خبراء: تغيير السياسة النقدية المصرية سيحافظ على احتياطي العملة الأجنبية عند مستويات آمنة

قالوا إن اتجاه أوروبا إلى تنفيذ خطة تقشف في الواردات سيزيد الأعباء

مقر البنك المركزي المصري («الشرق الأوسط»)
TT

دائما ما يشكل تراجع احتياطي النقد الأجنبي أزمة عند صناع القرار والسياسيين ورجال الأعمال، إلا أن اهتمام المواطن البسيط به لا يتعدى سوى ما يسمعه من وسائل الإعلام على اعتباره مؤشرا لسوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

ويؤكد خبراء أن تراجع هذا الاحتياطي يؤثر على المركز المالي للدولة، ولا يمتد تأثيره إلى المواطن العادي بشكل مباشر، كما تقول بسنت فهمي مستشار بنك البركة المصرفي، وترى أن الاحتياطي لا يزال كافيا ومستواه جيد.

ولكن في حالة تراجع هذا الاحتياطي دون المستوى الآمن الذي لا يستطيع معه أن يوفي واردات البلاد السلعية لمدة خمسة أشهر، فهذا سيؤدي إلى ضعف العملة المحلية، وهذا ما سيتبعه ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي تستوردها البلاد، وهو ما يعني أنه سيزيد الأعباء على الحكومة بشكل أكبر من المواطن، فالحكومة تدعم تلك السلع الأساسية، وبالتالي فإن الأعباء ستتحملها الحكومة بشكل أكبر من المواطن البسيط. ويعود تراجع احتياطي النقد الأجنبي إلى استمرار تراجع حجم الإيرادات العامة للدولة في ظل استمرار حركة الاضطرابات والاحتجاجات، وخروج الاستثمارات الأجنبية من السوق المحلية، وتراجع الإيرادات السيادية للدولة.

وقال خبراء إن اتجاه أوروبا (التي تعد مصر أحد الموردين الرئيسيين لها) إلى تنفيذ خطة تقشف في الواردات علاجا لمشكلة أزمة سيولة لديها، سيضاعف من متاعب البلاد، وسيؤثر هذا على احتياطي النقد الأجنبي.

وكشفت دراسة مصرفية حديثة للباحث المصرفي أحمد آدم عن وصول الانخفاض الفعلي في الاحتياطيات الرسمية وغير الرسمية لمصر من النقد الأجنبي إلى نحو 22.9 مليار دولار في 11 شهرا، وسط تأكيدات من المجلس العسكري الذي يدير شؤون مصر في الوقت الحالي بوصول رصيد الاحتياطي النقدي إلى 15 مليار دولار نهاية يناير (كانون الثاني) المقبل.

وأرجعت الدراسة تراجع الاحتياطي إلى وجود تحويلات تمت لرؤوس أموال أجنبية قصيرة الأجل كانت مستثمرة بأذون الخزانة، بلغت خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجاري 43 مليار جنيه، وأوضحت الدراسة أن زيادة إيداعات البنوك المصرية لدى نظيرتها بالخارج، على الرغم من التدني الكبير لأسعار الفائدة خارجيا، تأتي كأحد أسباب تراجع الاحتياطي.

وقالت الدراسة إن الانهيار في الاحتياطي النقدي سيكون على مرحلتين: المرحلة الأولى وهي المرحلة التي ستنتهي بنهاية العام الجاري، والتي بدأت بحلول العام الجاري بخروج رؤوس الأموال من داخل مصر لخارجها، بينما بدأت المرحلة الثانية قبل شهرين من نهاية العام الحالي، حيث سيكون انخفاض إجمالي الموارد الدولارية الأساسية لمصر هو السبب الرئيسي في تدهور الاحتياطيات.

وقال آدم لـ«الشرق الأوسط» إنه سوف يرسل دراسته إلى بعض الجهات التنفيذية، ومنها رئاسة الوزراء، خاصة بعد أن تأكد المجلس العسكري من عدم وجود حلول لزيادة حجم الاحتياطيات لدى البنك المركزي المصري، لأنه أدرك الكارثة المتوقعة في نهاية يناير، فهو يريد حلولا من خارج نطاق مستشاريه والبنك المركزي وقياداته، حسب قوله.

