كاميرون يحذر زعماء منطقة اليورو.. ووكالات التصنيف تدعو مدريد لمزيد من التقشف

بروكسل تخفف من انتقاد فرض ضريبة على المعاملات المالية بالقول: «إنها مبادرتنا منذ البداية»

TT

أعطت المؤسسات التابعة للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء اهتماما ملحوظا خلال الساعات القلقة الماضية بملف فرض ضريبة على المعاملات المالية، مما دفع المفوضية الأوروبية للرد على تقارير إعلامية تحاول اعتبار الأمر بمثابة تحرك بشكل مستقل من جانب فرنسا أو ألمانيا في هذا الصدد. وقال الجهاز التنفيذي الأوروبي إن طرح مسألة ضريبة على المعاملات المالية كان منذ البداية مبادرة أطلقتها المفوضية ببروكسل. من جانبها، أجرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مساء الثلاثاء، محادثات مع رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد لبحث تطورات أزمة الديون في منطقة اليورو. يأتي ذلك عقب لقاء جمع ميركل بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي جرى خلاله الاتفاق على ضرورة فرض ضرائب على الصفقات المالية وعلى تأسيس اتحاد مالي في أوروبا. بالتزامن مع ذلك بدأت مجموعة من خبراء المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي (الترويكا) الثلاثاء في دبلن عملية مراجعة جديدة للإجراءات التي اتخذتها الحكومة الآيرلندية خلال الربع الأخير من 2011 للوفاء بشروط خطة إنقاذها الاقتصادية. بينما أصدر الاتحاد الأوروبي سندات بقيمة 3 مليارات يورو لأجل 30 عاما لمساعدة آيرلندا والبرتغال في مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية.

في بروكسل، قال أماديو ألتفاج، المتحدث باسم مفوض الشؤون النقدية والاقتصادية أولي رين: إن مسألة فرض ضريبة على المعاملات المالية كانت منذ البداية مبادرة أطلقتها المفوضية ثم طرحتها على مجموعة العشرين وعلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لدراستها والتشاور بشأنها في محاولة للوصول إلى رأي توافقي أو جعلها أكثر انتشارا في إطار خطط لفرض المزيد من الرقابة المالية. ورفض المتحدث اعتبار هذا الملف تحركا فرديا أو ثنائيا من جانب أي من الدول الأعضاء بل هجاء منذ البداية في صورة مبادرة طرحها الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي. جاءت التصريحات قبل ساعات قليلة من محادثات جرت مساء الثلاثاء بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد لبحث تطورات أزمة الديون في منطقة اليورو. وجاء لقاء المستشارة الألمانية ورئيسة الصندوق الدولي بعد يوم واحد فقط من اتفاق ميركل مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في برلين على ضرورة فرض ضرائب على الصفقات المالية وعلى تأسيس اتحاد مالي في أوروبا. ووفق ما يراه المراقبون فإن اللقاء الذي يعتبر الأول من نوعه في العام الجديد ركز على الملف اليوناني وعلى الحيلولة دون إفلاس محتمل لحكومة أثينا، الأمر الذي سيغذي نظرية «أحجار الدومينو»، في إشارة إلى أن إفلاس اليونان سيؤدي إلى امتداد الأزمة إلى دول أخرى في منطقة اليورو. ومع ما يتردد من أنباء عن أن صندوق النقد الدولي لم يعد يثق بقدرة حكومة أثينا على تسديد ديونها، الأمر الذي يتطلب إعادة جدولة هذه الديون، جددت ميركل سعي حكومتها لمنع اليونان من الخروج من منطقة اليورو. واشترطت، في الوقت ذاته، وفاء حكومة أثينا بالتزاماتها تجاه الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والدائنين الخواص.

على صعيد متصل، أثار الاتفاق الذي تمخض عنه اللقاء الذي جمع ميركل بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي يرى ضرورة فرض ضرائب على الصفقات المالية وأسواق المال، حفيظة الحزب الليبرالي الحر، الشريك الأصغر في ائتلاف ميركل الحكومي. وقال وزير الاقتصاد الألماني، فيليب روسلر، من الحزب الليبرالي الحر في تصريحات صحافية، إنه «يؤيد فرض هذه الضرائب». واشترط أن «يشمل الفرض ليس فقط الدول الأعضاء في منطقة اليورو بل جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وإلا فإنه سيرفض هذه القرارات». يُذكر أن دولا في الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها بريطانيا وآيرلندا، تعارض فرض هذه الضرائب لدرجة أن لندن هددت باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار في هذا الخصوص. وجاءت تلك التطورات بعد أن أصدر الاتحاد الأوروبي سندات بقيمة 3 مليارات يورو لأجل 30 عاما لمساعدة آيرلندا والبرتغال في مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية. وذكرت المفوضية الأوروبية، في بيان، أن عائدات تلك السندات سيجري تقسيمها بالتساوي بين آيرلندا والبرتغال بحيث تحصل كل منهما على 5.‏1 مليار يورو. وأضافت المفوضية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، أن هذه العملية تأتي في إطار حزم المساعدات المالية المقدمة إلى آيرلندا والبرتغال، مشيرة إلى أنه سيتم صرف الأموال لهما في 16 من الشهر الحالي. وسجل الاتحاد الأوروبي الغالبية العظمى من حجم إقبال المستثمرين على شراء السندات؛ حيث جاءت ألمانيا في المرتبة الأولى بنسبة 70% تليها المملكة المتحدة بنسبة 13% ثم بلدان مجموعة «بينيلوكس» (لوكسمبورغ وبلجيكا وهولندا) بنسبة 8% وسويسرا بنسبة 4%. يُذكر أن هذه هي أول عملية إصدار للسندات يقوم بها الاتحاد الأوروبي خلال العام الحالي.

