منتدى التنافسية الدولي: تواتر الخبرة من جيل إلى جيل يحافظ على استمرارية الشركات

خبير عالمي يستشهد بقصة الرسول والحجر الأسود في تناوله قضية الإبداع والتفكير

شدد خبراء دوليون في منتدى التنافسية يوم أمس على أن البيروقراطية سبب لمعاناة العديد من الشركات التي تعمل في ظروف سياسات غير حكيمة (تصوير: أحمد فتحي)
TT

هل بالإمكان تعزيز مصدر الطاقة، ولماذا نلجأ لشراء الطاقة، وهل من طريقة جديدة وجيدة لتقديم أفكار مبتكرة في هذا المجال لتقديم طاقة بسعر منافس وتكلفة أقل، وتتمتع في نفس الوقت بتنافسية عالية؟.. كانت هذه أهم الأسئلة التي طرحها شاهد أنصاري رئيس مجلس كلية بابسون العالمية لريادة الأعمال، في الجلسة التي أدارها أمس في الجلسة الصباحية الثانية من منتدى التنافسية الدولي بالرياض، تحت عنوان: «ريادة الأعمال... كيف استطاعت الشركات التكيف مع متطلبات العصر؟».

واتفق المشاركون في هذه الجلسة على أن نجاح الشركات وريادتها مرتبط بالاستمرار في رعاية المواهب وتحفيز التفكير الإبداعي لدى العاملين، مشيرين إلى أن المخاطرة بقدر محدد ضروري أحيانا للوصول إلى نتائج جيدة.

أما مايكل ماير مؤسس شركة «إيرين» فقال: «أن أحب الأفكار الجديدة الجيدة وأحترمها وأسعى جاهدا للخروج بها إلى منتجات جديدة ومتطورة وأكثر تنافسية، وإذا فشلنا نبحث عن أفكار أخرى، وهذا يفيد في الشركات العائلية لأنه يمنحها القدرة على التنويع الإنتاجي ومن ثم الاستمرارية».

وشدد على أهمية تحديد الأهداف قبل الانطلاق في أي عمل، مع وضع معايير حقيقية قابلة للتطوير بشكل دائم، وإتاحة المجال أمام التفكير الإبداعي للموظفين بما يسهم في تطوير المنتجات والتناغم مع حاجات السوق المتغيرة باستمرار، مع توقع قدر من المخاطرة.

وأوضح أن هناك أفكارا تدفع بالطاقة في مجالات تعود بالضرر على الإنسان، حيث تخرج من منتجات تلك المجالات جسيمات صغيرة في الحجم ولكن كبيرة الضرر، وتخرج انبعاثات ضوئية وإشعاعية تؤثر بشكل مباشر على المناخ وتسممه، مندهشا ومستفسرا.. لماذا نربط أنفسنا بالوقود التقليدي أو الحجري؟ مشددا على ضرورة الاستفادة القصوى من الشمس وإنتاج محطة اختبار لإنتاج الطاقة الشمسية منها، مع الالتزام بالنموذج الناجح والصحي في نفس الوقت.

وأكد ماير أن التقنية أصبحت مسألة تجارية لمعالجة المياه، الأمر الذي وضعنا أمام تحد جديد وكبير، ملقيا اللوم على بني الإنسان الذي ساعد على خلق مثل هذا الواقع، مبينا في نفس الوقت اتجاه شركته لابتكار فكرة استخدام المواد الصغيرة «النانو»، من خلال البطاريات، بالإضافة إلى وضع وحدة للبحوث والتنمية تساهم في سد حاجيات العملاء ويجدون فيها إجابات لاستفساراتهم وأسئلتهم.

وأضاف أن شركته ركزت على الأفكار المبتكرة بالتعاون مع مصادر أخرى ذات صلة، وذلك بهدف تحويلها إلى واقع، الأمر الذي منحهم قدرا من الثقة التي دفعتهم بدورها إلى مزيد من ابتداع الأفكار والتطوير لما لديهم في هذا المجال.

