شد وجذب بين الاتحاد الأوروبي والمجر

وسط مخاوف من تعليق محادثات حول مساعدة مالية للبلد المتعثر اقتصاديا

TT

جددت المفوضية الأوروبية ببروكسل التعبير عن القلق من الدستور المجري الجديد الذي توجد شكوك حوله بشأن عدم احترامه للقوانين والقيم والمبادئ التي قام عليها التكتل الأوروبي الموحد، خاصة أن البرلمان المجري أقر بنودا في التعديلات الدستورية تعطي للحكومة الحق في التدخل بعمل المصرف المركزي المجري ولا يحقق الشفافية المطلوبة.

وجاء ذلك بعد أن واجه الدستور الجديد اعتراضات شديدة في الداخل حيث نظم المواطنون مظاهرات عديدة، كما تعرض لانتقادات خارجية، وعلى الرغم من إعلان بروكسل أنها تلتزم بعدم المساس بسيادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحقها في إجراء التعديلات الدستورية، فإن وتيرة التهديدات الأوروبية زادت إلى درجة التهديد بمعاقبة المجر في حال عدم إعادة النظر في الدستور الجديد الذي أقره البرلمان مؤخرا، بتصعيد الأمر إلى المحكمة الأوروبية وفرض عقوبات على بودابست إذا ما خلص المختصون المعنيون بعد إجراء تحليلات قانونية لبنود الدستور الجديد إلى أنه يخالف القيم والمعاهدات الأوروبية، وأوضح المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أوليفيه باييه، أن الجهاز التنفيذي الأوروبي كان أجرى عدة اتصالات في السابق مع المسؤولين الهنغاريين من أجل حثهم على سن قوانين تتوافق مع القيم الأوروبية. وأضاف: «نركز على ضرورة أن تراعي قوانين الدول الأعضاء مبادئ الشفافية والتعددية وهو ما تفتقر إليه التشريعات الهنغارية الجديدة بحسب رأينا».

ولمح إلى أن السلطات الهنغارية كانت أخذت بعين الاعتبار بعض الملاحظات التي وجهت لها من قبل أوروبا أثناء مناقشة القوانين، واصفا الأمر بغير الكافي. وقال أيضا: «إذا ما تم استنتاج مخالفات صريحة للمواثيق الأوروبية، فإننا سنوجه رسالة تحذيرية لهنغاريا من أجل توضيح موقفها خلال شهرين، وإذا فشل هذا الإجراء يتم توجيه إنذار أخير للمطالبة بتغيير القوانين»، مضيفا أن المفوضية لا تقف عند هذا الحد فيما لو لم تستجب بودابست لطلباتها، مؤكدا أن باستطاعة بروكسل التوجه إلى المحكمة الأوروبية وفرض عقوبات مالية على هنغاريا، «ولكننا لم نصل إلى هذا الحد حتى الآن، فما زال أمام الساسة في هنغاريا فرصة»، ويعتبر المراقبون هذا الكلام تلميحا أوروبيا لإمكانية أن يؤثر تصرف الحكومة الهنغارية سلبا على المفاوضات الجارية حاليا بينها وبين الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي للحصول على أموال لدعم الاقتصاد الهنغاري. وأقر البرلمان المجري قبل أيام قليلة، القانون المثير للجدل الخاص بمصرفه المركزي، والذي يزيد من نفوذ حكومة المحافظ فيكتور أوروبان على هذه المؤسسة التي من المفترض أن تكون مستقلة، متجاهلا الانتقادات الموجهة من الاتحاد الأوروبي، والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي. واعتمد القانون مع 293 صوتا مقابل معارضة أربعة أصوات. وبالتالي فشلت محاولات من جانب أطراف أوروبية ومؤسسات مالية دولية في إقناع الحكومة المجرية، وقف مساعيها لتمرير الخطة التي تتعلق بإعادة هيكلة المصرف المركزي المجري، على نواب البرلمان لإقرارها على الرغم من تعرضها لانتقادات من جانب المفوضية الأوروبية ببروكسل وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، واتخذ صندوق النقد الدولي موقفا مماثلا، كما سبق للمعارضة المجرية أن عبرت عن موقفها الرافض لخطط الحكومة ونظمت اعتصاما أمام مدخل البرلمان وانتهي الأمر بتدخل الشرطة لفض الاعتصام. وأظهرت المفوضية الأوروبية القلق من خطة الحكومة المجرية، ونددت بعدم التنسيق في هذا الأمر مع المصرف المركزي الأوروبي. وقالت إن المقترح الحكومي يجعل المفوضية تشعر بالقلق من إمكانية أن يعمل المركزي المجري بشكل مستقل، خاصة أن خطة الحكومة تضمن متابعة الدولة والحكومة لعمل الجهاز المصرفي، كما عبر صندوق النقد الدولي عن موقف مماثل في وقت سابق. وقال ديفيد هاولي المتحدث باسم المؤسسة النقدية الدولية إن بحثا لخطط الحكومة المجرية قد جرى وركز حول مدى استمرار استقلالية العمل في المركزي المجري، وحسب مصادر بروكسل وجه رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو رسالة رسمية لرئيس الحكومة المجرية طالبه فيها بالتخلي عن تمرير مشروعي قانونين مثيرين للجدل، يتعلق الأول بإعادة النظر في التشريعات الداخلية لعمل المصرف المركزي المجري، والثاني بشأن السياسات الضريبية للدولة.

