«بوز أند كومباني»: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أصبحا على أعتاب منعطف فاصل في مسيرة التنمية

الطبقة الوسطى في المنطقتين تتطلع لـ3 عوامل للحفاظ على مستويات عيش لائقة

النظرة المستقبلية إحدى الأولويات الأساسية لحكومات منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تحويل «النمو العددي لفئة الشباب» إلى طبقة وسطى مستدامة وفاعلة في المجتمع
TT

أكد تقرير حديث، صدر مؤخرا، أن أفراد الطبقة الوسطى في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إضافة إلى القادة الذين يأملون في تنامي هذه الفئة الاجتماعية والاقتصادية، يتطلعون إلى 3 عوامل تضمن لهم مستويات معيشة لائقة، وهي تتمثل في جودة التعليم، وفرص العمل، والرعاية الصحية المناسبة.

وقال التقرير الذي أصدرته شركة «بوز أند كومباني»: إن صانعي القرار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط يدركون، أكثر من أي وقت مضى، أهمية وجود طبقة وسطى فاعلة في المجتمع؛ حيث يشكل وجود فئة مجتمعية مثقفة وناجحة الدعامة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي في أي بلد، ويأخذ وجودها منحى أكثر أهمية في ظل الفترة الانتقالية التي تشهدها منطقتا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الصعيد الديموغرافي؛ حيث تتعالى نداءات الشباب للانخراط في القضايا الاقتصادية والسياسية.

وأشار سامر بحصلي، الشريك في شركة «بوز أند كومباني» إلى أنه كي يتمكن قادة منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من إيجاد طبقة وسطى قوية، عليهم أولا إدراك ماهية الأفراد الذين ينتمون لهذه الفئة، وكيف يشعر هؤلاء إزاء أوضاع مجتمعاتهم، وماذا يأملون لمستقبلهم.

واستطلعت شركة «بوز أند كومباني» ومركز الفكر التابع لها آراء ما يقارب 1450 شخصا في دول مجلس التعاون الخليجي وشمال أفريقيا لفهم مواقفهم وتطلعاتهم ومخاوفهم.

وبيَّن بحصلي أنه على الرغم من أن مصطلح «الطبقة الوسطى» هو مصطلح مبهم نسبيا؛ فقد شمل الاستطلاع الأشخاص الذين يتراوح دخلهم بين 75 و150% من المتوسط القومي للدخل السنوي الأسري، بالإضافة إلى الأشخاص الذين اعتبروا أنفسهم من الطبقة المتوسطة.

وأظهر الاستطلاع أن معظم الأسر المنتمية إلى الطبقة الوسطى تعتمد على عائل واحد يتقاضى راتبا شهريا يتراوح في المتوسط بين 575 و2600 دولار، وهو الراتب الذي يسهم في تلبية الاحتياجات الأساسية للأسر وتوفير ما يقرب من 20% للتمتع بالسفر، واستخدام الهواتف الجوالة والإنترنت والترفيه، بالإضافة إلى ادخار نحو 10% من الراتب.. الأشخاص المنتمون إلى الطبقة الوسطى متشائمون إزاء الماضي القريب، لكنهم متفائلون بشأن المستقبل.

وقال بحصلي: «يشعر ثلثا المشاركين في الاستطلاع بأن مستوى معيشتهم لم يتحسن في السنوات الخمس الماضية، وذلك بسبب ارتفاع معدلات التضخم، وتضاؤل فرص العمل، وركود مستويات الرواتب». وزاد: «إنهم قلقون بشأن عدم الاستقرار السياسي - بما في ذلك قضية الإرهاب - واحتمال حدوث أزمة اقتصادية عالمية أخرى، وتزايد معدلات التضخم»، في الوقت نفسه، يتوقع ثلثا المشاركين في الاستطلاع تحسن مستويات معيشتهم في السنوات الخمس المقبلة، وسيتوقعون من حكوماتهم تحقيق ما يصبون إليه من التنمية الاقتصادية والإصلاح السياسي وتحسين نظم التعليم والصحة.

تحسين جودة التعليم مطلب أساسي للطبقة المتوسطة.. ذكر التقرير أن حكومات كثيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استثمرت مبالغ كبيرة لبناء مستقبل أفضل لبلدانها عن طريق إنفاق نسبة كبيرة من الموازنات الحكومية على التعليم. ونتيجة لذلك، عززت بلدان المنطقتين من مبدأ التكافؤ بين الجنسين، وزادت عدد سنوات الاستمرار في المدرسة، كما حسنت من معدلات الالتحاق بالمدارس ومحو الأمية.

ومع ذلك، لا يزال الطلاب في المنطقتين يحرزون درجات أقل من أقرانهم في العالم في الاختبارات الدولية وفقا للتقرير، مشيرا إلى أنه لا تزال معدلات التسرب من التعليم مرتفعة، كما أن المناهج التعليمية غير مواكبة للعصر الحديث وتقوم على أساس التلقين بدلا من التفكير الإبداعي.