وقال: «يجب أن نفكر دائما في إعادة تصنيع الأفكار، وإفساح المجال أمام الموظفين للإبداع وابتكار أفكار توائم العصر، مع الاهتمام بنقل الخبرة من جيل إلى آخر حتى نحافظ على استمرارية الشركة». وأضاف ماير أن الريادة يمكن أن تكون في مجالات معروفة لكن بطرق جديدة، ضاربا مثالا على ذلك بستيف جوبز مؤسس شركة «أبل»، الذي استطاع المنافسة والصعود على رغم وجود عملاق التقنية شركة «مايكروسوفت»، وذلك بفضل تفكيره بطريقة مختلفة. وأكد ماير أن السعودية بيئة ملائمة لنمو الأعمال والريادة في مجالات كثيرة، لكن على الشركات فيها الاهتمام بجانب الموهبة والإبداع.

أما عمر كريستيدس مؤسس شركة «عرب نت»، يعتقد أن الإعلام الرقمي أثبت قوته في إدارة دفة التغيير، فهو يتغير ويغير في نفس الوقت، حيث إنه يضخ كما كبيرا من المعلومات وينشرها بسرعة فائقة، مبينا أنه فسح فرصة للشركات بأن تنخرط في عالم الابتكار والابتداع، مؤكدا أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي أكثر القطاعات استفادة من ذلك. ويعتقد أن منتجات الإعلام الجديد والرقمي تحديدا، خاصة الاجتماعية منها، مثل الـ«فيس بوك» والـ«تويتر» والـ«آي باد» وغيرها، لعبت دورا فعالا في صنع الأفكار وتسويقها واختراع الآلية المناسبة لتطبيقها، مبينا أنه يؤمن بالعمل الجماعي أكثر من العمل الفردي، كما يؤمن بإشاعة الحرية لدى العاملين لديه في اختيارهم المواقع التي يريدون قيادتها، لأنها برأيه تأتي بمنتجات أكثر قوة على التطوير والديمومة. وشدد كريستيدس على أهمية تعزيز الجانب الجماعي في التفكير، بما يسهم في إيجاد مجالات عمل جديدة، مستشهدا بما قامت به شركة «آي بي إم» عندما جمعت 100 موظف فيها من 80 بلدا في جلسة «عصف ذهني» للخروج بأفكار إبداعية تسهم في تعزيز مكانة الشركة في السوق.

وأضاف أن محرك البريد الإلكتروني الـ«جي ميل» نتج عما سمته شركة «غوغل» بـ«20% من الوقت» المخصص لمهندسيها أسبوعيا للعمل في مشروعاتهم الخاصة.

ولفت إلى أهمية تركيز المدير التنفيذي في أي شركة على صياغة استراتيجيات ناجحة ووضع منصات للتواصل مع الموظفين واكتشاف قدراتهم، مع المرونة في الهيكل التنظيمي للمؤسسة، مؤكدا أن الشركات الصغيرة والمتوسطة لديها قدرة أكبر على المنافسة بشكل ديناميكي في هذا المجال بحكم عدد موظفيها، في حين أن الشركات الكبيرة تعاني من صعوبة تقديم الأفكار للقيادة العليا. وأكد العميد في كلية إدارة الأعمال في جامعة أكسفورد أندرو وايت، ضرورة توفر الإرادة المهنية لدى مخططي السياسات في الشركات والابتعاد على الخلافات، وإفساح المجال أمام حرية التفكير والإبداع.

وأشار إلى أن 500 شركة حول العالم كانت تعمل في عام 1997 لم يتبق منها الآن سوى 74 شركة، عازيا ذلك إلى أنها استجابت لمتطلبات العصر وفكر القائمون عليها بطرق إبداعية أسهمت في نمو شركاتهم واستمراريتها.

