جدل و«لعب سياسي» بدخول محلات السوبر ماركت العالمية إلى الهند

590 مليار دولار حجم القطاع.. وفرص نموه هائلة

يبيع مأكولات لمسافرين على أحد القطارات الهندية (أ.ب)
TT

وسط الضجة السياسية الكبرى التي أدت إلى تعثر هذه الدورة الشتوية الحاسمة للبرلمان الهندي خلال الأسبوعين الماضيين، قامت الحكومة بتعليق العمل بشكل مؤقت بالتشريع الذي أثار الكثير من «الجدل»، والمتعلق بدخول محلات السوبر ماركت العالمية في قطاع تجارة التجزئة الهندي، والذي كان من شأنه أن يصلح سوق التجزئة في البلاد، حيث قامت الحكومة باتخاذ هذا القرار، في إطار سعيها من أجل الإبقاء على دعم الحلفاء السياسيين الرئيسيين، الذين يعتمد عليهم ائتلاف المؤتمر الوطني الحاكم، الذي يرأسه رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، من أجل البقاء في السلطة.

ويقدر حجم صناعة تجارة التجزئة في الهند بـ590 مليار دولار، بالإضافة إلى احتوائها على فرص نمو هائلة، كما يقول المحللون.

وكانت الحكومة قد وافقت على دخول الاستثمار الأجنبي المباشر في تجارة التجزئة في العلامة التجارية الواحدة بنسبة 100 في المائة، ودخوله في تجارة التجزئة في العلامات التجارية المتعددة بسبة 51 في المائة، في خطوة تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، ولكن هذا التصريح لم يخل مع ذلك من قيود، حيث إنه لم يكن ليسمح بوجود منافذ محلات السوبر ماركت والمتاجر الأجنبية ذات العلامات التجارية المتعددة سوى في 53 مدينة هندية فقط من المدن التي يتعدى تعددها السكاني مليون نسمة، مما يعنى أنها لم تكن لتؤثر على أنماط التسوق في المراكز الحضرية الصغيرة والقرى، كما كان من ضمن القيود المفروضة أيضا أن يكون الحد الأدنى للاستثمار الخاص بسلاسل المحلات العالمية 100 مليون دولار الأقل على مدى خمس سنوات، إلى جانب الالتزام بشراء 30 في المائة من بضائعها من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.

وعلى الرغم من أن سلاسل محلات السوبر ماركت الكبيرة الدولية، مثل «وول مارت» و«كارفور» و«تيسكو»، قد افتتحت متاجر لها في كثير من البلدان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البلدان ذات الاقتصاديات الناشئة، مثل البرازيل والصين وروسيا، فإنه لم يسمح لها، حتى الآن، بالبيع بشكل مباشر للمتسوقين في الهند.

وقد خضع سينغ (79 عاما)، والذي ينسب إليه الفضل في التحول الاقتصادي في الهند عندما كان وزيرا للمالية قبل عقدين من الزمن، لمطالب الاحتجاجات السياسية التي أدت إلى تأجيل انعقاد البرلمان بشكل متكرر.

وكانت هناك ردود فعل فورية وعنيفة من خصوم سينغ السياسيين ومن بعض حلفاء الائتلاف الحاكم، بمجرد أن أعطت حكومة سينغ الضوء الأخضر لعمالقة السوبر ماركت لدخول سوق تجارة التجزئة في الهند، كما زعمت القوى السياسية الأكثر رجعية في الهند أن هذه الخطوة من الممكن أن تؤدي إلى «فقدان بعض العاملين لوظائفهم وتدمير صناعة وتجارة التجزئة المحلية».

ولكن الحكومة قالت، بعد اتخاذها قرار تعليق العمل بالتشريع الجديد: «إن هذا مجرد تعليق مؤقت، ولا ينبغي النظر إليه على أنه تراجع من جانب الحكومة»، حيث صرح وزير المالية الهندي، براناب موخيرجي، في البرلمان، بأن التشريع تم تعليقه حتى يمكن التوصل إلى توافق في الآراء.

