منطقة اليورو تدخل العام الجديد من دون حل لأزمة الديون

أسواق المال قلقة.. والمستثمرون يخرجون من السندات السيادية

إيطاليا تعيش أزمة حقيقية والفقر يزداد.. ويرى في الصورة سيدة إيطالية تمر برجل متشرد في أحد شوارع روما (أ.ب)
TT

بعد سنتين من الأزمات يرزح النمو العالمي تحت وطأة أزمة الديون فيما يبدو أن منطقة اليورو مركز الأزمة غرقت مجددا في انكماش، في سيناريو لطالما كان مصدر تخوف لم يكن من الممكن تفاديه في نهاية المطاف.

فعلى الرغم من وعود القادة الأوروبيين وقوى عظمى أخرى في كل قمة ببذل «كل الجهود» لتلافي الأسوأ، لم يحدث شيء. فالأزمة تستفحل، كما حذرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد الخميس.

وأكثر الأنباء إثارة للقلق تأتي من أوروبا، وخصوصا من منطقة اليورو حيث بات المرور بمرحلة ركود ولو لفترة قصيرة في أفضل الأحوال، أمرا محتوما في رأي معظم خبراء الاقتصاد. وكانت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أول من حذر في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) من أن «منطقة اليورو تمر على ما يبدو بانكماش طفيف» يترجم بتراجع لإجمالي الناتج الداخلي أواخر 2011 ومطلع 2012 في الاقتصاديات الثلاثة الأولى، ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. وعلى الرغم من تباطؤ ملفت لا يزال الاقتصاد العالمي صامدا بصورة أو بأخرى. وبحسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية فإن نمو الكوكب سيتباطأ بنسبة 3.4% العام المقبل بعد 3,8% هذا العام. وذلك حسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.

من جهتهم لم يتوصل القادة الأوروبيون إلى حل سريع لأزمة الديون في منطقة اليورو التي بات عدد من دولها مجددا هدفا لوكالات التصنيف الائتماني. فقد خفضت وكالة فيتش يوم الجمعة تصنيف فرنسا إلى سلبي رغم أنها أبقت عليه عند «إيه إيه إيه». وقالت الوكالة في بيان لها إن «تفاقم أزمة منطقة اليورو منذ يوليو (تموز) يمثل صدمة سلبية كبيرة للمنطقة ولاقتصاد فرنسا ولاستقرار قطاعها المالي».

ووضعت الوكالة تصنيف كل من بلجيكا وإسبانيا وسلوفينيا وإيطاليا وآيرلندا وإسبانيا تحت المراقبة السلبية «مما يشير إلى أن تصنيفاتها تخضع للمراجعة النشطة مع احتمال كبير بتخفيض تصنيفها على الأمد القريب»، بحسب الوكالة. وخفضت وكالة موديز مساء الجمعة تصنيف بلجيكا مشيرة إلى تدهور الظروف المالية لدول منطقة اليورو والمخاطر بالنسبة لنمو الاقتصاد البلجيكي والكلفة التي يمكن أن يتسبب بها إنقاذ المصارف ومنها ديكسيا للميزانية.

ووضعت «فيتش رايتينغز» من جهتها عدة دول أوروبية تحت المراقبة السلبية مهددة بتخفيض تصنيفها بحلول نهاية يناير (كانون الثاني) بسبب غياب أي أفق للخروج بسرعة من أزمة الديون. واعتبرت فيتش في بيان أن «حلا شاملا» لأزمة منطقة اليورو «لم يعد تقنيا وسياسيا بمتناول اليد» على الرغم من القرارات التي اتخذت في قمة بروكسل. وهددت الوكالة بخفض تصنيف إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وايرلندا وسلوفينيا وقبرص.

ونظرت فيتش بإيجابية إلى تعهد قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل بتسريع إنشاء آلية أوروبية للاستقرار، لكنها أبدت قلقها من غياب شبكة أمان مالية ذات مصداقية.

كما شددت على دور متزايد للبنك المركزي الأوروبي مطالبة بالتزام أكبر وأكثر وضوحا لمؤسسة فرنكفورت بغية تخفيف خطر حصول أزمة سيولة في الدول التي تتمتع بالملاءة لكنها قد تكون في وضع هش بسبب النقص في الخزينة.

وأخذ وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي فرنسوا باروان علما بقرار فيتش مذكرا بالتزام باريس بمكافحة العجز. ويأتي إعلان فيتش بعد إعلان وكالتي موديز وستاندرز أند بورز اللتين قد تخفض تصنيف دول أوروبية عدة في الأسابيع المقبلة.

وقالت موديز إنها ستعيد النظر في تصنيف دول منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي في الفصل الأول من عام 2012 بسبب غياب أي «قرارات حاسمة» أثناء القمة الأوروبية في بروكسل.

أما ستاندرد أند بورز فقد هددت حتى قبل الخامس من ديسمبر، أي قبل قمة بروكسل، بتخفيض التصنيف الائتماني لـ15 من الدول الـ17 الأعضاء في منطقة اليورو وبينها ألمانيا وفرنسا اللتان تحظيان بعلامة «إيه إيه إيه» لدى الوكالة.

وتواجه دول منطقة اليورو بسبب ثقل ديونها أيضا خطر الوقوع في انكماش. فقد أعلنت آيرلندا إحدى ضحايا أزمة الديون والتي تحظى بخطة مساعدة مكثفة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، من جهتها الجمعة أنها سجلت تراجعا بنسبة 1,9% من إجمالي ناتجها الوطني في الفصل الثالث.

وفي إيطاليا تبنى النواب بغالبية واسعة خطة تقشف حكومية تقدمت بها الحكومة الجديدة برئاسة ماريو مونتي. وقال مونتي أمام النواب إنه يأمل أن لا يضطر إلى أن يطلب «تضحيات» أخرى من الإيطاليين وأكد أن «لا شك» لديه بان إيطاليا ستخرج من الأزمة.

وكرر مونتي أن بلاده التي ترزح تحت ديون ضخمة تقدر بنحو 1900 مليار يورو (اي نحو 120% من إجمالي ناتجها الداخلي) ليس أمامه من خيار آخر. وقد اعتمدت الحكومة في الرابع من ديسمبر خطة التقشف الجديدة الثالثة منذ الصيف، والتي تفرض تضحيات كبيرة على الإيطاليين مع تدابير لخفض العجز بنحو 20 مليار يورو وإنعاش الاقتصاد بأكثر من 10 مليارات. وفي هذا الوضع فإن النبأ السار الوحيد بالنسبة للأوروبيين يأتي عبر المانش من بريطانيا.

فبريطانيا التي كانت البلد الوحيد التي اعترضت على المعاهدة الأوروبية الجديدة، سعت الجمعة للعودة إلى الساحة من خلال قبولها المشاركة في اجتماعات الخبراء من أجل التمكن من التأثير في المناقشات. وبعد جلسة من التردد أقفلت البورصات الأوروبية على تراجع في سوق لا تزال تحت الضغط قبل تخفيض تصنيف دول في منطقة اليورو الذي بات يعتبر أمرا محتوما.