اقتصاديون: ضعف الرقابة والدعم الحكومي ساهما في التلاعب بأسعار السلع الغذائية في السعودية

دراسة: الاقتصاد السعودي يخسر 700 مليون دولار بحلول 2016 بسبب التخلي عن زراعة القمح

دعا مختصون مشاركون في منتدى الرياض الاقتصادي إلى إعادة النظر في تقييد زراعة القمح بالبلاد.(تصوير: أحمد فتحي)
TT

كشف الدكتور خالد بن سليمان الراجحي رئيس مجلس شركة الراجحي القابضة لـ«الشرق الأوسط» أن المدة الزمنية للأمن الغذائي لا تتجاوز 6 أشهر، التي قيست مؤشراتها على 6 سلع رئيسية؛ هي: اللحوم الحمراء، والدواجن، والأسماك، والقمح، والأرز، والسكر، في حين أن المدة الزمنية لا بد أن تتجاوز 12 شهرا.

وشكك عدد كبير من الحضور من الخبراء في الشأن الزراعي في الإحصاءات التي خرجت بها دراسة حول الأمن الغذائي ناقشتها الجلسة الخامسة في منتدى الرياض الاقتصادي، وأشاروا إلى ضرورة إعادة النظر، كونها أغفلت سلعا تمتاز بها السعودية كالتمور، ورد الدكتور خالد الراجحي بأن السلع التي أعدت على ضوئها الدراسة تأتي ضمن المؤشرات العالمية لقياس أي مخزون استراتيجي.

إلى ذلك، أيد كثير من المداخلات ما خرجت به الدراسة والمتعلق بالمعوقات التي تواجه المستثمرين، حيث أشار عدد من رجال الأعمال إلى أن قلة الحوافز وعدم الشفافية في الاستثمار الأجنبي أبرز ما يواجهونه كمستثمرين، وطالبوا بضرورة وجود آلية لتعويضهم، خاصة في الدول التي تشهد موجة من التغيرات السياسية، والكوارث الطبيعية، وأن عدم وجود ملحقيات تهتم بالمزارعين في السفارات السعودية في الخارج ساهم في عدم وضوح الصورة للمستثمرين، ويحد من صناعة الاستثمار الزراعي في الخارج. وتمحورت الدراسة حول مساعدة المزارعين المحليين، وحل مشكلات المياه، والإسراع في حث المستثمرين على الاستثمار في الخارج، أسوة بدول في العالم الثالثالتي خط خطوات كبيرة في توفير السلع الغذائية لبلدانها وبأسعار مناسبة. وعلمت «الشرق الأوسط» أن استفتاء أعد خلال المنتدى حول إيجابيات الاستثمار الزراعي في الخارج، وخرجت النتائج بموافقة 72 في المائة من المصوتين، في حين اعتبر 24 في المائة منهم أن ذلك يشكل خطورة وليس فيها مردود للسعودية.

ومن أبرز المداخلات مطالبة المستثمرين الزارعين بالإسراع في منح الأراضي وإعفائهم من برنامج «نطاقات» الذي يلزم بتوظيف سعوديين بنسب تحددها وزارة الزارعة، وهو ما تعذر في عمالة وطنية تعمل في عدد من المهن كالدباغة والصيد وهو ما يسبب حرمانها من الاستمرار وتوقف نشاطها ما لم تقم بالتوظيف.

وطالب خبير زراعي بالاستفادة من مياه المنطقة الشرقية ذات الملوحة الشديدة في زراعة الشعير الذي يقاوم الملوحة مهما كانت درجاتها.

وعبر الحضور عن رضاهم بتوجيه ولي العهد بدراسة «توفير احتياجات السعودية من القمح في ظل شح الموارد المائية، مع ضرورة احتساب كميات المياه المستخدمة والمياه المتاحة، وتقدير الفجوة المائية، باستخدام بعض البرامج للتنبؤ بالطلب مستقبلا في ضوء بعض المعطيات والافتراضات المحددة». إلى ذلك، أوصى منتدى الرياض الاقتصادي بضرورة إنشاء كيان مؤسسي متخصص للتخطيط والرقابة لإدارة المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية، مشددا أيضا على أهمية إعادة هيكلة المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق من حيث المسؤولية والاختصاص، مشيرا إلى أن سياسة السعودية الزراعية القاضية بالتخلي عن زراعة القمح، كبدت الاقتصاد السعودي خسائر كبيرة. ودعا المنتدى في جلسته الخامسة أول من أمس إلى ضرورة إعادة النظر في قرار تقييد زراعة القمح في السعودية، بهدف المحافظة على مستوى معين للأمن الغذائي من ناحية، وحمايتها من الضغوط السياسية والاقتصادية التي قد تلجأ إليها بعض الدول المحتكرة لإنتاج وتصدير القمح في العالم من ناحية أخرى.