ولم يتبق للحكومة سوى أسبوع واحد فقط في هذه الدورة الحاسمة للبرلمان، والتي تسعى من خلالها لتمرير مشروع قانون لإنشاء وكالة لمكافحة الفساد تتمتع بالسلطة اللازمة لمعاقبة الموظفين الحكوميين.

ويعد هذا الفشل في إصلاح قطاع تجارة التجزئة بمثابة ضربة شديدة لسينغ، والتي ربما تكون قد أغلقت الفرصة التي كانت متاحة أمامه لاتخاذ خطوات لتحرير الاقتصاد، قبل انعقاد الانتخابات في خمس ولايات هندية في العام المقبل، والتي تعد نقطة انطلاق حاسمة للانتخابات العامة التي ستعقد في عام 2014.

وقد منع تراجع الحكومة تدفق الاستثمار الأجنبي إلى السوق الهندية إلى أجل غير مسمى، حيث كانت الشركات الأجنبية، مثل «وول مارت» و«تيسكو»، تتنافس في تقديم العطاءات لدخول السوق الهندية، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الهندي (1.7 تريليون دولار) من حالة ركود، منذ أن بلغت نسبة النمو الاقتصادي 9 في المائة لمدة ثلاث سنوات على التوالي قبل الأزمة المالية العالمية، إلى جانب الدورة النقدية التي تزداد ضيقا، والتي بدأ تنفيذها في مارس (آذار) 2010 بهدف القضاء على التضخم، والتي أدت إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي، فقد انخفضت قيمة الروبية إلى مستويات قياسية لتصل إلى 53.5 روبية، حيث انخفضت بنسبة 15 في المائة في السنة الحالية، بينما لم ينخفض التضخم لأقل من رقمين عشريين.

وكان من الممكن أن تساعد خطوة تمكين الشركات متعددة الجنسيات من دخول سوق التجزئة الشاسع في الهند في كسر جمود بعض اختناقات العرض التي تذكي التضخم، إلى جانب قيامها بتوفير رأس المال الأجنبي الذي تعد البلاد في أشد الاحتياج إليه، لتمويل الاستثمار في مجال البنية التحتية على الأقل، والذي تهدف الخطة الخمسية الطموحة للحكومة إلى الاستثمار فيه بمبلغ تريليون دولار.

وذكرت شركة «نيلسن» الدولية للأبحاث في دراسة حديثة لها، أن مسألة التجزئة كانت فرصة كبيرة، حيث يعد مؤشر ثقة المستهلك في الهند من أعلى المؤشرات في العالم، بحيث يتجاوز بشكل كبير مثيله في الصين، وذلك على الرغم من التباطؤ الاقتصادي العالمي.

كما أدى هذا التراجع في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر في تجارة التجزئة إلى خفض الروح المعنوية للصناعة الهندية، وأكد على الاعتقاد أن الحكومة تعاني من الشلل السياسي.

وقال جاي شانكار، كبير الاقتصاديين في شركة «ريلا غير كابيتل ماركتس» المحدودة، والتي يقع مقرها في مدينة مومباي: «من غير المحتمل أن تحدث تغيرات اقتصادية كبيرة في السنتين المتبقيتين من ولاية سينغ الثانية»، مما قد يستبعد فتح قطاعات، مثل المعاشات والتأمين والطيران، أمام الاستثمار الأجنبي.

وقال شانكار في مقابلة أجريت معه: «إن الحكومة تواجه الآن تحديات من شركائها في التحالف لتنفيذ الإصلاحات تفوق التحديات التي تواجهها من أحزاب المعارضة».

وقد ذكر اتحاد الصناعات الهندية في بيان له، أن «قرار إيقاف الاستثمار الأجنبي المباشر في تجارة التجزئة في العلامات التجارية المتعددة سيكون له تأثير قوي على معنويات المستثمرين المحليين والأجانب».