بريطانيا تواجه خسارة الرهان في حال نجاح قمة اليورو أو فشلها

كاميرون يدخل اجتماعات بروكسل دون «كروت ضغط»

رئيس الوزراء البريطاني لدى مغادرته قصر الإليزيه الأسبوع الماضي بعد اجتماعه مع الرئيس الفرنسي ساركوزي (أ.ف.ب)
TT

أيا كانت نتائج اجتماع القمة الأوروبية في بروكسل الذي بدأ يوم الخميس بشأن اليورو، فمن المؤكد أن بريطانيا ستخسر. فهناك اعتراف يلوح في الأفق في رئاسة الوزراء البريطانية بأنه إذا ما سقط اليورو فسوف تغرق بريطانيا مع الجميع. وإذا ما نجحت منطقة اليورو في توحيد صفوفها عبر توثيق الوحدة بين دولها الـ17 التي تستخدم اليورو، ستواجه بريطانيا حينئذ قدرا أكبر من التهميش في مجال اتخاذ القرار على مستوى القارة.

وقد أثارت قناعة المحافظين البريطانيين الكبيرة خلال الأزمة بقرار عدم الانضمام إلى اليورو حفيظة الكثير من الأوروبيين (عندما حافظت المملكة المتحدة بتباهٍ على عملتها الجنيه) وبشكل خاص عندما ترافق ذلك مع المخاوف بعدم قدرة بريطانيا على إحداث تأثير واضح على أكبر أزمة أوروبية منذ نهاية الحرب الباردة. ويقول تشارلز غرانت، مدير مركز الإصلاح الأوروبي: «ألمانيا هي زعيمة أوروبا دون نقاش، وفرنسا مساندة لألمانيا بكل تأكيد، وبريطانيا أقل تأثيرا من أي وقت مضى». وأكثر ما يثير المخاوف هنا هو تعافي الصناعة المالية البريطانية، المحرك الاقتصادي الحيوي في وقت يتباطأ فيه النمو. وأقرت بريطانيا تخفيضات كبيرة في الإنفاق الحكومي ومن المتوقع أن تكون هذه السياسة أكثر عرضة للانتقادات في ظل ظروف التشريعات الأوروبية الجديدة التي قد تضر التنافسية البريطانية في الأسواق العالمية.

وعلى الرغم من كل ذلك، يبدو أن حكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الائتلافية ستحظى بدور المتفرج العاجز وستتشتت ما بين القوى المعارضة لأوروبا وتحركات القادة الأوروبيين نحو تكامل مالي أكبر في القارة - مع أو من دون بريطانيا.

وفي كلمته يوم الأربعاء أمام البرلمان المنقسم على نفسه قال كاميرون إن هدفه الرئيسي في بروكسل «كان الحصول على ضمانات لبريطانيا، وحماية مصالحنا القومية الخاصة»، عبر رفض تدابير معينة مثل الضريبة المقترحة على التحويلات المالية، لكن مثل هذه اللغة الخطابية التي تركز على بريطانيا سببت الضيق لوسطاء مستقبل أوروبا، خاصة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اللذين يحاولان العثور على سبيل لإنقاذ اليورو إلى جانب فرض انضباط مالي ملزم قانونيا على الاقتصادات المتخبطة في جنوب القارة.

ولم يخجل القادة في التعبير عن إحباطهم، فقبل ستة أسابيع فقط، بعدما حاول كاميرون إقحام نفسه في المفاوضات الخاصة باليورو، قال ساركوزي بنبرة صريحة: «لقد أضعت فرصة جيدة في الصمت»، وأضاف لاحقا: «نحن حانقون من انتقاداتك لنا وإملاء ما ينبغي علينا أن نفعله. كنت تقول إنك تكره اليورو والآن ترغب في التدخل في اجتماعاتنا».

