوجهم المحلي، فأول نبات قمح زرع هنا في العراق، ولو ذهبت إلى بيت أي عراقي، ستجده يربي الدجاج والحيوانات ويزرع الخضر والفاكهة في حديقته المنزلية، ولكن اليوم أخذ يستورد غذاءه اليومي من الخارج».

وأضاف «حتى البطاقة التموينية التي تصرف عليها الدولة 6 مليارات دولار سنويا، تذهب مواده إلى علف الحيوانات، فالأرز المستورد يباع الكيلوغرام الواحد منه بربع دينار بعد استلامه، والشاي يستعمل كسماد للأبقار».

وأشار الخبير الدولي طالب مراد إلى أن «العراق فيه كل مقومات ثورة زراعية شاملة، فهو البلد الذي تتوفر فيه نسبة 60% من المياه المحلية من الأنهار والينابيع ما عدا نهري دجلة والفرات، ولديه أخصب الأراضي الزراعية التي لا مثيل لها في العالم، ولكن المشكلة هو افتقاده إلى خطة حكيمة لاستغلال تلك الثروات للنهوض بالواقع الزراعي» ويضيف «في اجتماع روما تقرر أن يخصص الاتحاد الأوروبي نسبة 50% من ميزانيته لدعم القطاع الزراعي، وصدر قرار بأن ترفع دول الاتحاد وهي بالأساس دول صناعية نسبة تخصيصاتها لميزانية الزراعة من 5 إلى 10%، وفي العراق لا تتجاوز التخصيصات لدعم الزراعة حدود 2%». وقال «أما حجم الاستثمارات وسأتحدث عن إقليم كردستان فإنه من مجموع 15 مليار دولار من الاستثمارات الموجودة حاليا، فإن نسبة مشاريع الاستثمار الزراعية لا تتجاوز 1%، وهذه مأساة حقيقية، والمشكلة أن هناك من يضع اللوم على الفلاح، في حين أن الفلاح بالأساس يحتاج إلى الدعم، فعندما لا يجد ذلك الدعم سوف يفكر في الهجرة للمدينة، وهنا الطامة الكبرى، لأن العراق قبل ثلاثة أو أربعة عقود كان نسبة 20 من سكانه يعيشون في المدن مقابل 80% في القرى والأرياف، وهذه النسبة أصبحت اليوم معكوسة تماما، بسبب عدم وجود الدعم الحكومي اللازم للفلاحين والقطاع الزراعي بشكل عام».

وكشف مستشار رئيس حكومة الإقليم للأمن الغذائي عن وجود تلاعبات وتجاوزات غير قانونية على الأراضي الزراعية في كردستان وقال «هناك آلاف الدونمات من الأراضي تستقطع من المساحات الزراعية لتخصص لمشاريع صناعية في إطار ما يعرف بالسياسة الاستثمارية، وهذه الأراضي التي يتم إطفاؤها هي من أخصب المناطق الزراعية تتحول إلى مشاريع صناعية، ومعظم تلك الأراضي يتركها أصحابها بعد تسييجها دون أن ينشأ عليها أي مشروع صناعي، ولو ذهبتم إلى هيئة الاستثمار ستجدون قوائم بمئات المشاريع الاستثمارية الصناعية، ولكن بالمقابل إذا ذهبت إلى الأسواق المحلية فلن تجد فيها علبة كبريت أو حتى إبرة واحدة من الإنتاج المحلي، كان هناك مشروع زراعي خصصت له ثلاثة آلاف دونم من الأراضي الزراعية على أساس بناء محطة لتربية الأبقار وإنتاج الحليب، ولكن لم نر في موقع ذلك المشروع ولو عجلا واحدا».

وقاطعته «الشرق الأوسط»: لكن ألا يفترض بحكومة إقليم وهي تخصص الأراضي لمثل هذه المشاريع أن تكون لها متابعة في إيفاء المستثمر بتنفيذ تلك المشاريع؟ أجاب الدكتور طالب «المشكلة لا تحل بتشكيل لجان حكومية، فعلى سبيل المثال كان هناك مشروع زراعي بكلفة نحو 300 مليون دولار، واللجنة التي تابعت المشروع رفعت تقريرا بأن نسبة 45% من هذا المشروع قد اكتمل، في حين أن طابوقا واحدا لم يوضع على طابوق في هذا المشروع، هناك تجاوزات وأخطاء كثيرة، كما أن معظم المشاريع التي تخصص لها الأراضي ضمن خطة الاستثمار هي مشاريع متوقفة، ومعظمها تتحول من أغراضها الزراعية إلى أغراض أخرى، فهناك أراض زراعية خصصت لمشاريع السكن التي أصبحت أكثر جذبا للمستثمرين على اعتبارها ذات فوائد ربحية سريعة، أنا عشت في مصر لسنوات طويلة، الآن وبعد مرور أربعين سنة على تخصيص أراض زراعية لبعض المشاريع السكنية، أصبحت هناك حالة من المراجعة، وأخذ الناس هناك يحاسبون الحكومة على أسباب إزالة الصبغة الزراعية عن أراض وتخصيصها لمشاريع غير زراعية، والمشكلة الأكبر في كردستان أن مدير الزراعة في أي محافظة أصبح بإمكانه وبسلطته المحدودة أن يطفئ مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لتحويلها إلى أراض صناعية أو سكنية ودون أي حساب للمصلحة العامة».

ولحل هذه المشكلات دعا الدكتور طالب إلى إعادة النظر بقانون الاستثمار، ومراجعة جميع العقود الموقعة للمشاريع التي خصصت لها الأراضي ولم تستغل لأغراضها، مع التأكيد على زيادة دعم الحكومة للقطاع الزراعي من خلال تشجيع المشاريع الإنتاجية، وزيادة القروض الزراعية التي لا تكفي اليوم لبناء قاعة واحدة لتربية الدواجن، وأخيرا إعادة النظر في مجمل السياسة الزراعية ووضع خطط محددة للنهوض بالواقع الزراعي في البلد».