منطقة اليورو تطالب بمعاهدة أكثر صرامة على أعضاء الاتحاد

اجتماعات مكثفة على مدار الأسبوع لإنقاذ العملة الموحدة

TT

ترتب جدول الأسبوع الجاري بدءا من أمس وحتى الجمعة المقبل باجتماعات دسمة بين زعماء الاتحاد الأوروبي، ويجد عليهم وزير المالية الأميركي تيموثي غيثنر الذي يصل إلى ألمانيا اليوم قبل سفره إلى فرنسا، ثم إيطاليا لمحادثات مع زعماء تلك الدول.

واتفقت كل من فرنسا وألمانيا أمس على أن الاتحاد الأوروبي في حاجة ماسة إلى معاهدة جديدة أكثر صرامة على أعضاء الاتحاد، وكل من يرغب في الانضمام إليه.

وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس إنه والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سيقترحان إبرام معاهدة أوروبية جديدة لفرض انضباط مالي بين الدول الأعضاء في منطقة اليورو.

قال ساركوزي في مؤتمر صحافي مشترك مع ميركل في باريس إنهما يفضلان وضع معاهدة لكل الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي، لكنهما على استعداد أيضا لإبرام معاهدة بين الدول الأعضاء في منطقة اليورو فقط، أو «كل الدول التي ترغب في الانضمام إلينا».

وسيتم شرح تفاصيل الاقتراح الفرنسي - الألماني في رسالة إلى رئيس الاتحاد الأوروبي هيرما فان رومبوي الأربعاء قبل يوم من قمة الاتحاد الأوروبي التي ستعقد في بروكسل، حسب ما أفاد به ساركوزي عقب محادثات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. كما أعرب البلدان عن رغبتهما في فرض عقوبات تلقائية ضد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي يزيد العجز في ميزانيتها على نسبة 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لديها.

وبعد أسابيع من ضغط المستثمرين، التقط قادة أوروبيون أنفاسهم الأسبوع الماضي وسط آمال باتخاذ إجراءات سريعة بشأن أزمة الديون. السؤال بالنسبة للأسواق هو: هل سيستطيعون القيام بذلك؟

ويواجه المستثمرون سلسلة من الأحداث بدأت يوم الاثنين وتنتهي يوم الجمعة باجتماع قمة لقادة دول منطقة اليورو، فضلا عن مجموعة من نقاط التحول التي ستحدد ما إذا كان سيظهر نوع من الحل لأزمة الديون الأوروبية التي بدأت منذ فترة طويلة أم لا.

مع ذلك إن لم يتم التوصل إلى هذا الحل وقدم واضعو السياسات مجموعة أخرى من أنصاف الحلول، يمكن أن تتبخر ما حققته البورصة من أرباح مؤخرا. وقال جوليان كالو، كبير خبراء الاقتصاد في مصرف «باركليز»: «إنها فرصة أوروبا. وربما يستطيعون هذه المرة أن يقوموا بما هو صواب».

وشهدت البورصة الأسبوع الماضي ارتفاعا كبيرا في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 7.4 في المائة. ويعد هذا أفضل أداء أسبوعي منذ مارس (آذار) 2009 عندما تعافت السوق من انخفاض دام لسنوات.

سوف تكون كل الأنظار متجهة إلى إيطاليا، التي كانت قلب أزمة الديون الأوروبية خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث حظي ماريو مونتي، رئيس الوزراء الجديد، أول من أمس بموافقة الحكومة الجديدة على خطة التقشف التي تتضمن زيادة الضرائب مع خفض الإنفاق لعلاج عجز الميزانية.

وسيكون تركيز المستثمرين على سؤال مهم هو: هل ستكون الخطة التي تقدر بـ30 مليار يورو أو ما يعادل 40 مليار دولار شاملة بالقدر الكافي؟ وهل ستحظى بالدعم السياسي الكافي؟ وتعد إيطاليا من أكبر الدول المقترضة في العالم وتمثل ديونها نحو ربع إجمالي ديون دول منطقة اليورو.

وقال كالو: «إيطاليا عنصر أساسي من عناصر حل المشكلة». وأشار إلى أن ارتفاع عائدات سندات الحكومة الإيطالية الشهر الماضي هو ما يهدد بانتقال العدوى إلى الدول الكبرى في أوروبا مثل ألمانيا وفرنسا مما دفع المستثمرين إلى التخلي عما يملكونه من سندات.