وبالتزامن مع ذلك بدأت مجموعة من خبراء المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي (الترويكا)، الثلاثاء في دبلن، عملية مراجعة جديدة للإجراءات التي اتخذتها الحكومة الآيرلندية خلال الربع الأخير من 2011 للوفاء بشروط خطة إنقاذها الاقتصادية. وتعد هذه خامس عملية مراجعة تجريها مجموعة «الترويكا» منذ أن قبلت آيرلندا في أواخر 2010 برنامج مساعدات من جانب الجهات الثلاث. وعلى غرار المرات السابقة، تثق الحكومة الآيرلندية بأن مجموعة «الترويكا» ستقدر التقدم الذي أحرزته السلطات خلال الربع الأخير من العام الماضي، وستوافق على الإجراءات المقررة للوفاء بالأهداف المحددة للأشهر الثلاثة الأولى من 2012. وسيقوم خبراء «الترويكا» على مدار 10 أيام بتقييم الخطوات التي اتخذتها آيرلندا، وهي واحدة من أكثر دول اليورو تضررا من أزمة الديون، وفور الانتهاء من هذه العملية، سيقدمون مذكرة تفاهم جديدة يتم إبرامها مع حكومة دبلن لتحديد أهداف المرحلة المقبلة. وقد قدمت الحكومة الآيرلندية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي خطة تقشف، تسعى من خلالها لتوفير 3.8 مليار يورو وخفض العجز العام حتى 8.6% من إجمالي الناتج المحلي خلال العام المقبل.

وفي لندن، وجه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أمس، تحذيرا لزعماء منطقة اليورو بأنه عليهم اتخاذ بعض «الخطوات الحاسمة» لإبقاء عملة (اليورو) الموحدة على قيد الحياة. وأعرب كاميرون في تصريح لشبكة «سكاي نيوز» عن اعتقاده أن «النتيجة الأكثر ترجيحا» هي أن يتم إنقاذ اليورو على الرغم من أزمة الديون الحالية، غير أنه شدد على أنه من الضروري معالجة «الفجوة التنافسية الجوهرية» على المدى البعيد بين الاقتصاد الألماني القوي وضعف اقتصادات دول جنوب أوروبا. ودعا إلى اتخاذ «بعض الخطوات الحاسمة جدا لحل المسائل الشائكة على المدى القصير لمنع انتقال العدوى إلى جميع أنحاء أوروبا والتوصل إلى تسوية حاسمة بالنسبة لليونان وتعزيز البنوك الأوروبية».

وذكر كاميرون أنه لا بد على المدى الطويل من معالجة نقص القدرة التنافسية بين ألمانيا من جهة والكثير من دول جنوب أوروبا من جهة أخرى، مؤكدا أنه «لا يمكن الحصول على عملة واحدة مع نقص القدرة التنافسية الأساسية هذا إلا إذا كانت هناك تحويلات ضخمة للثروة من جزء واحد من أوروبا إلى أخرى». وشدد على أنه من مصلحة بريطانيا أن تتعافى منطقة اليورو، مشيرا إلى أنه كان للأزمة الراهنة «تأثير سلبي» على اقتصاد المملكة المتحدة. ولم يستبعد كاميرون أن تقدم بريطانيا لصندوق النقد الدولي 10 مليارات جنيه إسترليني، التي وافق عليها مجلس العموم في يوليو (تموز) الماضي في خطوة من شأنها أن تثير غضب النواب المحافظين. وقال كاميرون في هذا الصدد: «لقد وضعنا شروطا لدعم صندوق النقد الدولي، ونحن نؤيد الدول وليس العملات أو مناطق العملات».

وأقر رئيس الوزراء البريطاني بأن قراره الشهر الماضي رفع الفيتو البريطاني لعرقلة معاهدة جديدة لجميع الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد خلق «نقطة ضغط» في تحالفه مع الديمقراطيين الأحرار، غير أنه شدد، مع ذلك، على أنه سيواصل العمل بشكل وثيق مع نائب رئيس الوزراء، نيك كليغ. على صعيد متصل، دعت وكالة «موديز» العالمية للتصنيف الائتماني إسبانيا إلى اتخاذ إجراءات تقشفية إضافية لتوفير 25 مليار يورو خلال عام 2012 في إطار تحقيق أهدافها بخفض العجز في الموازنة العامة.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن الوكالة قولها إن خفض العجز في إسبانيا إلى 4.‏4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد مع نهاية عام 2012 يتطلب توفير مبلغ إجمالي قدره 40 مليار يورو، وذلك بعد أن كانت الحكومة قد أعلنت، في الفترة الأخيرة، عن حزمة من الإجراءات الهادفة إلى توفير نحو 16 مليار يورو خلال العام الحالي لخفض العجز. واعتبرت «موديز» أنه على الرغم من مطالبتها فإن اتخاذ قرارات تقشفية إضافية لخفض العجز من شأنه مضاعفة التوقعات السلبية حول نمو الاقتصاد الإسباني، مشيرة إلى توقعاتها بتراجع اقتصاد البلاد بنسبة تتراوح بين 5.‏0% و1% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد خلال العام الحالي بعد أن كانت قد توقعت سابقا نموه بنسبة 7.‏0% في عام 2012.