مايكل بورتر: هناك حاجة ماسة لإعادة تقييم ودمج استراتيجيات عناصر صناعة الريادة التنافسية

دعا السعودية للشروع في تشريعات تستنهض القطاع الخاص لإطلاق مبادرات جديدة وتوقع انخفاض النمو في أميركا

مايكل بورتر يؤكد أن ريادة الأعمال هي تحقيق اقتصاد مستقر ونمو سكاني جيد ورأسمال متصاعد مع فتح الفرص الكافية لإطلاق أسواق وخدمات (تصوير: أحمد فتحي)
TT

شدد مايكل بورتر، بروفسور إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، على أن الريادة في التنافسية تعني طرح الكثير من المبادرات الحية المبتكرة في شتى المجالات التي تتصل بنشاط الإنسان الريادي أو ما حوله، موليا اهتماما خاصا بالمبادرات التي تتعلق بالبيئة ومتغيراتها وما يتعلق بها في قطاع صحة الإنسان وقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص.

وأشار إلى أن الهدف من ريادة الأعمال تحقيق اقتصاد مستقر ونمو سكاني جيد، ورأسمال متصاعد، مع فتح الفرص الكافية لإطلاق أسواق وخدمات، مع الاهتمام بجانب البحوث الخاصة بتقوية الاقتصاد، والاستفادة من الظروف لخلق أفضل بيئة للاستثمار الخارجي أيضا.

وتطرق بورتر، الذي كان يتحدث أمس في أولى جلسات منتدى التنافسية الدولي بالرياض التي جاءت تحت عنوان «ريادة الأعمال.. كيف تفعلها التكتلات؟»، إلى أهمية خلق نوعية من التنافسية الريادية، مقارنا الواقع الحالي في أميركا بالسعودية، مبينا أن الأولى تبنت لسنين مضت نشر ثقافة الريادة في التنافسية في عدد من المجالات، على الرغم مما تعانيه حاليا من نكسة في تنمية واستمرارية الكثير من المجالات التجارية والصناعية والبيئية، تجلت في الركود الذي خيم الآن عليها بعد الأزمة المالية العالمية.

وأوضح أن السعودية ركزت في ريادتها التنافسية على بعض الجوانب الاقتصادية، مبينا أنها بلد ملتزم لحد ما، خاصة في ما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي، من خلال العمل على تعزيز التنافسية من أجل العثور على طريق للتنمية المستدامة، ومن ثم انتقالها إلى بقية الدول الخليجية ودول العالم الأخرى، مشيرا إلى أن ازدهار السعودية أحد الأسباب التي قادته للحضور والمشاركة في هذا المنتدى.

وشدد بورتر على أهمية الدور الكبير الذي تقوم به الريادة التنافسية في إنجاح مسيرة المنشآت الصغيرة التنموية، مشيرا إلى أن ذلك لا يتأتى إلا من خلال تبني الجهات المسؤولة خارطة طريق تفضي إلى خلق بيئة عمل صحية، تسمح لمسار الريادة بالسير قدما لتحقيق الكثير من النجاح، من خلال التنافسية بالشكل الذي يدفع بها نحو الأمام، مشيرا إلى أن لرواد الأعمال في السعودية دورا كبيرا في تنمية شركاتهم، وذلك بسبب نيلهم قدرا كبيرا من التعليم والتثقيف في هذا المجال مع استعانتهم بنظام الـ«آي تي» في تحقيق ذلك.

ولكن عاد فقال إن الأمر لا يقوم فقط على التشريعات وإنما يعتمد بشكل أساسي على رغبة شباب الأعمال في تبني تنفيذها على وجهها الأكمل وروح المغامرة للدخول في مخاطرة تنفيذها، مؤكدا أن التشبع بثقافة الريادة التنافسية هو الأكثر أهمية وتأثيرا من الناحية المالية والانخراط في مجالات الاستثمار فقط، موضحا أن الاقتصاد الجزئي والخدمات الجزئية هي الأفضل لقيادة ريادة تنافسية تحقق أكبر قدر من فرص العمل، مشيرا إلى أن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر منه في الشركات الكبيرة.

