لماذا يحافظ الدولار الأميركي على جاذبيته؟

حقق 13% مكاسب منذ عام 2008

TT

لم تؤثر الخطوات التي اتخذها الاحتياط الفيدرالي من أجل إغراق العالم بالدولارات كثيرا على قيمة العملة، بل زادت جاذبية الأصول الأميركية في وقت تحتاج فيه الحكومة إلى أقصى دعم ممكن من جانب المستثمرين الأجانب.

وبحسب تحليل لوكالة «بلومبرغ» قد بلغت قيمة مؤشر الدولار الأميركي (دي إكس واي) 13 في المائة بعد هبوط قياسي شهده في مارس (آذار) من عام 2008، حتى مع إبقاء الاحتياط الفيدرالي معدلات الفائدة قريبة من الصفر وطباعة أوراق نقدية لشراء 2.3 تريليون دولار من سندات الخزانة والسندات المرتبطة برهونات عقارية، ولم يتغير كثيرا منذ عام 1991. وذكر صندوق النقد الدولي في يوم 30 ديسمبر أن نصيب احتياطي النقد الأجنبي العالمي من الدولار شهد في الربع الثالث أقصى ارتفاع له منذ عام 2008. ويشير ذلك الاستقرار طويل الأمد إلى أن عملة أميركا هي مستودع قيمة، وربما تساعد في تفسير جذب الولايات المتحدة طلبا يمثل رقما قياسيا على كم غير مسبوق من السندات التي تبيعها وزارة الخزانة لتمويل عجز في الميزانية تتجاوز قيمته تريليون دولار. وحتى على الرغم من أن مؤسسة «ستاندرد آند بورز» جردت الولايات المتحدة من تصنيفها الممتاز في أغسطس (آب)، فإن المستثمرين ينظرون إلى الدولة باعتبارها ملاذا من النمو الاقتصادي العالمي البطيء وأزمة الدين السيادي التي تعصف بأوروبا.

«ما زالت وظيفة الملاذ التي يلعبها الدولار فعالة»، قال أتشيم والد، رئيس قسم الدخل الثابت العالمي والعملات ببنك «دويتشه بنك» في كولون، ومدير قسم الثروات الخاصة في شركة «سال أوبنهايم» الكائنة في ألمانيا، والتي تشرف على 3 مليارات يورو (3.9 مليار دولار). وقال في محادثة هاتفية يوم 29 ديسمبر: «سيكون الدولار قويا في عام 2012». وبحسب «بلومبرغ» ارتفع مؤشر الدولار ببورصة «إنتركونتيننتال إكستشينج»، التي تتعقب الدولار في مقابل اليورو والين والجنيه والفرنك السويسري والدولار الكندي والكرونا السويدية، بنسبة 1.46 في المائة العام الماضي. وتبع هذا ارتفاع قيمته 1.5 في المائة في عام 2010، يسجل المرة الأولى التي ارتفع فيها خلال عامين على الترتيب منذ 2000 - 2001.

وانخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.9 في المائة ليسجل 79.532 نقطة الساعة 1:55 مساء. يذكر أن ذلك يعد ارتفاعا عن قيمة 70.698 نقطة سجلها في مارس عام 2008، ومقارنة بانخفاض شهده في عام 1991، بلغت فيه قيمته 80.34، بلغت قيمة الدولار 1.11 في المائة العام الماضي، وهي أعلى نسبة يصل إليها بعد ارتفاع قيمة الين بنسبة 5.5 في المائة بين 10 نظراء من الدول المتقدمة، بحسب تقدير مؤشرات «بلومبرغ» المرجح لارتباط العملات. وتشير المؤشرات إلى أنه منذ عام 1975، كان أداء كل من الين والفرنك السويسري فقط أفضل من الدولار.

وقال مسؤولون متخصصون في مراقبة أداء العملات في الصين وألمانيا والبرازيل إن سياسات الاحتياط الفيدرالي هي السبب في إضعاف قيمة الدولار. وأرسل رئيس مجلس النواب، جون بوينر، من ولاية أوهايو وثلاثة أعضاء جمهوريين آخرين خطابا إلى رئيس مجلس إدارة الاحتياط الفيدرالي، بين بيرنانكي، في عام 2010 يعبرون فيه عن «مخاوفهم العميقة» من خطة البنك المركزي الممثلة في طباعة أوراق نقدية لشراء سندات، قائلين إنها تهدد بإضعاف قيمة الدولار وحدوث ارتفاع هائل في قيمة الأصول.

