مصر: تفاقم الدين قصير الأجل يفرض الاقتراض من الخارج رغم المخاطر

«موديز» تخفض التصنيف الائتماني لخمسة بنوك مصرية

البنك المركزي المصري قام بعملية الطرح الآلية بالإنابة عن وزارة المالية لتدبير أموال قصيرة الأجل للدولة بقيمة 5.5 مليار جنيه («الشرق الأوسط»)
TT

باعت الحكومة المصرية أذون خزانة بنحو 2.1 مليار جنيه (349 مليون دولار) من أدوات الدين الحكومية، من إجمالي العطاءات التي طرحت، والبالغة 3.5 مليار جنيه (582 مليون دولار)، لمدة تصل إلى 350 يوما، وقد وصل سعر الفائدة في ذلك الطرح إلى ما يزيد علي 15 في المائة، لتدبير موارد تحتاج إليها الدولة لتدبير أموال تسد الاحتياج اليومي المتصاعد منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي أطاحت بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير (شباط) الماضي.

وأعلن البنك المركزي المصري، الذي يقوم بعملية طرح تلك الآلية بالإنابة عن وزارة المالية لتدبير أموال للدولة، عن طرح جديد لأداة الدين المصري قصير الأجل بقيمة 5.5 مليار جنيه (915 مليون دولار) لآجال قصيرة (61 يوما و266 يوما).

وحذر الخبير المصرفي أحمد سليم من خطورة اعتماد الحكومة المصرية في تغطية ما تحتاج إليه من موارد على آلية الدين قصير الأجل «المتمثل في الأذون والسندات»، في الوقت الذي حذرت فيها مؤسسات التقييم والتصنيف الائتماني من خطورة الوضع في مصر، وآخرها مؤسسة «موديز» للتصنيف الائتماني التي حذرت من خطورة الوضع المالي المصري مع انخفاض معدلات السيولة واحتياط النقد الأجنبي، وقابلت الحكومة ذلك التحذير بطرح أذون خزانة بقيمة ستة مليارات جنيه (998 مليون دولار).

وقامت الحكومة بطرح أذون بقيمة 3.5 مليار جنيه (582 مليون جنيه) لأجل عام، و2.5 مليار جنيه (415 مليون دولار) لأجل ستة أشهر، في اليوم التالي لإعلان موديز عن تخفيض التصنيف الائتماني لمصر من «B1» إلى «B2»، وهي المرة الرابعة التي تخفض فيها «موديز» التصنيف المصري في العام الحالي في ظل التدهور الاقتصادي الناتج عن العنف الأمني ضد المتظاهرين السلميين وانفلات الحالة الأمنية ضد الأعمال الإجرامية. وقال سليم «إن مصر على بعد درجة واحدة من الدخول في درجة التصنيف (C) الذي يعبر عن مخاطر شديدة في عدم القدرة على السداد، ويليه المستوى (D) الذي يعبر عن التعثر في سداد الديون».

وعبرت «موديز» في تقريرها الأخير عن قلقها من توتر الوضع السياسي في البلاد، مع تغيير الحكومة أربع مرات في عام واحد، واستمرار الضغط على ميزان المدفوعات المصري بسبب الاضطرابات السياسية الداخلية والأزمة الاقتصادية في أوروبا. وقد بلغ العجز الكلي بميزان المدفوعات نحو 2.4 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي 2011، مقابل فائض كلي بلغ 14.7 مليون دولار خلال الفترة نفسها من السنة المالية السابقة.

وأضافت «موديز» على موقعها الرسمي أن مصر من ناحية القوة الاقتصادية تعتبر ذات مستوى متوسط، وضعيفة من ناحية القوة المؤسسية وقدرة الحكومة المالية، ولديها درجة عالية للتعرض للمخاطر. وقالت إن الاقتصاد متنوع نسبيا، ومصر دولة مصدرة للغاز والبترول، وهذه العوامل تمثل نوعا من القدرة على تحمل الصدمات.

ويعتقد سليم أن تأثير تصنيف «موديز» لن ينعكس إلا على الديون الخارجية، بينما تتأثر الديون المحلية فقط بتقدير الدائنين للوضع المالي في مصر. وقال إن خطورة ذلك الوضع تزيد من أعباء الدين الخارجي الذي بات لا مفر منه في ظل الصعوبة المتنامية في المحافظة على سيولة كافية من الاحتياطيات الدولية في الأشهر أو السنوات القادمة، ويقول سليم «نحن في حاجة إلى مساندة مالية بما يتراوح بين 9 و10 مليارات دولار، وفى حال اللجوء إلى الديون الخارجية ستكون التكاليف مرتفعة بعض الشيء، حيث قد تصل تكاليف السندات الدولارية إلى نحو 7 في المائة، وتكاليف الاقتراض من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي قد تصل إلى 4 في المائة أو 5 في المائة».

وكانت الحكومة المصرية قد قبلت نحو 62 عطاء من المتعاملين الرئيسيين (15 بنكا) لاقتراض مليار دولار بموجب طرح أذن خزانة بالدولار، وهو الطرح الثاني من الأذون بالعملة الأجنبية حيث كانت الحكومة قد اقترضت قبل أسبوعين 1.5 مليار دولار في أول طرح لها، وفرضت البنوك سعر فائدة بلغ 3.88 في المائة على الحكومة كمتوسط عام بالمقارنة بسعر الطرح الأول الذي بلغ 3.87 في المائة.

