الطائرات التجارية الأميركية تخلت عن الألوان الزاهية للحد من الإنفاق

كلما قلّت الألوان قلّت التكلفة وخف الوزن ليقلل استهلاك الوقود

توجهت غالبية شركات الطيران الأميركية إلى اللون الأبيض على طائراتها لسهولة الصيانة وقلة التكلفة
TT

لقد أصبحت الطائرات من الخارج ذات لون محايد مثل الداخل. بعد عقود من المنافسة المحمومة والخسائر المتأرجحة اتخذت خطوط الطيران نهجا أكثر جدية ورزانة في مجال الطيران من خلال إعطاء الأولوية لجني الأرباح، وكذلك لتجديد جسم الطائرة والقيام بأعمال طلاء.

كانت الخطوط الحمراء الجريئة تزين شركة «تي دبليو إيه»، امتدت التجديدات لتشمل الوجبات المجانية والوسائد والأمتعة المحملة على متن الطائرة. من الألوان الرائجة هذه الأيام اللون الأبيض، حيث لا يبهت بفعل التعرض للشمس ولا يحتاج سوى إلى لمسات قليلة. إضافة إلى اللمعة التي يضفيها اللون، ويجعل وزن الطائرة أخف وأقل استهلاكا للوقود.

ويقول ستيف كون، خبير التسويق الذي ساعد في وضع أول برامج طيران: «طالما كانت الرومانسية جزءا من مجال السفر بالطيران. كان الحالمون والمبدعون وأصحاب المشروعات الرائدة هم من يسيطرون على مجال الطيران، لكنهم رحلوا ليحل محلهم البخلاء الذين لا يفكرون سوى في العقارات التي توجد خارج الطائرة».

وتوضح التصميمات الرصينة الوقورة الوضع الحالي للصناعة، حيث لا يوجد ما يميز الخطوط الجوية حاليا على عكس أيام مجدها في السبعينات. ولم يتبقَّ في هذه الصناعة سوى بعض الشركات التي أشهرت إفلاسها وأخرى صمدت من خلال عمليات الدمج. سوف تركز الشركات الباقية على استغلال مواردها المحدودة في تطوير درجة رجال الأعمال بها على سبيل المثال. ولم يعد الناس يشعرون بالحماسة تجاه الطائرات مما دعا بعض المطارات إلى عمل مكاتب ملاحظة تتيح للمسافرين تأمل إقلاع وهبوط الطائرات. وفي ظل وجود المنصات الضخمة، نادرا ما يرى المسافر شكل الطائرة التي يستعد لركوبها.

مع ذلك لا تزال هناك شركات لها طائرات تتميز بالشعار الذي يوجد على ذيلها، لكن في وقت يقاوم فيه المسؤولون التنفيذيون في شركات الطيران فكرة أن المقاعد مجرد وسائل راحة، تتجه الصناعة نحو سيادة الشكل المعياري.

يقول مايكل بيروت، شريك في شركة «بنتغرام» للتصميمات، التي ظلت تتعاون مع الخطوط الجوية الأميركية لسنوات حتى تم دمجها مع شركة «كونتنينتال» العام الماضي: «الناس بحاجة إلى الاطمئنان هذه الأيام. لهذا هناك توجه نحو المبالغة في الحرص والحذر». في بداية ظهور الطائرات التجارية في الفترة بين عشرينات وأربعينات القرن العشرين كانت المصانع تنتج طائرات مطلية بالفعل، بينما كان كل ما على الشركة هو وضع شعارها. بعد الحرب العالمية الثانية ازدهر مجال الملاحة التجارية، وسعت الطائرات إلى شكل أكثر تميزا، وكثيرا ما كانت تسعى لتخصيص تصميم مختلف لكل موديل من الموديلات.

ولم تُمنح شركات الطيران حوافز تمكنها من المنافسة في الأسعار وركزت على صورتها والخدمة التي تقدمها حتى تم رفع القيود الحكومية على الأسعار وطرق الملاحة عام 1978. كان هذا عندما استعانت شركة «برانيف» بفنانين مثل ألكسندر كلادر لطلاء أسطول طائرتها بألوان قوس القزح، واتجهت شركة «بان أميركان» إلى مصمم الأزياء في هوليوود، إديث هيد، ليصمم لها الزي الرسمي للعاملين لديها. ولم تكشف شركات الطيران عن تكلفة إعادة طلاء الطائرة الواحدة، لكنه عمل شاقّ، حيث تظل الطائرة على الأرض لأيام مما يؤدي إلى خسارة.

ويعتمد الأمر على حجم الطائرة ومدى تعقد تصميمها، حيث تستغرق إعادة طلاء الطائرة الواحدة من ستة أيام إلى أربعة عشر يوما، وتحتاج الطائرة «بوينغ 737»، وهي أكثر الطائرات ذات الممر الواحد شيوعا، إلى 60 غالونا من الطلاء، بينما تحتاج الطائرة «بوينغ 747 جامبو جيت» إلى أكثر من 250 غالونا.