ويدرك أفراد الطبقة الوسطى في المنطقتين أهمية وجود نظام دراسي عالي الجودة؛ حيث أفاد ثلاثة أرباع المشاركين في الاستطلاع بأن التعليم المتميز عنصر مهم في تحقيق النجاح. وأبدى معظم المشاركين استعدادهم لإنفاق مدخراتهم على تعليم أبنائهم، على الرغم من أن ثلث الأسر فقط هي التي تلحق أبناءها بالمدارس الخاصة. ويتفاوت مستوى رضا الأفراد عن نظم التعليم المحلية، وحتى المشاركون الذين يشعرون بالرضا عن النظم المحلية يرغب نصفهم، على الأقل، في أن يتلقى أبناؤهم تعليمهم في الخارج. ولتلبية احتياجات مواطنيها، يجدر بالحكومات إتاحة التعليم لعدد أكبر من الناس مع تحسين جودته، الأمر الذي يمكن تحقيقه من خلال متابعة الطلاب وتقييم أدائهم، ووضع حوافز للمعلمين قائمة على أساس الأداء، وإعطاء الأسر الفرصة لإبداء الرأي البناء في نظام تعليم أبنائها.

البطالة عائق أمام الطبقة المتوسطة: كريم عبد الله، مستشار أول في «بوز أند كومباني»، أشار إلى أن معدل البطالة يتزايد في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ حيث تتوافر القليل من الوظائف للنساء اللاتي يدخلن سوق العمل بأعداد كبيرة للمرة الأولى، وكذلك للشباب الذين تتزايد أعدادهم في سوق العمل.

وبين أن الكثير من بلدان المنطقتين أطلقت برامج لمعالجة مشكلة البطالة، متضمنة إعانات الرواتب والتدريب، وخدمات التوظيف، ودعم رواد الأعمال وأصحاب الأعمال الصغيرة، وفضلا عن ذلك، وضعت دول مجلس التعاون الخليجي برامج لإشراك العمالة الوطنية في القطاع الخاص لزيادة فرص العمل وتدريب القوى العاملة الوطنية، إلا أن هذه البرامج تعتبر بمثابة حلول قصيرة الأجل لمعالجة الفجوة القائمة بين احتياجات سوق العمل ومهارات القوى العاملة المتوافرة.

ولفت عبد الله إلى أن أفراد الطبقة الوسطى يشعرون بالقلق حيال تزايد التحديات في سوق العمل؛ حيث تركز الطبقة الوسطى في المنطقتين على عنصر الأمان الوظيفي عند اختيار الوظيفة، ويليه عنصر الدخل الجيد، وهو في الواقع أمر غير متوقع؛ حيث تعرض أقل من 10% فقط من المشاركين في الاستطلاع للإقالة من عملهم على مدار السنوات الخمس الماضية، على الرغم من الأزمة العالمية، لافتا إلى أنه يمكن أن تعزى هذه الآراء إلى عدم وجود شبكات الأمان الاجتماعي التي تعمل على حمايتهم من الأزمات الاقتصادية.

وشدد على أنه على الحكومات الاستمرار في دعم الجهود المعنية بتوفير فرص العمل عن طريق تنويع الاقتصاد ودفع عجلة النمو، وتزامنا مع ذلك، عليها أن تستمر في تطوير وإضفاء الطابع الرسمي على تدابير الأمان الاجتماعي، مثل التأمين ضد البطالة، للحماية ضد الأزمات الاقتصادية، بالإضافة إلى القضاء على الفقر من خلال برامج إشراك الفقراء في سوق العمل.

نظام الرعاية الصحية في حاجة إلى نظرة فاحصة: أشار التقرير إلى أنه على الرغم من أن نظم الرعاية الصحية في بلدان المنطقتين قد تحسنت كثيرا خلال السنوات الثلاثين الماضية، فإن المنطقتين لا تزالان تواجهان زيادة سريعة في تكاليف الرعاية الصحية؛ حيث يتقدم المتوسط العمري للسكان وترتفع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة نتيجة أنماط الحياة الرغدة.

وبيَّن التقرير أن معظم المشاركين في الاستطلاع يتمتعون بخدمات التأمين الصحي، بما في ذلك التغطية الحكومية في منطقة مجلس التعاون الخليجي، لكن مع تزايد احتياجات الطبقة الوسطى، فمن المتوقع أن تزيد المطالب بالحصول على رعاية صحية راقية، ولدعم هذه الحاجة الأساسية، على الحكومات أن تضمن وجود نظم للرعاية الصحية تلبي الطموحات، مع التركيز على عنصري الرعاية الوقائية والكفاءة التشغيلية بهدف الحد من التكاليف في المستقبل.

النظرة المستقبلية للحكومات: إحدى الأولويات الأساسية لحكومات منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات المقبلة وفقا للتقرير تتمثل في تحويل «النمو العددي لفئة الشباب» في المنطقتين إلى طبقة وسطى مستدامة وفاعلة في المجتمع.

وبين التقرير أنه من أجل تحقيق هذا الهدف، ستحتاج الحكومات إلى تركيز الاهتمام على القضايا الثلاث السابق ذكرها باعتبارها جزءا من سياسة واضحة وشاملة لتطوير الطبقة المتوسطة، لكن من أجل إحداث تغيير حقيقي، يتعين على حكومات المنطقتين أيضا أن تستعيد ثقة الطبقة الوسطى من خلال زيادة الشفافية ومحاربة الفساد، خصوصا أن غالبية المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الحكومات والقطاع العام لا تتيح معلومات كافية أو جديرة بالثقة، وأن الفساد مستشرٍ في جميع قطاعات المجتمع.

وشددت «بوز أند كومباني» على أن منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أصبحتا على أعتاب منعطف فاصل في مسيرة التنمية، ولا شك أن الحكومات التي تبادر بالتحرك الآن سوف تجني الثمار للأجيال المقبلة.