وقال آدم إن المركز المالي الإجمالي لبنوك مصر كشف عن زيادة إيداعاتها لدى البنوك بالخارج خلال الثمانية أشهر الممتدة بين ديسمبر (كانون الأول) وحتى يوليو (تموز) الماضي بنحو 39.4 مليار جنيه، ثم انخفضت بواقع 15.9 مليار جنيه خلال شهري أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول).

وأرجع ذلك الانخفاض إلى احتمالين، أولهما عودة تلك الإيداعات مجددا، أو أن تكون التزامات استحقت واستنفذت بالخارج، وذلك بعد الأزمة الأميركية وتخفيض «ستاندرد آند بورز» للجدارة الائتمانية للاقتصاد الأميركي الذي انعكس على رفع نسبة مخاطر زيادة الإيداعات بالخارج، سواء كانت من بنوك أو أفراد، الأمر الذي يتطلب متابعة الحركة على إيداعات بنوكنا بالخارج أولا بأول.

وأشار إلى أن المركز المالي الإجمالي للبنوك كشف تراجع المخصصات بقيمة 19 مليار جنيه لتبلغ 54 مليار جنيه في ديسمبر 2010 مقابل 73 مليار جنيه خلال نوفمبر (تشرين الثاني)، بالتزامن مع انخفاض بقيمة 16.6 مليار جنيه بالقروض والتسهيلات الائتمانية، مما يعني إعدام قروض بنهاية ديسمبر لا تقل عن مليار جنيه ممنوحة للقطاع الخاص والعائلي.

وأوضحت الدراسة أنه على الرغم من تراجع عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات المصري بنهاية مارس (آذار) الماضي إلى 2.4 مليار دولار مقابل 2.5 مليار دولار في الشهر ذاته من العام السابق، وزيادة الموارد الدولارية الأساسية بواقع 0.8 مليار دولار، فإن ميزان المدفوعات تراجع بشكل كبير خلال الربع الثالث من العام المالي 2010/ 2011 ليحقق عجزا بلغ 5.5 مليار دولار.

كما يرجع إلى تحقيق الحساب المالي الذي تسجل فيه الأصول والالتزامات المالية الخارجية عجزا في نهاية مارس الماضي بقيمة 1.8 مليار دولار، مقابل فائض بقيمة 5.2 مليار دولار بنهاية مارس في العام السابق.

وتوصي دراسة آدم باتخاذ قرارات سريعة للتخفيف من تراجع الاحتياطي، منها رفع الحد الأدنى لرؤوس أموال البنوك العاملة في مصر من 500 مليون جنيه إلى 3 مليارات جنيه، وهذا من شأنه ضخ 67.4 مليار جنيه تمثل 11.3 مليار دولار في أوصال الاقتصاد. مع الإسراع بالدخول في شراكة مع السودان الشقيق لزراعة القمح والذرة وإقامة مشاريع للثروة الحيوانية ومنتجاتها، من ألبان وخلافه، يمكن أن يوفر لنا واردات بما لا يقل عن 4 مليارات دولار كل عام. بالإضافة إلى ضرورة اتخاذ التدابير لتدعيم المصريين العاملين بالخارج، فثاني أكبر مواردنا الدولارية باتت هي تحويلات هؤلاء المصريين، مع ضرورة الإسراع بإجراء الاتصالات اللازمة مع قيادة الثورة في ليبيا للإسهام في إعادة إعمارها، ولدينا شركات المقاولات الكبرى مثل «المقاولون العرب»، ولدينا العمالة القادرة على تحمل أعمال إعادة الإعمار الشاقة. مع إحداث تغيير في قيادات المصرفية واستبدالهم بقيادات جديدة لم تتعامل مطلقا مع لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل.

من جانبه اعتبر الخبير الاقتصادي أحمد سليم، أن تناقص الاحتياطي من النقد الأجنبي لدى المركزي إلى 20 مليار دولار أو أقل من ذلك من إجمالي 36 مليارا في الشهور الماضية، إضافة إلى اتجاه أوروبا إلى تنفيذ خطة تقشف في الواردات؛ علاجا لمشكلة أزمة سيولة لديها، ومصر أحد الشركاء الموردين لأوروبا، مما يعني تأثر صادراتها بالسلب جراء هذه الخطة، خطران يواجهان الاقتصاد المصري، إضافة إلى توقف النشاط السياحي نتيجة الانفلات الأمني الحادث، كل ذلك وغيره يتطلب ضرورة البحث عن علاج لهذه المشكلات باعتبارها مصادر الدخل الأساسية للنقد الأجنبي.