واستشهد على التفكير بطريقة إبداعية بقصة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - عندما أشار على وجهاء مكة المختلفين بأن يضعوا الحجر الأسود على قطعة قماش ويحملوه سويا إلى مكانه.

واعتبر الرئيس والرئيس التنفيذي لشركة «هانوها» الكيميائية كي جوون هونغ أن نمو الشركات الكبرى مرتبط بتشجيع الريادة وإتاحة الإمكانات لتسير في الاتجاه الصحيح، لافتا إلى أن الماس يعد من أغلى الأحجار الكريمة لكن لا بد من توفر إمكانات لصقله ليكون لامعا ويباع بسعر عال.

وأضاف جوون هونغ أن الأفكار المبتكرة تواجه تحديا لأن الشركات ليست معتادة على ذلك وبالتالي تعتمد بعض الشركات على أفكار جاهزة من خلال حاضنات تدرس الجدوى الاقتصادية لتلك الأفكار وتساعد على تخفيف نسبة المخاطر المتوقعة.

وذكر جوون هونغ أن شركته اعتمدت على تشجيع المواهب وبناء علاقات ثقة بين موظفيها وإدارتها كي تزدهر بيئة العمل ويمضي العمل في الطريق الصحيح.

كما أكد على ضرورة العمل دائما على ابتكار أفكار جديدة في عالم متغير باستمرار، مشيرا إلى أن تقنية معالجة المياه على سبيل المثال انتقلت من الطرق التقليدية إلى تقنيات المعالجة بالنانو، وعدد من محطات توليد الكهرباء باتت تعمل بالطاقة الشمسية بدلا من البترول.

أما لفت كريس جيومان من مجموعة «سيركو»، فقد أشار إلى أن الشركات المبتدئة تواجه دائما مخاطرة في بداية عملها، لكنها يجب أن لا تقلق بل أن تسعى إلى التخطيط الجيد والتشارك في الأفكار، وصولا إلى طريقة عمل منتجة، داعيا إياها إلى اتباع سياسة المكافآت والتحفيز، وتوقع حدوث الخطأ والسعي لإيجاد الحلول بعيدا عن البيروقراطية.

قال كريس: «إننا في شركتنا نركز على تحديد الكثير من الأهداف ونعمل على تحقيقها وصولا للنجاح المنشود، مستعينين في ذلك بما لدينا من بحوث وريادة أعمال، واستفدنا من ذلك في بناء شركة كبيرة».

وأوضح أن ريادة الأعمال لا تستقر في شركة بعينها، ولكن يمكن لهذه الشركة الصغيرة أن تنمو بها، بعد خوض تجربة جديدة فيها قدر كبير من المخاطرة والمغامرة، مع ضرورة جعل عنصر الحوافز فيها أحد منشطات العمل فيها لأنها بلا شك تعتبر أحد أهم محققات ريادة الأعمال في داخلها.

وشدد على أهمية الاعتناء بدراسة أحوال الشركة في حالتي النجاح والفشل، ودراسة علاقة ذلك بالمناصب والإدارات، مؤكدا أن هذا المسلك أحد أهم محولات الشركات الصغيرة إلى شركات كبيرة، مشيرا إلى أن ذلك يصنع من داخلها من خلال التطوير الناتج عن الريادة التنافسية التي تنفخ الروح في داخلها وليس خارجها.

ودعا كريس إلى ضرورة توفير البنية التحتية السليمة وتغذيتها بالتطورات الجديدة، وتسليحها بالقيادات الريادية المختلفة في الملكات والهوايات والمواهب، مؤكدا أنه في هذه الحالة يمكن الترحيب بأي خطأ ومن ثم العمل على إصلاحه، مع أهمية دراسة الفشل وعدم اللجوء إلى البيروقراطية، مشيرا إلى أنها سبب المعاناة لدى الكثير من الشركات التي تعمل في ظروف سياسات غير حكيمة.