وكان أكبر ارتفاع شهدته البورصة مؤخرا يوم الأربعاء عندما أعلن مصرف الاحتياطي الفيدرالي وخمسة مصارف مركزية أخرى خفض نحو نصف ميزانية برنامج يتيح للمصارف في الدول الأجنبية اقتراض الدولارات من مصارفها المركزية التي تحصل بدورها على هذه الدولارات من مصرف الاحتياطي الفيدرالي، ومدوا أجل هذه الديون من أغسطس (آب) 2012 إلى فبراير (شباط) 2013. وجاءت هذه الخطوة كرد فعل سريع لتقييد الائتمان، في ظل تقييد الإقراض للمصارف الأوروبية. ومثلت محاولات التنسيق نجاحا نادرا للحكومات في الوصول إلى دورة صعبة مما رفع سقف توقعات القادة الأوروبيين الأسبوع الحالي. وقال أدريان كرونجيه، كبير مسؤولي الاستثمار في «بالينتاين»: «لقد ارتفع السقف إلى حد ما. وتراهن السوق على أن هذا لن ينتهي بكارثة».

وفيما يعد مؤشرا على زيادة الاحتمالات، سوف يتوجه وزير الخزانة الأميركي، تيموثي غيثنر، إلى أوروبا لعقد سلسلة من الاجتماعات تبدأ باجتماع مع رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، يوم الثلاثاء، قبل أن يلتقي ساركوزي يوم الأربعاء ومونتي يوم الخميس. وسوف تصل الاجتماعات إلى ذروتها يوم الجمعة باجتماع قادة سياسيين من دول منطقة اليورو في بروكسل لوضع خطة من أجل تحقيق الوحدة المالية. وأشار دراغي إلى أن البنك المركزي الأوروبي قد يزيد من محاولاته لدعم الدول المقترضة الضعيفة مثل إيطاليا وإسبانيا، وهي خطوة سيرحب بها المستثمرون، إذا كان بمقدورهم الاتفاق. وقال روبرت ميشيل، خبير الاستثمار العالمي في الدخل الثابت والعملات في «جي بي مورغان أسيت ماندجمنت»: «إنهم ينتظرون من واضعي السياسات التوصل إلى اتفاق. على كل طرف تقديم تنازلات، فإذا لم يفعل أحد ذلك وهو ما يحدث حاليا، فلن يرغب أحد في شراء سندات أوروبية. لا بد أن يكون هناك شكل من أشكال التكامل المالي واتفاق على إجراءات التقشف».

بالنظر إلى تاريخ أوروبا والمعارضة في دول مثل ألمانيا لخطة إنقاذ شاملة لدول الجوار المسرفة، سيكون من الصعب التوصل إلى انفراجة. وإذا تخلى القادة الأوروبيون عن اليورو، يمكن أن يستمر الانخفاض في الأسواق في ظل فقدان المستثمرين الأمل في توصل القادة إلى اتفاق شامل. وقال جون مانلي، كبير المخططين الاستراتيجيين في «ويلز فارغو أدفانتيدج فاندس»: «لا أعتقد أنه يمكن لشخص واقعي توقع التوصل إلى حل شامل، لكنهم يريدون التوصل إلى ما يبدو نوعا من التقدم. وتريد (وول ستريت) رؤية آلية تعزز ميزانيات مناسبة، شيء ما يشي بأنهم لا يراكمون ديونا لا يمكن الوفاء بها»، على حد قول مانلي. وتريد الأسواق التأكيد على تقديم السياسيين تمويلا مؤقتا للسيطرة على تدهور اقتصاد دول منطقة اليورو. وأضاف: «الاحتمال الأرجح أن يكون هذا التمويل من قبل صندوق النقد الدولي لا البنك المركزي الأوروبي، لكننا نريد أي مؤشر يدل على عزمهم تقديم تضحيات سياسية بحيث يمكن إنقاذ الموقف».

أما بالنسبة لردود فعل الأسواق، فيعتقد أنتوني فاليري، المخطط الاستراتيجي للدخل الثابت في «إل بي إل فاينانشال»، أن الآثار الإيجابية قد بدأت تظهر بالفعل، حيث يرى أن الأسوأ قد مر العام الحالي وأن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، الذي أغلق عند 1.244 نقطة يوم الجمعة، يمكن أن يرتفع إلى 1.300 نقطة أو أكثر خلال الأشهر المقبلة. وأضاف: «عليهم أن يبدوا حسن النيات، وأنا أعتقد أن استجابة الأسواق سوف تكون إيجابية».