كان ذلك قبل انتشار أزمة الدين الأوروبي، مؤدية إلى زيادة الطلب على أكثر الأصول أمانا.

وبحسب تحليل لوكالة «بلومبرغ»، فإنه من المرجح الآن أن تقلل روسيا حصة الأصول الأميركية في احتياطياتها الدولية، حسبما ذكر أركادي دفوركوفيتش، كبير مساعدي الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، للشؤون الاقتصادية، في حوار أجري معه خارج موسكو يوم 27 ديسمبر. وأشار البنك المركزي الروسي في تقرير نشر في اليوم نفسه إلى أن الدولة قد زادت نسبة الدولارات في احتياطي نقدها الأجنبي لتصل إلى 45.4 في المائة في 30 يوليو (تموز) بعد أن كانت نسبتها 45.3 في المائة قبل ثلاثة أشهر.

في النصف الأول من عام 2012، «ما زال الدولار يبدو جذابا»، هذا ما قاله مانوج لادوا، متداول رفيع المستوى بشركة «إي تي إكس كابيتال» الكائنة في لندن، والتي تقدم الكثير من الخدمات المالية من بينها تنفيذ عمليات تداول العملة، في حوار عبر الهاتف أجري يوم 29 ديسمبر. وأضاف: «في النصف الثاني من العام، ربما يحدث لدينا شيء أشبه بانتعاش عالمي، مع احتمال إيجاد حل لأزمة منطقة اليورو ومزيد من الإيضاح من الصين حول مدى صعوبة أو سهولة الخروج من الأزمة الراهنة. بعدها، يمكن أن تتحول الأموال من الدولار إلى أصول تنطوي على قدر أكبر من المخاطر».

وقد ارتفع نصيب احتياطيات النقد الأجنبي العالمية من الدولار الأميركي في الربع الثالث ليصل إلى نسبة 61.7 في المائة، مسجلا أعلى ارتفاع له منذ نهاية عام 2010، في حين هبطت قيمة الممتلكات من اليوروات لتسجل أدنى انخفاض لها خلال ثلاث سنوات بنسبة 25.7 في المائة، بحسب أرقام من بيانات ربع سنوية لصندوق النقد الدولي الكائن في واشنطن.

وبينما ارتفعت قيمة الدولار منذ عام 2008، هبط بنسبة 34 في المائة عن الارتفاعات التي شهدها قبل عشر سنوات، حسبما يشير مؤشر «إنتركونتيننتال إكستشينج». ويشير مؤشر الدولار العام الحقيقي المرجح للتداول «يو إس تي آر بي آر أو إيه» التابع للاحتياط الفيدرالي الذي يتعقب الدولار في مقابل دولارات 38 دولة، إلى أنه قد انخفضت قيمة الدولار بنسبة 15 في المائة عن متوسط قيمته في عام 1973، العام الذي بدأ فيه تعويم العملات العالمية بحرية.

لقد أصبح الدولار هو عملة الاحتياطي العالمية منذ أن وافقت الولايات المتحدة وحلفاؤها في مؤتمر النقد الدولي (بريتون وودز) الذي انعقد عام 1944 على تثبيته عند قيمة 35 دولارا لكل أوقية ذهب. وظل هو العملة الرسمية الأكثر تداولا بعد بدء تعويم العملات العالمية بحرية في عام 1973، ممثلا نسبة 85 في المائة من إجمالي عمليات تداول سوق الصرف الأجنبية المقدرة بقيمة 4 تريليونات دولار يوميا، بحسب بنك التسويات الدولية الكائن في بازل بسويسرا.

وبلغت قيمة الدولار ذروة ارتفاعها في عام 1985 قبل أن يوقع وزراء مالية أكبر اقتصاديات العالم اتفاق «بلازا»، الذي اتفقوا فيه على خفض قيمة الدولار لتقليل عجز الحساب الجاري الأميركي الذي سجل رقما قياسيا، والذي يعتبر أكثر مقاييس التداول شمولا لأنه يضم الاستثمار.