اتجهت الخطوط الجوية الأميركية إلى طلاء طائراتها باللون الأبيض خلال السنوات الماضية. وتعد هذه الشركة نتاجا لسلسلة من عمليات دمج عدة شركات طيران، كل منها كان لها لونها الخاص في الماضي، ومنها «ألغيني» و«موهوك» و«باسيفيك ساوث ويست». واستحوذت شركة «أميركا ويست» على الخطوط الجوية الأميركية، لكنها أبقت على اسمها وتخلصت من الشعار ذي اللون الأزرق القاتم مع توسع شبكة طائرات الشركة وانضمامها إلى شركة «ساوث ويست».

وقدمت شركة «دلتا إيرلاينز» آخر تصميماتها عام 2007 بعد أن تعافت من الإفلاس. وكان التصميم عبارة عن طلاء جسم الطائرة باللون الأبيض وأربعة ألوان بدلا من الألوان الثمانية التي كانت مستخدمة في التصميم الذي كان يُعرف باسم «اللون الحركي».

واستعادت الشكل المثلث على الموازنات الرأسية مما يمثل عودة لأصول الطائرة في شركة «ميسيسيبي دلتا». وساعد التصميم الشركة على خفض تكاليفها من خلال توفير يوم طلاء كامل لكل طائرة. مع ذلك استغرق طلاء ألف طائرة من ضمنها طائرات «نورث ويست» التي استحوذت عليها «دلتا» في ذلك الوقت أربع سنوات. وقال تيم ميبس، رئيس التسويق في شركة «دلتا»: «النجاح على المدى الطويل في هذا المجال يعتمد على الاقتصاد، فقد اختفت الشركات التي كانت طائراتها ملونة عن الساحة».

من جانبها ظلت شركات الطيران الأميركية مؤمنة بمظهرها القديم الذي كان يعتمد على الألمنيوم المصقول، الذي استخدم للمرة الأولى في ثلاثينات القرن العشرين مع لون برتقالي بطول جسم الطائرة.

وتبنت الشركة تصميما ذا خطوط حمراء وبيضاء وزرقاء على طبقة من الألمنيوم في الستينات. وأشارت الشركة إلى توفير وقود بقيمة 12 مليون دولار سنويا من خلال عدم طلاء طائراتها. لا يعجب التصميم الجديد المتحمسين للشركة، حيث قال ماني غونزاليز، الذي يرصد الطائرات بعدسات الكاميرا، في صباح أحد الأيام مؤخرا من برج مراقبة بالقرب من مطار كيندي: «إنها تصميمات مملة». وكان منجذبا أكثر للطائرات الأجنبية ذات التصميمات الرياضية بألوانها الزاهية، لا الطائرات الأميركية.

ولا تزال بعض شركات الطيران الأميركية تسعى إلى التميز، حيث وضعت شركة «ألاسكا» وجه إسكيمو ضاحكا على طائراتها، وباءت محاولة التخلص من هذا الشعار عام 1988 بالفشل بعد أن أثار هذا موجة من الاحتجاجات. ولدى شركة «جيت بلو» عدد كبير من الشعارات على ذيل طائراتها، بينما احتفظت شركة «فرونتير» بصور لحيوانات على طائراتها منذ دمجها مع شركة «ميد ويست» العام الماضي.

كذلك احتفظت شركة «ساوث ويست» بشكلها المتميز من خلال طلاء طائراتها بالأحمر والأزرق، وقد استوحى هذا التصميم من الشمس المشرقة على غراند كانيون بحسب تيم ماكلور، المسؤول التنفيذي في وكالة الإعلانات «جي إس دي أند إم» في أوستن، التي تعمل مع «ساوث ويست» منذ عام 1981. عندما أعلنت الخطوط الجوية الأميركية اندماجها مع شركة «كونتنينتال» في مايو (أيار) 2010 بعد ثلاثة أسابيع من المحادثات السرية، كشفت عن التصميم الجديد لطائراتها، وهو فقط تعديل اسم الخطوط الجوية الأميركية ليكون له ألوان شركة «كونتنينتال» (الأبيض على الجسم الخارجي والرمادي على الجزء السفلي والأزرق والذهبي على الذيل). وسرعان ما دشّن المعجبون بالخطوط الجوية الأميركية صفحة على موقع «فيس بوك» باسم «أنقذوا زهرة التيوليب الخاصة بالخطوط الجوية الأميركية»، التي تطالب الشركة باستعادة شعارها الشهير الذي يتخذ شكل زهرة تيوليب، والذي صممه لها في بداية السبعينات سول باص.

مع ذلك قال مارك بيرغسرود، رئيس التسويق في الخطوط الجوية الأميركية، إن اتساع شبكة الشركة وتركيزها على جذب المسافرين يتضح من خلال التصميم الجديد. الشعار الأصلي لشركة «كونتنينتال» هو الكرة، وصممه باص في نهاية الستينات، رغم أنه تم تجديده بشكل كبير في التسعينات على يد شركة التصميم «ليبينكوت» التي مقرها في نيويورك. وأضاف بيرغسرود: «إنه يناسب هويتنا، فنحن لسنا لاعبا رئيسيا مثل (هاوايان) التي يستحضر مظهرها إلى الأذهان جزر هاواي. التمتع بذوق محلي صعب بالنسبة إلى شركة طيران مثلنا. هل نبحث عن التميز؟ بالطبع، لكن لا ينبغي أن تكون الأولوية للمظهر الأنيق».

*خدمة «نيويورك تايمز»