القلق من الديون ينتاب أوروبا مرة أخرى بعد فترة من الهدوء النسبي

سعر صرف اليورو عند أدنى مستوى له خلال أكثر من 15 شهرا أمام الدولار

ارتفع معدل سعر الفائدة على السندات الإيطالية الموجودة حاليا والمستحقة الدفع بعد 10 سنوات لأكثر من 7% مما زاد من توتر الأسواق (أ. ب)
TT

ما زال المشترون، بعد خمسة أشهر من فقد الولايات المتحدة لتصنيفها الائتماني الممتاز، يتكالبون على شراء السندات الصادرة عن واشنطن، ولكن المستثمرين في أوروبا أكثر حذرا، حيث من الممكن أن تتسبب أزمة منطقة اليورو والمشكلات الاقتصادية المزمنة في تآكل الدرجات الائتمانية للدول الأوروبية الكبرى، مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

وقد انخفض سعر صرف اليورو إلى أدنى مستوى له خلال أكثر من 15 شهرا الأسبوع الماضي، حيث بلغت قيمته 1.28 دولار، كما توجب على فرنسا دفع مبلغ أكبر بقليل مما دفعته في المزادات الأخيرة للعثور على مشترين لسنداتها الحكومية التي تستحق الدفع بعد 10 سنوات، حيث كانت تلك من بين المؤشرات الجديدة على أن الهدوء المخيم على السوق الأوروبية منذ نهاية ديسمبر (كانون الأول) قد لا يدوم لفترة طويلة.

ومن المرجح أن يدفع المستثمرون الحكومات الإيطالية والإسبانية في الأسبوع المقبل إلى دفع تكاليف اقتراض إضافية، مقابل قروض جديدة بمليارات اليوروات، يجب أن تحصل عليها هذه الدول من أجل سداد قيمة جبل السندات الأخرى التي ستستحق الدفع قريبا.

وقد ارتفع معدل سعر الفائدة على السندات الإيطالية الموجودة حاليا والتي تستحق الدفع بعد 10 سنوات لأكثر من 7 في المائة من جديد في تداولات يوم الخميس، ليصل إلى 7.09 في المائة، وهو ما يعد معدل اقتراض عاليا لا يمكن للحكومة الإيطالية الاستمرار في تحمله. كما ارتفع أيضا معدل سعر الفائدة على السندات الإسبانية التي تستحق الدفع بعد 10 سنوات أيضا يوم الخميس، ليصل إلى 5.64 في المائة، مقارنة بمعدل سعر الفائدة الذي كان يزيد قليلا عن 5 في المائة في نهاية شهر ديسمبر.

وقد انخفض سعر الأسهم في أوروبا على نطاق واسع أيضا يوم الخميس، وعلى رأسها أسهم المصارف.

وقال جاكوب فونك كركيغارد، وهو خبير اقتصادي في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن: «إن ما يحدث هو دلالة على الشعور بأن الأمور لا تسير بشكل جيد في أوروبا، حيث إنه على الرغم من أن حالة الذعر من احتمال انهيار اليورو خلال الأشهر الستة المقبلة قد هدأت، فإن هذا لا يعني أن الخطر قد زال عن أوروبا».

ويبدو أن الأسواق المالية قد بدأت تولي اهتماما كبيرا في هذه الأيام إلى الجهود الحثيثة التي يبذلها المصرف المركزي الأوروبي لمنع مشكلات الديون، التي تعاني منها معظم حكومات منطقة اليورو، من إتلاف نظام أوروبا المصرفي الضعيف، وذلك بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من توقف الاستجابة السياسية للأزمة المالية في أوروبا، حيث ساهم البرنامج الجديد للقروض المنخفضة الفائدة للبنوك التجارية، والذي كان المصرف المركزي قد بدأه في ديسمبر، في خلق ذلك الشعور بالهدوء في نهاية السنة.