ويقول ستيفن فيلدينغ، مدير مركز السياسات البريطانية في جامعة نوتنغهام: «قد يبدو منطق كاميرون جيدا بالنسبة لأعضاء البرلمان، لكنه في أوروبا لا يملك ما يكفي للتفاوض به. لقد بدا واضحا أن فرنسا وألمانيا قادرتان على القيام بكل ما يحلو لهما ويمكن لبريطانيا أن تقول نعم أو لا، لكن ذلك لا يشكل فارقا، لأنهم سيقومون به على كل الأحوال».

ومن المفارقة أن خطط توثيق الارتباط بين دول منطقة اليورو الـ17، يتوقع أن تخلق انقسامات أكبر في القارة؛ انقسامات داخل منطقة اليورو نفسها اعتمادا على تعافي وأهمية الاقتصادات المختلفة، فهناك احتمالات بأن تظهر أوروبا ذات مستويين أو ثلاث أو أربع أو خمس مستويات. ويقول ألكسندر ستاب، وزير الشؤون الأوروبية الفنلندي: «حددت الأسواق الأشخاص الجيدين ومعدلات فوائدهم تظهر ذلك بأشكال متعددة. وعندما تنظر إلى مستقبل قواعد الاتحاد الأوروبي ستجد أن الدول ذات التصنيف الائتماني الممتاز هي التي تتحكم في المشهد».

وقد تجلى السعر السياسي للاستثنائية التي ادعتها بريطانيا لنفسها بوضوح في الهجوم على كاميرون يوم الأربعاء عندما لقي انتقادات من كل الأطراف في جلسة مجلس العموم الصاخبة. حيث طالبه أعضاء حزب المحافظين المنقسمون الكارهون لأوروبا بالوقوف بحزم أمام أوروبا لإظهار الجدية في دفاع صلب ولا هوادة فيه عن المصالح البريطانية، بحسب أحد أعضاء المجلس، أندرو روزيندال. وفي محاولة لتهدئتهم تعهد رئيس الوزراء بعدم التوقيع على أي شيء لا يحتوي على «ضمانات لبريطانيا».

في الوقت ذاته، وقال كاميرون إذا مضى الأوروبيون في منطقة اليورو قدما في توقيع معاهدة منفصلة، تترك دول الاتحاد غير الأعضاء في اليورو، فمن الواضح أن هذه ليست معاهدة توقع عليها بريطانيا أو تعدلها، لكنه قال إنه لا يزال يحتفظ ببعض النفوذ على العملية.

وقال: «كلما زادت مطالب دول منطقة اليورو منا، سنطالب نحن بمقابل ذلك»، لكن فرنسا وألمانيا أوضحتا بالفعل أنهما ستمضيان بخططهما من أجل منطقة اليورو دون اعتبار إلى حاجات أو مصالح بريطانيا. ويأتي النقاش المتفجر، على الرغم من أنه غير مرحب به على الإطلاق، في وقت غير ملائم وغير معتاد بالنسبة لكاميرون، فما يوصف بالعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة لا تبدو خاصة في الوقت الراهن، في ظل التخفيضات الكبيرة في الإنفاق الدفاعي الذي يصعب على الجيش البريطاني الحفاظ على مكانته كساعد أيمن للولايات المتحدة.

فقد أصبحت ميزانية التقشف أقل فعالية وسط إضرابات ومظاهرات لتسريح العمالة ورفع الرسوم. كما تباطأ النمو على الرغم من إصرار كاميرون على أن الشركات ستستفيد من الزخم عندما تدرك أن التمويل الحكومي كان قويا. والآن تبدو بريطانيا في موقف سيئ على غير العادة للدفاع عن مصالحها في أوروبا. ولم يأل حزب العمال المعارض جهدا في استغلال ما رأوا أنه نقطة ضعف كاميرون إزاء القضية.

