المفوضية الأوروبية ترفض استئناف التفاوض مع بودابست حول مساعدة مالية لتفادي انهيار اقتصادي

بسبب قوانين تسمح بالتدخل في عمل المصرف المركزي المجري

TT

رفضت المفوضية الأوروبية ببروكسل تحديد أي موعد لانطلاق مفاوضات رسمية مع بودابست، حول إمكانية حصولها على دعم مالي من الترويكا (المفوضية، والمصرف المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي)، لدعم الحسابات المالية المجرية. وقال متحدث باسم المفوضية إن استئناف المفاوضات التي تم تعليقها الشهر الماضي مع السلطات المجرية لن يتم إلا إذا التزمت الحكومة المجرية باحترام استقلالية المصرف المركزي المجري.

وأوضح أنه في غياب تسلم التوضيحات الضرورية فإن المفاوضات ستظل معلقة، وأن هذا الشرط يظل متوافقا بشكل تام مع نصوص الاتفاقيات الأوروبية، مضيفا أن المصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي يؤيدان هذا الموقف. وكررت المفوضية أنها تحلل وتدرس جيدا كل التعديلات التي أدخلت على الدستور المجري، والمهم بالنسبة لها حاليا ما يتعلق بعمل المركزي المجري وعدم التدخل في شؤونه من جانب أي مؤسسات حكومية، وضمان الشفافية الكاملة، أما القوانين الأخرى فإن دوائر أخرى داخل المؤسسات الأوروبية تبحث فيها في الوقت الحالي لترى مدى ملاءمتها للقوانين الأوروبية، ومنها ما يتعلق بملف حقوق الإنسان والإعلام وغيرهما.

وجاء ذلك بعد أن أعربت حكومة المجر عن استعدادها بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي حول الحصول على قرض لتفادي انهيار اقتصادها «دون شروط مسبقة». وقال تاماس فيليجي، الوزير المكلف بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، في تصريحات صحافية، إنه «ليس مؤكدا» أن تقبل الحكومة المجرية كل المقترحات، ولكنها «على استعداد للتفاوض بشأنها دون شروط مسبقة».

وتتعرض المجر لضغط دولي قوي بسبب التعديلات في دستورها، التي يقول صندوق النقد والمفوضية الأوروبية إنها تقلص الاستقلال الذي يتمتع به بنكها المركزي. يذكر أن البلد الشيوعي سابقا، الغارق في أزمة اقتصادية طاحنة، في حاجة إلى إعادة تمويله هذا العام بما يقرب من خمسة مليارات يورو، في الوقت الذي تسجل فيه عملته الوطنية (الفورنت) أدنى مستوياتها أمام اليورو. ويقدر أن المجر قد تحتاج إلى قرض بما يتراوح بين 15 مليار و20 مليار يورو، ولهذا أبرز فيليجي أهمية التوصل إلى اتفاق «بسرعة»، والمجر تعلن أنها قد تعيد النظر في قوانينها لكي تتطابق أكثر مع المعايير القانونية الأوروبية. وقال الناطق باسم المفوضية الأوروبية أوليفيه بايي: «يمكننا أن نطلب من محكمة العدل الأوروبية أن تصدر حكما يطلب من المجر تعديل القانون المخالف للقواعد الأوروبية، فمنذ اتفاقية ليشبونة أصبحت المحكمة مؤهلة لإصدار أحكام مرفقة بعقوبات مالية أيضا».

بروكسل وصندوق النقد الدولي يعتقدان أن الدستور المجري ينتهك استقلالية البنك المركزي الأوروبي، وفي منتصف الشهر الماضي توقفت مباحثات من أجل البت في مساعدات مالية للمجر، وأثر ذلك على العملة المجرية التي هبطت قيمتها في الأيام الأخيرة. ويعتقد الكثير من المراقبين أن «ضغوطات المفوضية وصندوق النقد ستؤثر على الحكومة المجرية وتجعلها تلتزم بمتطلبات المؤسسات الأوروبية»، خصوصا أنه منذ مستهل الأسبوع تظاهر آلاف المجريين ضد الصيغة الجديدة للدستور الذي يحد من الديمقراطية بحسب تعبيرهم.