وكان قد تم تخصيص الجلسة لمناقشة دراسة أعدها المنتدى وألقاها المستشار الاقتصادي رئيس مجلس شركة الراجحي القابضة، تحت عنوان «الأمن الغذائي بين الزراعة المحلية والاستيراد والاستثمار الخارجي». وبررت الدراسة ارتفاع حجم الخسائر الاقتصادية والاجتماعية التي يتكبدها الاقتصاد السعودي بأنه نتيجة التخلي عن زراعة القمح، متوقعة زيادة مقدار الخسارة الاجتماعية للقمح من 317 ألف طن، بقيمة تبلغ 87.73 مليون دولار عام 2009م، إلى 2.5 مليون طن، بقيمة تبلغ 700 مليون دولار عام 2016م، بالإضافة إلى قيام بعض الدول المصدرة بفرض الحصص التصديرية وإيقاف التصدير في أوقات معينة. ولفتت إلى ارتفاع الأسعار العالمية للقمح مقارنة بتكاليف الإنتاج؛ إذ قدرت تكلفة توفير الاحتياجات الاستهلاكية من خلال الزراعة المحلية للقمح بـ361.6 دولار لكل طن، في حين تصل إلى 397.4 دولار لكل طن في حالة الاستيراد، وفقا لبيانات المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق عام 2011م، وبالتالي، يتضح أن تكلفة الاستيراد للقمح تزيد بمعدل يبلغ 9.9 في المائة عن الزراعة المحلية، مما يؤكد عدم التخلي عن زراعة القمح في التركيب المحصولي للزراعة السعودية.

كما أوصت الدراسة بإنشاء كيان مؤسسي متخصص يتبع مجلس الوزراء للتخطيط والرقابة لإدارة وتكوين المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية الاستراتيجية، وإعادة هيكلة المؤسسة العامة للصوامع والغلال ومطاحن الدقيق من حيث المسؤولية والاختصاص.

وعزت هذه التوصية لعدم وجود كيان مؤسسي مسؤول عن الخزن الاستراتيجي للسلع الغذائية بشكل محدد في المملكة إلى جانب وجود تضارب أو عدم تنسيق بين الجهات ذات العلاقة بالإنتاج أو الاستيراد أو الاستثمار الزراعي لهذه السلع، فضلا عن ضرورة الحفاظ على مخزون استراتيجي كاف من السلع الغذائية الأساسية حتى لا يتعرض المعروض في السوق المحلية لأي هزات نتيجة انخفاض المعروض عالميا من تلك السلع.

وكشفت أن أهم العوامل المحلية المؤدية إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية في السعودية تتلخص في قلة الدعم الحكومي للسلع الغذائية، ولجوء بعض تجار الجملة والتجزئة والمستوردين إلى رفع الأسعار، وضعف الرقابة الحكومية على أسعار السلع الغذائية. وأكدت على ضرورة تحقيق الأمن الغذائي لأهم السلع الاستراتيجية من خلال اتباع سياسة تكاملية بين الزراعة المحلية والاستيراد والاستثمار الزراعي السعودي في الخارج.

وأوضحت أن السعودية تعاني شحا في الموارد المائية نظرا لافتقارها إلى الأنهار والأمطار الغزيرة المنتظمة، وبالتالي، فإن الضغط على الزراعة المحلية لتحقيق الأمن الغذائي لسلع معينة سيكون على حساب الإمكانات الموردية وأهمها الموارد المائية التي يتطلب الأمر ترشيدها بغرض التنمية المستدامة والحفاظ عليها لمستقبل الأجيال القادمة.

ودعت الدراسة للاستفادة من التجارب الناجحة في تحقيق الأمن الغذائي لتأمين الاحتياجات الاستهلاكية الغذائية لمواطنيها، كما دعت لاستحداث آلية لتوفير التمويل اللازم للاستثمار الزراعي في الخارج، وتفعيل دور الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني، إلى جانب تطوير نظام صندوق التنمية الزراعية ليقوم بتمويل الاستثمار الزراعي السعودي في الخارج.

كما أكدت على ضرورة دراسة الفرص الاستثمارية الزراعية في الدول التي يتم اختيارها وتوقيع اتفاقيات ثنائية معها لضمان تأمين رؤوس الأموال السعودية من المخاطر، ومساعدة المستثمرين الزراعيين في الخارج على إقامة جمعيات تعاونية زراعية كفيلة بحل مشكلاتهم الزراعية والقانونية والتمويلية إلى جانب إنشاء بنوك تجارية سعودية في الدول المضيفة التي يتم التركيز عليها لتقديم الخدمات التمويلية والائتمانية للمستثمرين الزراعيين في الخارج.

ونوهت الدراسة بضرورة استحداث وظيفة ملحق زراعي بالسفارات السعودية خاصة في الدول المرشحة للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج لكي يعمل على حل مشكلات المستثمرين، ومراعاة التوزيع الجغرافي للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج للحد من المخاطر الطبيعية والاقتصادية والسياسية الممكن حدوثها داخل الدول المضيفة للاستثمار الزراعي.

وذكرت أن عدد المستثمرين السعوديين في المجال الزراعي يتناقص وبشكل كبير، على عكس القطاعات الأخرى التي تتسع نشاطاتها، وهو ما انعكس على حجم المخزون الاستراتيجي للغذاء.

يشار إلى أن جلسة الدراسة عقدت برئاسة وزير الزراعة الدكتور فهد بن عبد الرحمن بالغنيم، وبمشاركة مدير عام المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق المهندس وليد بن عبد الله الخريجي، ومدير مركز الأعمال للاستشارات الاقتصادية الدكتور حمد بن سيف البتال، كمحاورين، فيما تولت الدكتورة موضي بنت عثمان الموسى عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود إدارة الحوار في القاعة النسائية، وقدم الدكتور خالد بن سليمان الراجحي الدراسة.