«الدماء تغلي» في بريطانيا بسبب الأجور الخيالية للمسؤولين التنفيذيين

وسط جدل سياسي وشعبي كبير حولها

بورصة لندن للأوراق المالية («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي تستعد فيه مجالس إدارات الشركات للتصويت على المكافآت السنوية لكبار المسؤولين التنفيذيين، يعمل المستثمرون والحكومة في بريطانيا على إيجاد طرق لتقليص ما وصفه البعض بأنه زيادات مبالغ فيها في تلك الأجور والمكافآت.

وعلى مدار الشهرين الماضيين، أعلن اثنان من أكبر المستثمرين في البلاد عن رفضهما للمرتبات الكبيرة التي يحصل عليها المسؤولون التنفيذيون، وطالبوا بقية المستثمرين بمعارضة ذلك. ومن جانبه، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يوم الخميس الماضي عن دعمه لموقف هذين المستثمرين، وقال إن حصول هؤلاء المسؤولين على مرتبات كبيرة، في الوقت الذي تضطر فيه أسر كثيرة لشد الأحزمة، يجعل «دماء الناس تغلي».

وبحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» أعدته جوليا ويرديغير فمن المقرر أن يقوم وزير العمل البريطاني فينس كيبل بتقديم مقترحات تهدف إلى اتباع نظام أكثر عدالة فيما يتعلق بالمرتبات والمكافآت، بما في ذلك منح المساهمين حق الاعتراض على حجم الأجور والمكافآت، وجعلها أكثر شفافية، حسب تصريحات مسؤول حكومي كبير، رفض الكشف عن هويته لأنه لم يتم الإعلان عن تلك المقترحات حتى الآن.

وقال دومينيك روسي، من مؤسسة «فيديليتي وورلدوايد إنفستمنت» والتي انضمت لرابطة شركات التأمين البريطانية في الدعوة لإجراء تغييرات في هذا الإطار: «إن المكافآت الكبيرة التي يحصل عليها المسؤولون التنفيذيون بشكل مبالغ فيه قد دمرت ثقة الشعب وجعلت الجميع يعتقد أن كل المديرين يحصلون على مرتبات خيالية. وتكمن الحقيقة البسيطة في أن برامج الأجور قد أصبحت معقدة للغاية، وفي بعض الحالات سخية للغاية ولا تصب في مصلحة المستثمرين».

والشيء الذي يؤدي إلى الضيق الشديد هو أن كبار المسؤولين التنفيذيين ما زالوا يحصلون على رواتب كبيرة، في الوقت الذي يرى فيه المساهمون استثماراتهم وهي تنهار. وعن ذلك يقول روبرت تالبوت، وهو رئيس لجنة الاستثمار برابطة شركات التأمين البريطانية: «هناك توافق كبير للغاية على ضرورة وجود إصلاح. وهناك وجهة نظر قوية تطالب بعدم الاستمرار في دفع مرتبات كبيرة للأفراد الذين فشلوا في أعمالهم، وعلينا أن نعالج هذه المسألة».

وأظهر تقرير صادر عن معهد أبحاث السياسات العامة أن إجمالي متوسط أجور كبار المسؤولين التنفيذيين قد ارتفع بنسبة 33 في المائة في عام 2010، بينما ارتفع متوسط القيمة السوقية للشركات بنسبة 24 في المائة. وقد أظهرت دراسة منفصلة من قبل كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية أن ارتفاع القيمة السوقية للشركات بنسبة 10 في المائة قد أعقبه زيادة في أجور المسؤولين التنفيذيين بنسبة 3 في المائة، في حين ارتفعت أجور العمال بنسبة 0.2 في المائة فقط في المتوسط.

وقد تنامى الغضب العام بعد أن كشفت بعض الصحف عن خطط لدفع مبالغ مالية بقيمة مليون جنيه استرليني لكبار المسؤولين التنفيذيين في بنك باركليز، على الرغم من أن سعر سهم البنك قد تراجع بنسبة تتجاوز 30 في المائة العام الماضي. وسوف يمنح مصرف «رويال بنك أوف سكوتلاند» رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية بالمصرف مبلغا ماليا كبيرا إضافيا، على الرغم من أن المصرف قد أعلن عن فصل آلاف العمال. وخلال الشهر الماضي، وجه مستثمرون نقدا لاذعا لشركة «كارين إنرجي» للاستكشاف عن النفط بسبب اقتراحها منح رئيس الشركة 4.9 مليون جنيه استرليني، أو ما يعادل 7.6 مليون دولار، لتحفيزه على بيع بعض الأصول.

