خبير مالي لـ «الشرق الأوسط»: ضغط أميركي لمنع القطاع المصرفي اللبناني من أن يكون متنفسا للأموال السورية

تراجع في القطاعات الاقتصادية اللبنانية بفعل الأزمة السورية وتخوف من تجميد الاستثمارات

TT

تتضخم التحديات أمام الاقتصاد اللبناني مع استمرار تأثره بالانتفاضة الشعبية ضد النظام السوري بشكل متصاعد ومتدرج منذ تسعة أشهر وحتى اليوم. ومنذ أن خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنسبة النمو في لبنان إلى 5.1% في عام 2011، بعدما كانت وصلت إلى 5.7% في عام 2010، برزت مؤشرات تدل على تراجع في القطاعات المصرفية العقارية والسياحية.

أما في الوسط المصرفي، فإن حالة من الاستنفار العام تسود المصارف اللبنانية انطلاقا من صعوبة المهمة والموقف المفروضين إزاء آليات التعامل مع القرارات الدولية، لا سيما منها العقوبات المالية والمصرفية.

ورد الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور سامي نادر هذا الواقع إلى الارتباط الوثيق بين القطاعين المصرفيين في كل من لبنان وسوريا، الذي تطور في الأعوام القليلة الماضية من خلال دخول 7 مصارف لبنانية السوق السورية للعمل، وهذه المصارف تمثل كبار المصارف العاملة في لبنان. وكشف الدكتور نادر لـ«الشرق الأوسط» أن القطاع المصرفي المحلي في وضع حرج، سيما أن تطور الواقع السوري يشير إلى مزيد من العقوبات، مما يعني أن الضغوطات السياسية ستزداد على القطاع المحلي من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وهي ضغوطات كانت بدأت فعليا لدى زيارة نائب وزير الخزانة الأميركية إلى بيروت، حيث أبلغ مصرف لبنان والمصارف اللبنانية بضرورة النأي بالقطاع المصرفي عن أن يكون متنفسا للأموال السورية. وأضاف أن المحادثات الأخيرة لمساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، تطرقت مع المسؤولين اللبنانيين إلى أهمية الالتزام بالعقوبات الأميركية والأوروبية، كي لا تكون المصارف اللبنانية المتنفس للأموال الهاربة من سوريا.

وفي هذا الإطار، تشير معلومات مصرفية إلى وجود حسابات ضخمة لعملاء سوريين لدى المصارف اللبنانية منذ مدة طويلة وتأثرت الآن بفعل العقوبات المفروضة. واعتبر نادر أن تدفق الأموال والودائع إلى بيروت سيتأثر إذا لم يتخذ لبنان تدابير لحماية اقتصاده بما فيها تحفيز النمو وتنشيط الصادرات، وذلك عبر رؤية واضحة للحكومة تحدد كيفية إعطاء دفع للاقتصاد وتعويض تراجع النمو الذي حذر منه صندوق النقد الدولي ومؤسسات التصنيف الدولية.

وكان صندوق النقد أشار في تقريره الأخير عن لبنان إلى أن الوضع السياسي غير المستقر والاضطرابات في سوريا أديا إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي اللبناني. في حين ذكرت تقارير محلية أن قطاعين اقتصاديين مهمين هما العقارات والسياحة قد تراجعا منذ اندلاع الثورة الشعبية في سوريا. وقال نادر إن سوريا تفيد من انفتاح النظام المصرفي واقتصاد السوق في لبنان، بينما يفيد الأخير من اليد العاملة السورية المتدنية الأجر. لكن الأزمة السورية بدأت تلقي اليوم بظلال ثقيلة على لبنان، حيث تسود مخاوف من احتمال تمدد العنف مما قد يخيف المستثمرين العرب والأجانب، كما يؤثر سلبا على المغتربين اللبنانيين الذين تعتبر تحويلاتهم المالية عنصرا أساسيا في تنشيط الدورة الاقتصادية.

ويشار إلى أن حركة التبادل التجاري بين لبنان وسوريا التي تشكل ممر الترانزيت لجزء من الواردات والصادرات اللبنانية من وإلى الدول العربية، شهدت تباطؤا ملحوظا في الأشهر الأخيرة. وكانت قيمة الصادرات اللبنانية بلغت ملياري دولار في النصف الأول من عام 2011، وتعتبر سوريا من أبرز المستوردين من لبنان. ذلك أن قسما كبيرا من السلع التي تشحن إلى بيروت يعاد بيعها إلى وجهات أخرى وسوريا في طليعة دول الجوار التي تستورد سلعا من لبنان.

وبالأرقام، فقد تراجعت أنشطة الشحن من لبنان برا وجوا وبحرا بنسبة 30% منذ شهر أغسطس (آب) الماضي، فيما تراجعت الأعمال في سوريا بنسبة 50% منذ بداية العام الحالي. أما الحركة السياحية، وبحسب إحصاءات رسمية، فقد سجلت تراجعا بنسبة 25% هذا العام بسبب انعدام السياحة البرية من أكثر من دولة عربية إلى لبنان عبر سوريا.