هل تخرج أوروبا من عام أزمة الديون إلى عام الركود؟

مؤشر ثقة مديري المشتريات انخفض إلى أقل من 50 نقطة

إيطاليون يتسوقون في متجر حلوى ميلان وسط إحساس قاتم بالضغوط الاقتصادية التي أتت بها خطة التقشف التي أقرها البرلمان أول من أمس (أ.ب)
TT

يبدو أن الجهود التي بذلها قادة الاتحاد الأوروبي خلال الأسابيع الماضية لاحتواء أزمة الديون السيادية لمنطقة اليورو قد تأخرت بحيث لم تعد قادرة على إنقاذ المنطقة التي تضم 17 دولة من شبح الركود.

فبعد عام من اضطراب أسواق المال وتراجع ثقة المستثمرين وسلسلة المحاولات الفاشلة من جانب القادة السياسيين للاتحاد الأوروبي للخروج من براثن الأزمة، فإن كل المؤشرات الرئيسية والدراسات الاقتصادية تشير إلى أن منطقة اليورو تتجه نحو عام اقتصادي أسود. وقال مارتن فان فلايت، المحلل الاقتصادي في «آي إن جي بنك» لوكالة الأنباء الألمانية، إن اقتصاد منطقة اليورو ينزلق بالتأكيد إلى مستنقع الركود وإن كان ذلك يتم ببطء.

وكانت سلسلة من البيانات الرسمية التي صدرت مؤخرا قد أشارت إلى تباطؤ الاقتصاد في منطقة اليورو، حيث تراجعت الصادرات وكذلك انكمش الناتج الصناعي وتراجعت الطلبيات الدفترية لدى المصانع ومبيعات التجزئة خلال الشهور الأخيرة الماضية. في الوقت نفسه، فإن معدلات البطالة بلغت أعلى مستوياتها منذ إطلاق العملة الأوروبية الموحدة قبل 13 عاما. وفي تأكيد على الصورة القاتمة للاقتصاد الأوروبي، ذكرت مؤسسة «ماركيت» البحثية ومقرها لندن يوم الخميس الماضي أن مؤشر ثقة مديري المشتريات الذي تصدره دوريا انخفض إلى أقل من 50 نقطة وهو ما يعني دخوله دائرة الانكماش، حيث إن المؤشر يشير إلى النمو عندما يكون أكثر من 50 نقطة، ويشير إلى الانكماش عندما ينخفض عن هذا المستوى.

وقال كريس وليماسون، كبير المحللين الاقتصاديين في «ماركيت»، إن منطقة اليورو عانت خلال الربع الأخير من العام الحالي من أسوأ نتائج فصلية منذ عامين ونصف العام، حيث أشارت بيانات المؤسسة إلى أن الاقتصادات في المنطقة ستنكمش بنسبة 0.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الحالي.

وبعد أن بدا أن اقتصادات منطقة اليورو تقف على أقدام ثابتة في 2010 مدعومة بالأداء الجيد للاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في أوروبا، فإن المنطقة فقدت قوة الدفع الاقتصادية خلال العام الحالي في الوقت الذي يحاول فيه قادتها السياسيون احتواء أزمة الديون السيادية.

في الوقت نفسه، فإن محاولات البحث عن حلول لأزمة الديون القائمة منذ نحو عامين أثارت خلافات داخل المؤسسات السياسية للدول الأعضاء. وكانت ألمانيا بشكل خاص لاعبا أساسيا في هذه الخلافات السياسية بين شركاء اليورو، حيث دعت البنك المركزي الأوروبي إلى لعب دور أكبر في مواجهة الأزمة ودعت دول المنطقة إلى تبني قواعد أشد صرامة للسيطرة على عجز الميزانية لديها.

وفي إشارة إلى عمق المخاوف بشأن اقتصادات منطقة اليورو، انضم البنك المركزي الأوروبي إلى الجهود الرامية إلى تطويق الأزمة من خلال خفض سعر الفائدة مرتين وضخ مليارات اليورو في أسواق المال من خلال برنامج لشراء سندات الخزانة التي تصدرها دول منطقة اليورو المتعثرة ماليا مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال. في الوقت نفسه، فجرت محاولات الحكومات الأوروبية احتواء الأزمة المالية سلسلة من المظاهرات المناهضة للسياسات الحكومية في المدن الأوروبية الرئيسية، وقد تحولت في حالات كثيرة إلى أعمال عنف ووصلت إلى حد الإطاحة بحكومات الدول الموجودة في قلب الأزمة وهي إيطاليا والبرتغال واليونان وإسبانيا.

وقد اتفق قادة الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من الشهر الحالي على ما يسمى «الميثاق المالي» بهدف تشديد ضبط موازنات الدول الأعضاء وهو ما أظهر للأسواق المالية على الأقل إصرار القيادة السياسية على التعامل الصارم مع الأزمة المالية.

وفي محاولة إضافية لإبقاء اقتصادات رئيسية في منطقة اليورو في طريق الانضباط المالي، أقيلت حكومتان منتخبتان في اليونان وإيطاليا لتحل محلهما حكومتان مؤلفتان من التكنوقراط وملتزمتان بخفض عجز الموازنة ومعدل الدين العام. في المقابل، فإن الانقسام الحاد داخل الاتحاد الأوروبي حول سبل التعامل مع الأزمة ظهر من خلال الجهود الفرنسية الألمانية لتشديد قواعد ضبط الموازنة، في حين رفضت بريطانيا المشاركة في هذه الجهود. وقد تعرضت اقتصادات منطقة اليورو لمشكلة إضافية خلال الشهور الماضية مع تزايد تهديدات مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية بخفض تصنيف كل دول المنطقة على خلفية أزمة الديون السيادية، وهو ما يلقي بظلال كثيفة على اقتصادات المنطقة خلال العام الجديد.

ورغم الآمال التي أثارها اتفاق قادة الاتحاد الأوروبي الأخير حول قواعد ضبط الموازنة، فإن كل المؤشرات تقول إن الأزمة المالية صارت الآن أكثر استحكاما مقارنة بما كانت عليه خلال الشهور الـ12 الماضية، حيث امتدت الأزمة إلى اثنين من الاقتصادات الرئيسية بالمنطقة هما إيطاليا وإسبانيا.