التبادل التجاري بين الإمارات وإيران ينخفض 70% خلال ثلاث سنوات

تجار لـ «الشرق الأوسط»: العقوبات وقيمة العملة تسببتا في إفلاس العشرات

بلغت المبادلات التجارية بين إيران والإمارات العربية المتحدة ما قيمته 10 مليارات دولار كانت آخذة في الزيادة قبل أن تفرض العقوبات الغربية الرابعة على إيران
TT

كان لافتا ومتوقعا في آن معا أن تغيب أي أرقام تتعلق بإيران عن أحدث تقرير رسمي يرصد حجم تجارة دبي مع العالم خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2011، والذي بلغ مستويات قياسية تخطت 815 مليار درهم إماراتي (226 مليار دولار)، وذلك بعد أن كان من الشائع القول إن إيران هي أهم شريك تجاري للإمارات العربية المتحدة. لكن متابعة دقيقة لأرقام التبادلات التجارية بين البلدين خلال عام 2011، وتزامنها مع الجولات الأربع للعقوبات التي فرضت على إيران تباعا خلال السنوات الماضية بسبب برنامجها النووي، تظهر حقائق تبرر غياب إيران للمرة الأولى عن تصنيف الدول الأهم في التبادلات التجارية مع الإمارات، كما تعطي المبرر لعدد من التجار الإيرانيين للقول (وبالفم الملآن) إن إيران لم تعد شريكا تجاريا مهما للإمارات.

في واقع الأمر بلغت المبادلات التجارية بين إيران والإمارات العربية المتحدة ما قيمته 10 مليارات دولار (لا تشمل إعادة التصدير) كانت آخذة في الزيادة قبل أن تفرض العقوبات الغربية الرابعة على إيران، مما دفع البنوك الإماراتية لاتخاذ خطوات عقابية بحق كيانات تجارية إيرانية عاملة على أراضيها، إضافة إلى نشوء العديد من التعقيدات والقيود في تعامل التجار الإيرانيين مع المؤسسات المصرفية الإماراتية، لدرجة أن أحد التجار الإيرانيين قال لـ«الشرق الأوسط» إنه احتاج أربعة أشهر لمجرد فتح حساب في أحد البنوك الإماراتية.

وكانت الأرقام الإيرانية تتحدث عن أن حجم الميزان التجاري بين الإمارات وإيران بلغ نحو 47.7412 مليار درهم (13 مليار دولار)، حتى عام 2009، وصحيح أن حجم التجارة بين البلدين يسجل 13 مليار دولار في الفترة الحالية، إلا أن التجارة الحقيقية بين الإمارات وإيران لا تتجاوز 30 في المائة فقط، فيما تحتل تجارة إعادة التصدير للبضائع القادمة من أوروبا وآسيا الجزء المتبقي، وهو ما يعني أن التجارة الحقيقية بين البلدين انخفضت بمعدل 70 في المائة خلال العامين المنصرمين. يقول مرتضى معصوم زادة، نائب رئيس مجلس الأعمال الإيراني في دبي، إن أكثر من 100 تاجر إيراني أفلسوا خلال الأشهر الستة الماضية، وهم بعض ممن تأثروا بشدة بالعقوبات المفروضة على بلادهم، مشيرا إلى أن الأوضاع ساءت بشكل واضح في العامين الأخيرين مع اشتداد نار العقوبات التي تؤثر على التجار ونشاطهم بشكل مباشر.

وتنص حزمة العقوبات الرابعة ضد إيران على إجراء عمليات تفتيش في عرض البحار على السفن التي يعتقد أنها تحمل مواد محظورة إلى إيران، كما أضافت تلك العقوبات أربعين كيانا إيرانيا إلى قائمة الأشخاص والمجموعات الخاضعين لقيود السفر، كما اشتملت على عقوبات مالية، فيما تعتمد التجارة بين إيران والإمارات على حركة التجارة البحرية.

وأكد مرتضى معصوم زادة لـ«الشرق الأوسط» أن أكثر من 20 ألف تاجر من الإيرانيين وغير الإيرانيين يتأثرون بشدة بهذه العقوبات، حيث يعيش في الإمارات نحو 400 ألف إيراني، وتعمل 8 آلاف شركة تنشط في عدة مجالات على رأسها التصدير والاستيراد. ويقول مرتضى معصوم زادة، نائب رئيس مجلس الأعمال الإيراني في دبي، إن حجم التبادل التجاري بين البلدين ينخفض بشكل مطرد يوما بعد يوم، وإن العشرة مليارات دولار التي كانت تمثل قيمة التبادل التجاري تقترب من أن تصبح 3 مليارات في ظل «التضييق الذي تمارسه البنوك الإماراتية»، معتبرا أن ذلك «يضاعف من حجم الأزمة على التجار»، وهو ما تعتبره الإمارات العربية تطبيقا لعقوبات دولية، مضيفا أن «من يعتقد أن التجار الإيرانيين الموجودين في دبي هم الوحيدون المتأثرون بالعقوبات فهو مخطئ، فهناك العديد من التجار من جنسيات عديدة ممن يرتبطون بالتجار الإيرانيين وكل نشاطهم التجاري موجه إلى إيران، وهذا يشمل جنسيات عديدة كالبريطاني والهندي والباكستاني والإماراتي وجميعهم متأثرون بالمستوى نفسه».

