ازدياد المخاوف حول مدى متانة المصارف الأوروبية

بنك «كومرتز» الألماني يثير عاصفة من الشكوك مع اقترابه من طلب مساعدة حكومية ثانية

مقر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت («الشرق الأوسط»)
TT

ازدادت سحابة الخوف التي تخيم على المصارف الأوروبية قتامة في أعقاب تقارير تشير إلى اقتراب مصرف «كومرتز بنك» من طلب مساعدة حكومية أخرى.

وعلى غرار العديد من الشركات المالية في المنطقة، يتعرض مصرف «كومرتز بنك»، ثاني أكبر مصرف ألماني بعد «دويتشه بنك»، لضغوط من المشرعين لزيادة رأسماله الإضافي. وأوضحت الهيئة المصرفية الأوروبية هذا الشهر، أن على المصرف إضافة 3.5 مليار يورو أو 639 مليار دولار إلى رأس ماله، بحلول منتصف عام 2012.

ولكن محللين وغيرهم عبروا عن قلقهم من عدم قدرة «كومرتز بنك» على توفير الأموال اللازمة التي تقدر بنحو 80 في المائة من القيمة السوقية للمصرف. ففي ظل الاضطرابات الحالية يتحاشى المستثمرون المخاطرة بمزيد من الأموال في هذا القطاع.

ومع مبلغ كبير ينبغي جمعه، ازدادت التكهنات بإجراء مصرف «كومرتز بنك» محادثات مسبقة مع وزير المالية الألماني بشأن خطة إنقاذ.

ويقول نيكولاس فيرون، زميل بارز في «بروغيل»، معهد بحثي في بروكسل: «النظام المصرفي هش للغاية. من الصعب التكهن بأن يسفر ذلك عن أحداث بارزة مثل انهيارات أو عمليات تأميم، لكني لا أستبعد أي شيء».

وقد نفى «كومرتز بنك» هذه التقارير، مشيرا إلى عزمه على عدم الحصول على مساعدات حكومية؛ إذ تملك الحكومة الألمانية 25 في المائة من الشركة التي يقع مقرها في فرانكفورت بعد إنقاذ البنك في عام 2009.

وعلى الرغم من إصدار وزير المالية الألماني بيانا قلل فيه من التوقعات بشأن إنقاذ «كومرتز بنك»، فإن الحكومة رفضت نفي صحة هذه الأنباء.

وقال الوزير: «كشريك في (كومرتز بنك)، تجري الحكومة اتصالات بصورة دورية، بيد أن هذا لا يتجاوز نطاق تبادل المعلومات».

ويبرز المشهد المأزق الذي يواجه صانعي السياسة والمؤسسات المالية الكبرى.

ونتيجة لاستمرار أزمة الديون السيادية، يضغط المنظمون على المصارف لزيادة رأسمالها الإضافي، كجزء من جهد موسع لاستعادة الثقة في الأسواق المالية. لكن المسؤولين التنفيذيين للصناعة يشكون من أن الطريقة الوحيدة لزيادة احتياطياتهم تتمثل في بيع الأصول بأسعار متدنية وتقليص الإقراض وتضخيم التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده منطقة اليورو حاليا.

ويقول هارالد إيه بينيك، أستاذ المصارف والتمويل في جامعة تيلبورغ في هولندا: «إذا انخفضت رسملة المصارف الكبيرة إلى مستويات متدنية للغاية ينبغي لك - سواء رغبت في ذلك أم لم ترغب - أن تستعيد الثقة في الأسواق»، لكنه أضاف أن «من الصعب على المصارف الذهاب إلى الأسواق في هذه البيئة. لكن الحكومات هي من سيقوم بهذه الخطوة».

ينبغي للمصارف أن تجمع قدرا كبيرا من المال.

صرحت الهيئة المصرفية الأوروبية بأن على المؤسسات المالية جمع 115 مليار يورو رأسمال جديدا بنهاية يونيو (حزيران) المقبل. مما يعني حاجة مصرف «بانكو سانتاندير» الإسباني إلى 15.3 مليار يورو، فيما يحتاج مصرف «يوني كريدت» إلى جمع 8 مليارات دولار.

وعلى الرغم من امتلاك ألمانيا أقوى اقتصاد في أوروبا، فإن نظامها المصرفي لا يزال عرضة للمخاطر على نحو خاص، فمن بين 13 مصرفا ضخما قامت الهيئة المصرفية بدراستها الأسبوع الماضي، تبين حاجة ستة منها إلى رأسمال إضافي. ويحتاج مصرف «دويتشه بنك» إلى جمع 3.2 مليار دولار.

وقد أعلن عدد من البنوك الأوروبية عن خطط لبيع أصول للحصول على رأسمال إضافي لا بأس به. وبحسب شركة «ديلوي» الاستشارية، تمتلك المصارف في المنطقة حاليا 2.2 تريليون دولار في صورة أصول غير رئيسية ومتعثرة، التي يمكن التخلص من الكثير منها. وحتى قبل أن تعلن الهيئة المصرفية القواعد الجديدة، أشار مصرف «كومرتز بنك» إلى أنه سيوقف بشكل مؤقت بعض أشكال الإقراض الدولي، وسيبيع الأصول الأساسية.

لكن المستثمرين لا يزالون متوجسين خشية انخفاض أسعار الأصول مرة أخرى، وقد حذرت مؤسسة «موديز» لخدمات المستثمرين من أن المصارف قد تجد صعوبة خلال الفترة المقبلة في العثور على مشترين.

من جانبهم، يخشي المستثمرون أيضا من ضخ المزيد من الأموال في المصارف الأوروبية، فقد شهد الكثيرون منهم تراجع قيمة ممتلكاتهم منذ بداية أزمة الديون السيادية.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية سعت بعض المصارف الأوروبية إلى تغيير سنداتها في محاولة لتعزيز احتياطاتها. وقد عرض مصرف «كومرتز بنك» شراء أوراق مالية هجين بقيمة 800 مليار دولار بتخفيض؛ خطوة معقدة ستسمح له بزيادة مستويات رأسماله دون جمع أموال إضافية.

لكن مثل هذه المناورات لم تحدث أثرا ملحوظا في تهدئة مخاوف المستثمرين.

وخلال الفترة التي اضطربت فيها مؤشرات البورصات الأوروبية، انخفضت أسهم مصرف «كومرتز بنك» نحو 4 في المائة تقريبا، ليفقد السهم 75 في المائة من قيمته منذ مارس (آذار) الماضي.

* بمساهمة وليز ألدرمان من باريس ورالف ميندر من مدريد

* خدمة «نيويورك تايمز»