ويرمي رئيس الحكومة المجرية من وراء هذا الإجراء إلى جعل السياسات النقدية والمالية تحت رقابة صارمة من البرلمان وبأغلبية الثلثين حيث يتمتع بتأييد واسع داخل المجلس النيابي.

إلا أن المفوضية ترى أن هذا الإجراء يهدف إلى منع المعارضة المجرية من جهة والمؤسسات الأوروبية من جهة أخرى من مراقبة الأداء المالي للدولة. وصوت البرلمان المجري على قان ون إعادة إصلاح عمل المصرف المركزي. ويهدف رئيس الحكومة المجرية إلى تجنب أية ضغوط من المفوضية أو من صندوق النقد الدولي لاستعمال الاحتياطي المالي لبلاده في حالة فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي تم تعليقها رسميا. وكان فيكتور أوروبان دخل العام الماضي في مواجهة حادة مع المؤسسات الأوروبية بسبب إقدامه على تعديل مثير للجدل لقانون الصحافة.

يشار إلى أن المجر لا تنتمي لمنطقة اليورو, ولكنها بحاجة إلى موافقة المفوضية الأوروبية للحصول على دعم صندوق النقد الدولي. وفي الحادي والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أعلن الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، أن المجر تقدمت بطلب للحصول على مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي، ورفض أماديو التفاج المتحدث في المفوضية الأوروبية الإعلان عن المبالغ التي طلبتها بودابست واكتفى بالإشارة إلى أن الأمر قيد البحث حاليا. وأشار بيان أوروبي إلى أن المجر أرسلت طلبا مماثلا إلى صندوق النقد الدولي، وأن السلطات المجرية أعربت في طلبها أنها تريد الاستفادة من الدعم الأوروبي كإجراء وقائي وعلاجي للأوضاع التي تمر بها البلاد، وقالت المفوضية إنها ستدرس الطلب المجري بعد التشاور مع بقية الدول الأعضاء في التكتل الأوروبي الموحد، وأيضا مع صندوق النقد الدولي، وأشار بيان المفوضية إلى أن الطلب المجري للحصول على مساعدة مالية، تزامن مع عودة وفد أوروبي، كان يقوم بمراقبة لبرنامج متصل بميزان المدفوعات والمساعدات الأوروبية للمجر، واستمرت المهمة أسبوعين. وتواجه دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وأيضا أعضاء في منطقة اليورو، أزمة تتعلق بالعجز في الموازنة، وسقطت في دوامة ما يعرف بأزمة الديون السيادية، التي بدأت من اليونان وأعقبتها أيرلندا والبرتغال، وهناك مخاوف الآن من انتقال العدوى إلى إيطاليا وإسبانيا.