ويعتبر أحمد آدم، الخبير المصرفي، زيادة نسبة استثمارات الأجانب في الدين المحلي بصفة عامة وفي أداة من أدواته قصيرة الأجل بصفة خاصة، تشكل قماشه عريضة للتآمر الاقتصادي على مصر. وأشار إلى أن الاستثمارات الداخلة في أدوات الدين المحلي استثمارات أجنبية قصيرة الأجل وهي شديدة الحساسية لأي متغيرات خارجية أو داخلية قد تطرأ على الساحتين العالمية والمصرية، إلى جانب أن رد فعلها بالانسحاب والخروج سريع، وهو ما سيؤدي في هذه الحالة إلى ضغط كبير على سعر صرف الجنيه أمام الدولار وكذلك على الاحتياطيات الدولية لمصر وعلى ميزان المدفوعات المصري وهو ما حدث ويحدث حاليا.

وقال آدم إن «خطورة ذلك الدين أنه قصير الأجل، ويسدد من الاحتياطي الذي اقترب من النفاد نتيجة سياسة خاطئة متواصلة طوال الفترة الماضية، وقد اضطرت الحكومة إلى طرح أدوات دين قصيرة الأجل بالعملة الأجنبية بعد أن وجدت نفسها تدفع سعر فائدة 14 في المائة على الاقتراض بالعملة المحلية، فاختارت أن يكون من بين أذون الخزانة ما هو بالعملة الأجنبية وتتحمل عليه تكلفة أقل بلغت نحو 3.8 في المائة في الطرح الأول».

واستفادت البنوك الأجنبية العاملة في مصر من ذلك الاتجاه الحكومي من خلال رفع أرصدة توظيفاتها في أذون الخزانة لتصل إلى 16.7 مليار جنيه (2.77 مليار دولار) بالمقارنة بنحو 8.4 مليار جنيه (1.3 مليار دولار) في يناير (كانون الثاني) الماضي، بزيادة بلغت 8.3 مليار جنيه (1.3 مليار دولار)، ويعمل بالسوق المحلية 7 فروع لبنوك أجنبية وهي «سيتي بنك» و«أبوظبي الوطني» و«العربي» و«المشرق» و«الأهلي اليوناني» و«الوطني العماني» و«ذا بنك أوف نوفا سكوشيا».

وأكد محمد النادي، مدير الاستثمار بالمصرف العربي الدولي، أن كل البنوك العاملة بالسوق المحلية رفعت من أرصدة توظيفاتها في أدوات الدين الحكومية في الفترة الأخيرة، وذلك بسبب ارتفاع مخاطر التوظيفات في قطاعات الاقتصاد المختلفة، ومن ثم برزت أدوات الدين الحكومية كفرصة سانحة للبنوك لتوظيف السيولة الزائدة، مما دفع البنوك إلى رفع أسعار الفائدة على أدوات الدين الحكومية لديها بشكل ملحوظ، حيث تجاوزت على الأذون قصيرة الأجل حاجز الـ14 في المائة، بينما وصلت على السندات نحو 16 في المائة. وكانت مصر قد رفضت عرض صندوق النقد الدولي بإقراضها 3.2 مليار دولار لسد عجز الموازنة العامة للدولة في يونيو (حزيران) الماضي، إلا أنها بدأت البحث في إمكانية قبول القرض.

وعلى صعيد متصل، خفضت مؤسسة «موديز» التصنيف الائتماني لخمسة بنوك مصرية وهي البنك التجاري الدولي من «Ba3» إلى «B1»، والبنك الأهلي من «B1» إلى «B2»، وبنك مصر من «B1» إلى «B2»، وبنك القاهرة من «B1» إلى «B2»، وبنك الإسكندرية من «Ba2» إلى «Ba3».

وخفضت المؤسسة التصنيف لودائع العملة الأجنبية للبنوك الخمسة من «B2» إلى «B3» والمقيدة بسقف ودائع العملة الأجنبية في مصر والتي تم تخفيضها إلى «B3». وأضافت «موديز» أن تصنيفات البنوك بالنسبة للودائع طويلة الأجل معرضة لانخفاضات أخرى بسبب النظرة العامة التي تلقيها المؤسسة على سقف الدين السيادي لمصر وسقف التصنيف للودائع بالعملة الأجنبية.

وذكرت «موديز» العوامل الرئيسية المتسببة في التخفيض الائتماني للبنوك الخمسة، وهي درجة المخاطر العالية النابعة من تخفيض التصنيف الائتماني للدين السيادي المصري (بدرجة واحدة) بسبب تنامي تعامل هذه البنوك مع السندات الحكومية، إلى جانب إضعاف الاقتصاد الكلي والبيئة السياسية المتقلبة، مما سيمثل عبئا إضافيا على قيمة أصول البنوك ومقاييس ربحيتها، ويقود بيئة عمل النظام البنكي.

وذكر الموقع أن الناتج المحلي الإجمالي لمصر تقلص بنسبة 4.2 في المائة في الربع الأول من العام الحالي، كما انخفض معدل الاستثمار الأجنبي المباشر، وأيضا قلت نسبة السائحين الوافدين إلى مصر بنسبة 29 في المائة وذلك بنهاية السنة المالية في يونيو (حزيران) الماضي.

وعلى الرغم من أن بيانات البنك المركزي المصري لم تشر بعد إلى أي تدهور في قيمة الأصول أو الربحية بالنسبة للبنوك المذكورة سلفا فإن «موديز» ترى أن المدى الكامل لمسائل قيمة الأصول سيبدأ في الظهور خلال الشهور القادمة، وبالتالي سيؤثر على الربحية البنكية، بالإضافة إلى أن السيولة في السوق مقيدة بسبب أن البنوك تحول تمويلها نحو التمويل الحكومي مما يحرم القطاع الخاص من الحصول على ائتمان.