وبينما زادت حصص الدولار التي تربو على 10 تريليونات دولار في الاحتياطيات العالمية، هبطت عن ذروة ارتفاعها الذي بلغت نسبته 72.7 في المائة في عام 2001. تبحث بعض الدول عن وسائل لتقليل الاعتماد على الدولار، فقد صرحت اليابان والصين الشهر الماضي بأنهما ستعززان التداول المباشر للين واليوان، كما ستشجعان على إنشاء سوق للشركات المرتبطة بأسعار الصرف.

ويمكن ملاحظة الإقبال على الأصول المالية الأميركية في سوق سندات الخزانة، التي حققت مكسبا نسبته 9.8 في المائة، وهو أكبر مكسب تحققه منذ عام 2008 وقت ذروة الأزمة المالية. وارتفعت قيمة سندات الخزانة التي يحين أجل استحقاقها خلال 10 سنوات أو أكثر بنسبة 29 في المائة. وقد جذبت وزارة الخزانة 3.04 دولار لكل دولار من إجمالي 2.135 تريليون دولار في صورة أذون وسندات تم بيعها العام الماضي، وهي أعلى نسبة طلب على الأوراق المالية خلال فترات عروض البيع والمزادات منذ أن بدأت الحكومة في نشر البيانات في عام 1992 إبان حكم جورج بوش الأب، بحسب بيانات جمعتها مؤسسة «بلومبرغ». جذبت الولايات المتحدة أعلى نسبة على الإطلاق بلغت 9.07 في المائة على سندات أجلها أربعة أسابيع قيمتها 30 مليار دولار طرحت للبيع في مزاد يوم 20 ديسمبر، على الرغم من أنها لم تدفع أي فائدة.

وقد زاد كم سندات الخزانة التي يحملها أجانب، مع ارتفاع قيمة ما يحملونه من سندات، إلى 4.66 تريليون دولار، مسجلة رقما قياسيا في سبتمبر (أيلول) بعد أن كانت قيمتها 4.44 تريليون دولار في نهاية عام 2010 و3.69 تريليون دولار في ديسمبر2009، حسب ما تشير إليه آخر بيانات للحكومة.

«لقد تم النظر إلى الدولار الأميركي بوصفه المصدر النهائي للسيولة نظرا للظروف الغامضة في منطقة اليورو»، هذا ما قاله ستيوارت هول، خبير استراتيجي في مجال العملات في «بنك كندا الملكي» في تورونتو في حوار هاتفي أجري معه في 28 ديسمبر.

وأضاف: «لديك أيضا ديناميكية نمو اقتصادي أميركية تبعث شعورا جيدا بعض الشيء مقارنة بما هي عليه الحال في أوروبا وآسيا».

وسوف تحتفظ قيمة الدولار بثباتها خلال العام المقبل في مقابل العملات المناظرة، مثل اليورو والين والجنيه الإسترليني، بحسب خبراء استراتيجيين وعلماء اقتصاد تم استطلاع آرائهم من قبل شركة «بلومبرغ». إن الطلب يزداد على الأصول الأميركية مع برهنة ثقة المستهلك والتصنيع والتوظيف على أن موقف الولايات المتحدة يقوى، في الوقت الذي تكافح فيه أوروبا من أجل إنقاذ عملتها الموحدة وضعف دول العالم المتقدم. سوف يزداد الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة بنسبة 2.1 في المائة العام المقبل، مقارنة بنسبة 1.25 في المائة لمجموعة الدول العشرة بأكملها، حسب ما تشير إليه استطلاعات الرأي التي أجرتها شركة «بلومبرغ» لاقتصاديين.

«في عام 2012، أثق في أن البيانات الأميركية الأقوى – اقتصاد أميركي مستوى أدائه أفضل نسبيا – ستؤثر إيجابيا على الدولار»، هكذا قال أيان ستانارد، رئيس استراتيجية النقد الأجنبي الأوروبية في «مورغان ستانلي».