«قبل ستة أسابيع، كان يقدم وعودا لأعضاء حزبه بالوقوف في وجه أوروبا، والآن، اكتفى بمجرد الجدال المستمر حول الإجراء المناسب الذي يجب اتخاذه»، هكذا تحدث رئيس حزب العمال، إد ميليباند، أمام البرلمان، بينما هتف أعضاء حزبه تعبيرا عن اتفاقهم معه في الرأي. وأضاف: «تكمن المشكلة بالنسبة لبريطانيا في أنه في هذه القمة الأوروبية الأكثر أهمية بالنسبة لجيل بأكمله، والتي تشكل أهمية قصوى بالنسبة للشركات والمؤسسات بالدولة، لا توجد مشاركة فعلية ملموسة لرئيس الوزراء». ويتمثل الأمر الأكثر إزعاجا بالنسبة للحكومة في أن العديد من الأعضاء البارزين في حزب المحافظين، من بينهم وزير أيرلندا الشمالية، أوين باترسون، انتقد رؤية الحزب وأوضح صراحة أن كاميرون يجب أن يلتزم بوعده بإجراء استفتاء قومي على أي تعديلات مقترحة في المعاهدة الأوروبية. ومع انضمام معظم البريطانيين إلى المعسكر المعارض لأوروبا، فإن الأفراد غير المنحازين لأي معسكر سيظهرون بشكل مؤكد في هذا التصويت.

وقد ذكرت ميركل أنها ستفضل أن يتم التصديق على أي تعديلات في المعاهدة من قبل الاتحاد الأوروبي بأكمله، بحيث يتسنى لبريطانيا استخدام حق الفيتو نظريا. غير أن ألمانيا وفرنسا قد ذكرتا أيضا أنهما ستدخلان تعديلات على الطريقة التي تعمل بها منطقة اليورو وحدها، لو كانت تلك هي الوسيلة الوحيدة لحماية العملة المشتركة.

وكان أكثر الأمور خطورة بالنسبة لكاميرون هو التدخل غير المرحب به من جانب عمدة لندن، بوريس جونسون، أحد المنافسين المحتملين غير المتوقعين على قيادة حزب المحافظين. ويجد جونسون، الذي ربما يكون أكثر السياسيين شهرة في بريطانيا، متعة في إقحام نفسه في القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية حينما تدفعه الحماسة.

وتحدث إلى إذاعة «بي بي سي» قائلا إنه إذا طلب من بريطانيا التوقيع على معاهدة لإنشاء «حكومة اقتصادية مهنية» عبر أنحاء أوروبا، يجب أن يرفضها كاميرون. وقال: «وإذا شعرنا أننا عاجزون عن الرفض، أعتقد بالطبع أننا يجب أن نجري استفتاء». وأضاف أنه في عملية إنقاذ اليورو، كان هناك خطر ممثل في «إنقاذ السرطان، وليس المريض». ويقول كاميرون إنه قد تعهد بإجراء استفتاء على أية معاهدة من شأنها أن تنقل بعض السلطات من بريطانيا إلى أوروبا. وأشار إلى أنه لا تجسد أي من الاحتمالات الحالية مثل هذه الاتفاقية، ومن ثم، فلا داع لإجراء استفتاء. وبالطبع يأتي الضغط السياسي الآخر على كاميرون من التحدي المميز الممثل في تشكيل حكومة ائتلافية مع شركاء يعارضونه في الرأي في العديد من القضايا، ومن بينها أوروبا. ويضعه هذا هو ونائب رئيس الوزراء، نيك كليغ، الديمقراطي الليبرالي، في موقف صعب لأسباب متعارضة. «نيك كليغ لديه نشطاء في حزبه لا تروق لهم فكرة الحكومة الائتلافية ولا تروق لهم الكثير من الإجراءات التي قد اتخذتها، ويعتبرون الأكثر إعجابا بأوروبا والاتحاد الأوروبي من داخل الثلاثة أحزاب الرئيسية»، هذا ما قاله فيليدينغ من مركز السياسات البريطانية. وأضاف: «وبعض الأعضاء في حزب كاميرون لا تروق لهم فكرة الحكومة الائتلافية وكذلك كثير من الإجراءات التي اتخذتها، كما أنهم الأكثر معارضة للاتحاد الأوروبي. إنه موقف شديد الحساسية بالنسبة لهم جميعا».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* ساهم في إعداد التقرير سارة ليال من لندن وستيفن كاسل من بروكسل.