ولكن هذا الهدوء النسبي قد تحطم بالفعل، حيث تم تعليق التداول في سهم أكبر مصرف في إيطاليا، مصرف يونيكريديت، يوم الخميس في مدينة ميلانو، بعد أن خسر السهم ما يقرب من ربع قيمته، وقد انهار السهم بسبب مخاوف من عدم استطاعة المصرف توفير مليارات من اليورو في شكل رأس مال جديد، وهو الأمر الذي يطالب به المنظمون، من أجل عزل المصرف وحمايته من أي تفاقم قد يحدث في الأزمة المالية الأوروبية.

وقد انخفضت أسهم المصارف الإسبانية أيضا بشكل حاد بعد تصريح لويس دي غوندوس، وزير المالية الإسبانية الجديد، في مقابلة أجراها مع صحيفة «فايننشيال تايمز» يوم الخميس، حيث قال إن المصارف في إسبانيا قد تحتاج إلى تخصيص 50 مليار يورو (64 مليار دولار) إضافية، من أجل تسوية ميزانياتها العمومية.

ونظرا لأن جزءا كبيرا من أوروبا يبدو أنه يتجه نحو الركود الإقليمي هذا العام، فإنه ليس واضحا ما إذا كان المصرف المركزي الأوروبي يمكن أن يستمر في إخماد الحرائق التي تواصل الاندلاع في مختلف أنحاء القارة.

والأمر الأكثر خطورة من ذلك، هو أن هناك أزمة جديدة آخذة في الظهور خارج منطقة اليورو، حيث لا يستطيع المصرف المركزي الأوروبي العمل.

وكانت المجر، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي ولكنها ليست واحدة من الـ17 بلدا الأعضاء في اتحاد عملة اليورو، تترنح على حافة الانهيار يوم الأربعاء، وسط مخاوف من أن حكومتها اليمينية - الوسطية تعمل على إبعاد صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية في بروكسل، في الوقت الذي كانت تأمل فيه بودابست في الحصول على مساعدتهم.

ونظرا للتدهور المالي والمواجهة بين الحكومة والمصرف المركزي المجري، فقد انخفض مؤخرا التصنيف الائتماني لبودابست إلى مستوى متدن من قبل شركتين من شركات تقييم التصنيف الائتماني. وقد خاطر رئيس الوزراء، فيكتور أوروبا، في الآونة الأخيرة بقطع خط الإنقاذ المتمثل في أحد الصناديق النقدية عندما قام بسن قوانين لتجريد المصرف المركزي المجري من ما يتمتع به من استقلال سياسي.

وقد أثارت هذه التطورات أعصاب المستثمرين الذين امتنعوا عن شراء بعض السندات، التي عرضتها الحكومة المجرية للبيع يوم الخميس، وأجبروا الأمة المجرية على دفع سعر فائدة أعلى للتعويض عن المخاطر، حيث لم تستطع المجر سوى بيع سندات خزينة - تستحق الدفع بعد عام واحد فقط - بقيمة 35 مليار فورنت فقط (140 مليون دولار)، من الـ45 مليار فورنت في شكل سندات خزينة عرضتها للبيع يوم الخميس، مما أدى إلى ارتفاع متوسط العائد بشكل حاد، ليصل إلى 9.96 في المائة.

ولكن لا يزال الاهتمام مركزا بشكل رئيسي على المشكلات العاجلة لمنطقة اليورو، وخاصة قدرة إيطاليا وإسبانيا، وحتى فرنسا، على مواصلة تحمل تكاليف الاقتراض المرتفعة، حيث كان من المتوقع عندما بدأ المصرف المركزي الأوروبي في الشهر الماضي منح قروض رخيصة للمصارف التجارية لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، أن يكون نتيجة هذا الإجراء استخدام بعض هذه الأموال، التي أصبحت متاحة، في شراء السندات الحكومية في نهاية المطاف، وهو ما كان سيؤدي بدوره للمساعدة في خفض تكاليف الاقتراض التي تتكبدها الحكومات، على الأقل لفترات أقصر من ثلاث سنوات، ولكن المستثمرين يشعرون بالقلق من الوضع الذي ستصبح عليه الاقتصاديات الأوروبية الكبرى بعد أكثر من ثلاث سنوات من الآن، وهو ما يعد أحد الأسباب التي تجعلهم يجبرون فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها على رفع تكاليف الاقتراض التي يدفعونها على السندات الحكومية، التي تستحق الدفع بعد 10 أعوام.