إذن، تعتبر العقوبات الدولية المفروضة على إيران والتزام الإمارات العربية المتحدة بتطبيق ما تنص عليه هذه العقوبات السبب الأساسي في صعوبة نفاذ بضائع عديدة إلى الطرف الآخر، ولعل زيارة إلى خور دبي تظهر طبيعة تلك البضائع (عجلات، أوان، إلكترونيات..)، فالعقوبات هي الأمر الأساسي الذي بدأ يهبط بحجم التجارة بين البلدين إلى مستويات اقتربت من ربع ما كانت عليه قبل ثلاثة أعوام تقريبا، أما العامل الآخر المستجد فهو التراجع الحاد في قيمة صرف العملة الإيرانية (الريال) أمام الدولار، ليضاف هذا العامل إلى تأثير العقوبات ويسهم في تضييق الخناق على التجار الإيرانيين، وذلك بعد أن هبط الريال الإيراني لمستويات قياسية مقابل الدولار عقب توقيع الرئيس الأميركي باراك أوباما مشروع قانون يقر عقوبات على البنك المركزي الإيراني، مما دفع الإيرانيين للتهافت على شراء العملات الصعبة التي أصبحت أكثر ندرة، وسبب هلعا اقتصاديا وماليا في البلاد. وقال تاجر إيراني يعمل من دبي، فضل عدم ذكر اسمه، إن قضية العملات الأجنبية تم تطبيقها بشكل صارم في إيران خلال الأسبوعين الماضيين بسبب تراجع قيمة الصرف للعملة المحلية (الريال الإيراني)، حيث أسهمت هذه المشكلة في تعطيل التجارة بالكامل بين الإمارات وإيران على مدار يومين كاملين، إذ لم تكن هناك خلال هذين اليومين أي تجارة أو تحويلات بين الإمارات وإيران.

وتتحدث مكاتب صرافة في إيران أنها أوقفت مبيعات الدولار كلية، لأن البنك المركزي أصدر تعليمات بألا تبيع بسعر أعلى من 14 ألف ريال. وتعرض مكاتب الصرافة شراء الدولار بسعر 13900 ريال، لكنه لا يلقى قبولا بعد أن ارتفع سعر الدولار في السوق المفتوحة خلال الأسبوعين الماضيين إلى ما بين 16 و17 ألف ريال. ومنذ بدأ تراجع الريال في ديسمبر (كانون الأول) يقول الإيرانيون إن الكثير من الناس هرعوا إلى تحويل رؤوس أموالهم إلى الدولار أو الذهب، وعمد كثير من إيرانيي الطبقة المتوسطة إلى بيع ممتلكاتهم وسحب أموالهم من حسابات التوفير. وأدت الإجراءات الأميركية والأوروبية إلى تهديدات من جانب إيران لإغلاق مضيق هرمز، الذي يعتبر ممرا عالميا لنحو خمسة خطوط نفط عالمية. ونظمت إيران مناورات عسكرية في المضيق تحديا لأميركا، الأمر الذي أدى إلى تصاعد التوترات، فيما يصارع اقتصاد إيران من أجل البقاء مع معدل تضخم مرتفع. ويعتبر محمد النعيمي، وهو مدير تنفيذي في غرفة تجارة أبوظبي، أن العلاقة بين الإمارات وإيران هي علاقة تاريخية وتحديدا في ما يتعلق بالتجارة، لافتا إلى أن ما يحدث حاليا هو أن الإمارات تحاول أن تلتزم بالقرارات الدولية في ما يتعلق بالعقوبات، مشيرا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هذا لا يعني أن بعض المنتجات يسمح لها بأن تصدر من الإمارات إلى إيران، خاصة البضائع التي لا تدخل في إطار المواد المحظورة بفعل العقوبات»، معتبرا أن «قيمة العملة الإيرانية الآخذة في الانخفاض والعقوبات هما سببان رئيسيان لتراجع التجارة بين البلدين».

وكانت الإمارات العربية المتحدة قد قطعت علاقاتها مع 17 بنكا إيرانيا تماشيا مع العقوبات الدولية، على اعتبار أن هذه البنوك تصنف على أنها ضمن القائمة السوداء في الولايات المتحدة الأميركية، منها «بنك صادرات إيران» و«بنك ملي إيران» اللذان يملكان فروعا لهما في دولة الإمارات.

الوضع صعب ومزعج للغاية للتجار الإيرانيين العاملين من دبي، والذين شهدوا على فترة الذروة في العلاقات التجارية بين البلدين، أما الآن فيشتكي التاجر الإيراني بالقول «أسير تجارتي من دبي منذ ثلاثين عاما، لكنني اليوم أحتاج أشهرا لمجرد فتح حساب مصرفي في أحد البنوك الإماراتية»، ليس هذا فحسب «فالتأمين أيضا أصبح عقبة كبيرة، حيث إن الكثير من شركات التأمين تعزف عن توفير تغطية تأمينية للبضائع المتجهة من الإمارات إلى إيران، أو بشكل عام لا تغطي شركات التأمين حاليا أي عمليات شحن متجهة إلى الموانئ الإيرانية».

وتعمل ثمانية آلاف شركة إيرانية في الإمارات بشكل رئيسي في قطاع المواد الغذائية والمواد الخام والحديد والفولاذ والإلكترونيات والإطارات، والمعدات المنزلية، وغيرها من المواد، ويرى مجلس الأعمال الإيراني في دبي أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه سيدفع شركات عديدة للإقفال، كما سيتسبب في إفلاس الكثيرين، وهو ما يتضح بشكل جلي من خلال استعراض الأرقام التي تشير إلى أن حجم التجارة بين الإمارات وإيران بلغ قبل ثلاث سنوات 12 مليار دولار، وخلال عام 2010 وصل إلى ما يقرب من 7 إلى 8 مليارات دولار، أي بانخفاض قدره 40 في المائة. ولا يزال الانخفاض مستمرا مع غياب أفق التوقعات بشأن ما ستؤول إليه الأمور.