وأشار سليم إلى ضرورة الطرق على أكثر من باب من أجل تعويض الجزء المتوقع انخفاضه من الصادرات المصرية، سواء زراعية، صناعية، تعدينية، وغير ذلك، باعتبار أن الصادرات هي الكفة الثانية في الميزان لسد النقص في النقد الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، من هنا يرى سليم أن السوق الخليجية تأتي من بين البدائل المقترحة لتعويض هذا التآكل في النقد الأجنبي الذي يعتبر الممول الرئيسي والوحيد للاستيراد من الخارج لسلع أساسية واستراتيجية في الغذاء وغيره. كما أنه باب لسداد ديون مصر الخارجية، مشيرا إلى أن السوق الخليجية تحتل المركز الثاني في الصادرات المصرية. أيضا يمكن لمصر أن تتجه إلى السوق الأميركية وتنتهز فرصة ميزة «النوافذ الزمنية»، وأعني بها اختلاف مواعيد وتوقيتات وجود السلعة في غير وقتها بذات الدولة، وهذا يتطلب بذل مجهود أكثر لوجود منافسة في توقيتات بعض الصادرات، وأقصد الزراعية، من دول أميركا اللاتينية.

وأضاف سليم أن الخطر بالنسبة لمصر، حسب المعايير الدولية، يكون عندما لا يكفي الاحتياطي لتغطية 3 أشهر من الواردات، والمقدر بنسبة لمصر بنحو 13 مليار دولار، مطالبا بترشيد الواردات، بحيث لا يتم استيراد غير السلع الضرورية، كالغذاء وغيره، خاصة أن هناك ارتفاعا لسعر الدولار أمام الجنيه المصري، مما يساعد على فرملة الواردات ويشجع على التصدير.

ويبدي سليم تخوفه من نقص الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية، معتبرا ذلك مؤشرا غير طيب، لأن هذا الاحتياطي هو وسيلة الثمن التي نستورد بها من الخارج السلع الاستراتيجية، وفي مقدمتها القمح، خاصة أن حجم الصادرات الزراعية، بما فيها الصناعات الغذائية التي تصل إلى المليار دولار، قد فقدت قرابة الـ200 مليون دولار بنسبة 20 في المائة من الإجمالي، كانت حصيلة تصدير الأرز الذي توقف، إضافة إلى القطن أيضا الذي لا يجد من يشتريه من الفلاح الذي أصبح يعاني الكثير من المشكلات، مما يعني زيادة في أسعار المنتجات الغذائية التي تكون السبب الرئيسي في زيادة معدلات التضخم المتوقع زيادته في حالة الاستمرار في اتباع السياسيات نفسها.

وترى بسنت فهمي أنه من الممكن بشكل كبير تفادي أزمة تناقص احتياطي النقد الأجنبي من خلال تغيير السياسات النقدية التي يتبعها البنك المركزي حاليا، وأشارت فهمي إلى أن جزءا من الاحتياطي يهدر في دعم العملة المحلية، إلى جانب عمليات استيراد سلع غير أساسية في البلاد.

وقالت بسنت إن ما يشاع عن أن مصر مقبلة على خطر بسبب تراجع احتياطي النقد الأجنبي مبالغ فيه، ويستخدم كفزاعة للمصريين، وتابعت: «خلال عام 2004 وصل احتياطي النقد الأجنبي إلى خمسة مليارات جنيه، ولم تفلس وقتها مصر».

وأضافت أنه في حالة رفع البلاد يدها عن دعم العملة، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع سعر العملة المحلية، وسيعود ذلك بفوائد كبيرة على البلاد، وسيكون هذا أحد الوسائل لجذب الاستثمارات الخارجية، وسيشجع عمليات تحويل الأموال إلى العملة المحلية بعد اتجاه البعض إلى تحويل مدخراتهم إلى العملات الأجنبية للحفاظ على قيمتها.

وأضافت أنه في حالة رفع البنك المركزي يده عن دعم الجنيه، مع اتخاذ إجراءات أخرى، مثل تحجيم الواردات ورفع سعر الفائدة، فإن هذا سيحافظ على معدلات التضخم عند مستويات آمنة، وبالتالي فلن يؤدي ذلك إلى زيادة الأسعار وارتفاع مستويات التضخم.