وبغض النظر عن الموارد المالية المتقلصة للحكومات والمصارف في منطقة اليورو، فإنها بحاجة لجمع ما يقدر بـ1.9 تريليون يورو (2.43 تريليون دولار) في شكل مصادر تمويل جديدة في عام 2012 وحده، بل ربما كان يتوجب عليها جمعها قبل حلول أبريل (نيسان)، وهكذا فإن الكثير من الحكومات بحاجة إلى طرح سندات جديدة للبيع، كما فعلت فرنسا يوم الخميس، لكي تتمكن من سداد قيمة السندات القديمة التي سيتوجب عليها دفعها خلال وقت قريب.

ويقدر مصرف دويتشه حجم قيمة السندات والقروض التي سيتوجب على حكومات منطقة اليورو تسديدها قريبا بـ486 مليار يورو في الربع الأول من السنة، في حين سيتعين على البنوك تسديد نحو 214 مليار يورو، وهو ما يمكن أن يكون عملية شاقة ومكلفة.

وقال جواو سواريس، وهو مستشار كبير في شركة «باين آند كومباني»، التي نشرت مؤخرا تقريرا عن الوضع: «سوف يكون هناك تنافس شديد بين المصارف والدول على الموارد الشحيحة جدا، ونظرا لأن الدول أقوى من المصارف، فإن السؤال هو: ما هي النتيجة التي سينتهي إليها هذا القتال؟».

وتعد حكومات إسبانيا وإيطاليا الحكومات الأكثر عرضة للخطر بين الحكومات التي تستعد لمواجهة تسونامي من عمليات إعادة تمويل الديون، حيث ستحتاج الحكومة الإيطالية إلى جمع 50 مليار يورو لسداد سندات تستحق الدفع بحلول فبراير (شباط)، بالإضافة إلى جمع مبلغ إضافي قدره 80 مليار يورو بين شهري مارس (آذار) وأبريل، كما لدى إسبانيا أيضا ديون هائلة سيتوجب عليها سدادها.

وقد أطلق كل من ماريو مونتي، رئيس وزراء إيطاليا الجديد، وماريانو راخوي، رئيس وزراء إسبانيا الجديد، برامج تقشف جديدة أملا في استعادة ثقة المستثمرين وتشجيع المصرف المركزي الأوروبي لتقديم دعم، على الأقل بشكل غير مباشر، لسنداتهم المطروحة للبيع.

ولكن راخوي اعترف مؤخرا بأن العجز في إسبانيا كان أسوأ بكثير مما كان يعتقد، بينما يواجه مونتي اعتراضات من قبل الرأي العام على التدابير الجديدة التي يخشى الكثيرون من أن تؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط إيطاليا في براثن الركود لفترة طويلة.

ومرفق الاستقرار المالي الأوروبي هو أيضا من الجهات المتنافسة على الحصول على كميات ضخمة من التمويل، وهو صندوق إنقاذ يهدف إلى المساعدة على منع أسعار الفائدة، في دول مثل إيطاليا وإسبانيا، من الارتفاع إلى المستويات التي أجبرت اليونان على اتخاذ خطة إنقاذ.

وقد باع الصندوق يوم الأربعاء سندات تستحق الدفع في غضون ثلاث سنوات بقيمة 4.5 مليار يورو، بسعر فائدة أعلى بكثير - نحو 1.77 في المائة – مقارنة بسعر الفائدة الذي توجب عليه دفعه في مزاده الأول لبيع السندات، الذي عقد في العام الماضي، حيث كان الهدف من عملية البيع هذه المرة هو جمع أموال جديدة لتمويل خطط الإنقاذ في كل من آيرلندا والبرتغال واليونان.

ومن المقرر أن يلتقي الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، يوم الاثنين مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لبحث استراتيجية التعامل مع أزمة اليورو.

* خدمة «نيويورك تايمز»