وأوضح رئيس الوزراء البريطاني أنه لا يعارض منح مكافآت كبيرة للمديرين التنفيذيين الناجحين، ولكنه يشعر بالقلق إزاء التفاوت بين الأجور والأداء، والفجوة الكبيرة بين رواتب المديرين التنفيذيين والعاملين.

وقد ارتفعت رواتب المسؤولين التنفيذيين في أفضل 100 شركة بريطانية لعام 2010 بنسبة 49 في المائة في المتوسط، مقارنة بـ2.7 المائة للموظف في المتوسط، وفقا لتقرير صادر عن لجنة الأجور العليا. وفي شركة «بريتش بيتروليوم» النفطية العملاقة، على سبيل المثال، كان الرئيس التنفيذي السابق توني هيوارد يحصل على 63 ضعفا للمبلغ الذي يحصل عليه الموظف العادي في عام 2010، عندما ترك منصبه في الشركة، أما في عام 1979 فكان رئيس الشركة يحصل على 16.5 ضعف مرتب الموظف العادي.

ولا يزال بعض النواب يساورهم الشك حول مدى التغيير الذي يمكن القيام به، ففي الولايات المتحدة، التي تتخطى فيها مرتبات المسؤولين التنفيذيين مثيلاتها في بريطانيا، لم تحقق الجهود الأخيرة لقانون إصلاح وول ستريت وحماية المستهلك والمعروف اختصارا بقانون «دود - فرانك» نجاحا كبيرا في هذا الشأن.

ونتيجة لضغط المنظمين، قامت المصارف في الولايات المتحدة بتحويل جزء كبير من الأجور إلى أسهم على المدى الطويل، ووضعت سياسات للحصول على تلك المكافآت في حالة حدوث خسائر كبيرة. وينص قانون «دود فرانك» على أنه يحق للمستثمرين في شركات القطاع العام التصويت على تحديد إجمالي الراتب الذي يتقاضاه الرؤساء، على الرغم من أن هذا التصويت ليس ملزما.

لا يوجد في بريطانيا تصويت حملة أسهم ملزم بشأن رواتب الرؤساء التنفيذيين لعدة سنوات، لكن مستوى الرواتب تواصل في الارتفاع.

لكن الحكومة تفكر في الوقت الراهن في جعل التصويت ملزما. وقد دافع تالبوت وروسي لصالح رفع بداية موافقة حملة الأسهم بشأن إجمالي الرواتب والمكافآت من 50 في المائة في الوقت الراهن وجعل القرار ملزما. وقد تشجعت الشركات بناء على ذلك لكن لم يطلب منها تغيير تعويضات الرؤساء التنفيذيين، ما لم يوافق نصف حملة الأسهم على ذلك. وأيد روسي موافقة 75 في المائة على الأقل مشيرا إلى أن الشركات يجب أن تشرح لحملة الأسهم بشكل أكثر وضوحا السبب في منحها المديرين التنفيذيين رواتب محددة. وقال «قل لنا بعبارات واضحة، اقتراحك: دع حملة الأسهم يقرروا». لكن سارة ويلسون، المدير الإداري في «مانيفست»، والتي تقدم الاستشارات لحملة الأسهم، حذرت من مخاطر الاعتماد بقوة على حملة الأسهم في إصلاح المشكلة، فتقول إن الدلائل توضح أن العديد من حملة الأسهم الكبار كانوا مترددين في جمع المعلومات ذات الصلة باتخاذ قرارهم والتصويت بشأن الرواتب.

ويقدر مكتب الإحصاءات الوطنية بأن أكثر من 40 في المائة من أسهم الشركات البريطانية مملوكة بالخارج، وأن العديد من حملة الأسهم هم من أصحاب الاستثمار قصير الأجل، وأن القليل منهم هم من يفكرون في راتب الرئيس التنفيذي إذا امتلكوا واحدا في المائة أو أقل من الشركة.

وتشير ديبورا هارغريفز، رئيسة مفوضية الرواتب المرتفعة، إلى أن الحكومة تمنح حملة الأسهم الآخرين، بما في ذلك الموظفين، طرح آرائهم بشأن رواتب الرؤساء التنفيذيين أو تعويض ذلك عبر نشر الرقم الكلي. وقد جعلت إسهامات المعاشات والحوافز المتأخرة الحوافز الأخرى طويلة الأجل من الصعوبة بمكان بالنسبة لحملة الأسهم تحديد التعويضات السنوية الكلية للمدير.

لكن هارغريفز تشير أيضا إلى أنها كانت تأمل في أن يساعد النقاش الحالي بشأن رواتب المديرين التنفيذيين في تحسين النظام. وتقول: «إذا لم تستطع تحقيق أي نوع من التغيير الآن خلال الركود الاقتصادي، فلا أتوقع حدوثه فيما بعد».