وأقر البرلمان المجري مؤخرا القانون المثير للجدل الخاص بمصرفه المركزي، الذي يزيد من نفوذ حكومة المحافظ فيكتور أوروبان على هذه المؤسسة التي من المفترض أن تكون مستقلة، متجاهلا الانتقادات الموجهة من الاتحاد الأوروبي، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي. واعتمد القانون مع 293 صوتا مقابل معارضة أربعة أصوات، وبالتالي فشلت محاولات من جانب أطراف أوروبية ومؤسسات مالية دولية في إقناع الحكومة المجرية وقف مساعيها لتمرير الخطة التي تتعلق بإعادة هيكلة المصرف المركزي المجري على نواب البرلمان لإقرارها، على الرغم من تعرضها لانتقادات من جانب المفوضية الأوروبية ببروكسل، وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي. واتخذ صندوق النقد الدولي موقفا مماثلا، كما سبق للمعارضة المجرية أن عبرت عن موقفها الرافض لخطط الحكومة ونظمت اعتصاما أمام مدخل البرلمان، وانتهي الأمر بتدخل الشرطة لفض الاعتصام. وأظهرت المفوضية الأوروبية القلق من خطة الحكومة المجرية، ونددت بعدم التنسيق في هذا الأمر مع المصرف المركزي الأوروبي، وقالت إن المقترح الحكومي يجعل المفوضية تشعر بالقلق من إمكانية أن يعمل المركزي المجري بشكل مستقل، خصوصا أن خطة الحكومة تضمن متابعة الدولة والحكومة لعمل الجهاز المصرفي، كما عبر صندوق النقد الدولي عن موقف مماثل في وقت سابق، وقال ديفيد هاولي المتحدث باسم المؤسسة النقدية الدولية، إن بحثا لخطط الحكومة المجرية قد جرى وركز حول مدى استمرار استقلالية العمل في المركزي المجري، وحسب مصادر بروكسل وجّه رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو رسالة رسمية إلى رئيس الحكومة المجرية طالبه فيها بالتخلي عن تمرير مشروعي قانونين مثيرين للجدل، يتعلق الأول بإعادة النظر في التشريعات الداخلية لعمل المصرف المركزي المجري، والثاني بشأن السياسات الضريبية للدولة. ويرمي رئيس الحكومة المجرية من وراء هذا الإجراء إلى جعل السياسات النقدية والمالية تحت رقابة صارمة من البرلمان وبأغلبية الثلثين، حيث يتمتع بتأييد واسع داخل المجلس النيابي. إلا أن المفوضية ترى أن هذا الإجراء يهدف إلى منع المعارضة المجرية من جهة والمؤسسات الأوروبية من جهة أخرى من مراقبة الأداء المالي للدولة.

وصوت البرلمان المجري على قانون إعادة إصلاح عمل المصرف المركزي. ويهدف رئيس الحكومة المجرية إلى تجنب أي ضغوط من المفوضية أو من صندوق النقد الدولي لاستعمال الاحتياطي المالي لبلاده في حالة فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي تم تعليقها رسميا. وكان فيكتور أوربان دخل العام الماضي في مواجهة حادة مع المؤسسات الأوروبية بسبب إقدامه على تعديل مثير للجدل لقانون الصحافة.

يشار إلى أن المجر لا تنتمي إلى منطقة اليورو، ولكنها بحاجة إلى موافقة المفوضية الأوروبية للحصول على دعم صندوق النقد لدولي. وفي الحادي والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أعلن الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي أن المجر تقدمت بطلب للحصول على مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي، ورفض أماديو التفاج المتحدث في المفوضية الأوروبية الإعلان عن المبالغ التي طلبتها بودابست، واكتفى بالإشارة إلى أن الأمر قيد البحث حاليا.

وأشار بيان أوروبي إلى أن المجر أرسلت طلبا مماثلا إلى صندوق النقد الدولي، وأن السلطات المجرية أعربت في طلبها أنها تريد الاستفادة من الدعم الأوروبي كإجراء وقائي وعلاجي للأوضاع التي تمر بها البلاد، وقالت المفوضية إنها ستدرس الطلب المجري بعد التشاور مع بقية الدول الأعضاء في التكتل الأوروبي الموحد، وأيضا مع صندوق النقد الدولي. وأشار بيان المفوضية إلى أن الطلب المجري للحصول على مساعدة مالية تزامن مع عودة وفد أوروبي، كان يقوم بمراقبة لبرنامج متصل بميزان المدفوعات والمساعدات الأوروبية للمجر، واستمرت المهمة أسبوعين. وتواجه دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وأيضا أعضاء في منطقة اليورو أزمة تتعلق بالعجز في الموازنة، وسقطت في دوامة ما يعرف بأزمة الديون السيادية، التي بدأت من اليونان وأعقبتها آيرلندا والبرتغال، وهناك مخاوف الآن من انتقال العدوى إلى إيطاليا وإسبانيا.