وأشار بورتر إلى ما وصفه بهشاشة النمو، خصوصا في العالم المتقدم، بما في ذلك الدول الأوروبية وأميركا والدول الصناعية مثل اليابان والصين، عازيا ذلك لاتباع منهجية العمل على الاقتصاد الكلي، في الوقت الذي لم يتوفر فيه المال الكافي والميزانية التي بإمكانها علاج الخلل الذي تقع فيه للسبب ذاته، متوقعا أن تشهد أميركا العام المقبل نموا أقل من العام الحالي لعدم تمكنها من الدخول في حلبة الاقتصاد الكلي بشكل أكثر فعالية وريادية، معتقدا أن المسألة تتعلق بما حققته في مجال التنافسية أكثر من قوتها المالية.

وشجع الدول العظمى والصغرى على ضرورة الاهتمام بالتنافسية وتعديل مسارها المالي وفق ذلك، مبينا أن هناك خلطا كبيرا يحدث لدى البعض عند تفسيرهم للريادة التنافسية، مشيرا إلى اعتقاد بعضهم أن ذلك يأتي من خلال خفض الرواتب وتوفير مزيد من الفرص الوظيفية، فيما يعتقد آخرون ضرورة زيادة الرواتب مع تقليل عدد فرص التوظيف، مؤكدا أن هذا النهج غير فعال وغير ناجح بل أثبت فشله كليا، حيث إنه أوقع الكثير من المجتمعات في مستنقع الفقر.

وعلى المستوى الرسمي لدى بعض الحكومات، يعتقد بورتر أن بعض الحكومات تعتقد أن توفير الفرص أو تحقيق شيء من الرفاهية والازدهار تمكن صناعته من خلال اتباع منهجية تخفيض أسعار العملة الأجنبية التي تتعامل بها أمام عملتها المحلية، موضحا أن ذلك تصرف غير مسؤول وربما يوقع مجتمع تلك البلاد في الفقر أيضا، مشيرا إلى أن أفضل وسيلة لإمكانية اعتماد تنافسية ريادية قادرة على تحريك المجتمع نحو أفضل الأوضاع هي عكس كل ما سبق ذكره، داعيا إلى أهمية زيادة الرواتب وإشاعة ثقافة التحفيز وصناعة المزيد من الفرص الوظيفية المنتجة مع محاولة الإبقاء على تحريك عملتها نحو موضع القوة وليس محاربة العملة الأجنبية التي تتعامل معها.

ويعتقد أن أهم ما تفرزه الريادة التنافسية هو الثقة والمقدرة على زيادة الإنتاجية، من خلال جمع أكبر قدر من الابتكارات والأفكار الريادية الجديدة ومن ثم تمحيصها ودراسة إمكانية إنزالها على أرض الواقع، بحيث تظهر انعكاساتها إيجابا على مسار التنمية التي هي أساس التنمية، كما يزعم.

وأشار إلى أن بعض الدول التي حققت قدرا من الثقة والريادة التنافسية، اتجهت نحو تعزيز الإنتاجية والدفع بحركة الاقتصاد نحو الأمام، مبينا أنها بدأت من مصادرها البسيطة واستخدمت أيدي مجتمعها بحكمة في إدارتها، كما اهتمت بجانب الأوقاف التي أفادتها في خلق المزيد من فرص العمل، بعيدا عن السياسات المالية والنقدية، الأمر الذي قادها لتحقيق وضع مستقر في مجال التنمية الاجتماعية.

وهنا اعتبر بورتر أن اتباع سياسة حوكمة رشيدة، أحد أهم العناصر الجيدة نحو التنافسية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية التي تشمل شريحة عريضة من المجتمع، موضحا أنه ليس هنا أي مجال للتجزئة، حتى تستطيع أن ترفع من مستوى اقتصادها، داعيا الشركات التي تحاول بلوغ هذه المراحل المتقدمة إلى أن تتبع الأنظمة التي تساعد على بناء بنية تحتية من خلال اختيار بيئة العمل الصحية التي تليق بها وبريادتها.

ولم يخف أن ثمة علاقة بين إشاعة ثقافة التنافسية والسياسة الحكومية تجاه البناء الاقتصادي من حيث التشريعات الإصلاحية الناجعة، بجانب الاهتمام ببذل المزيد من الجهود في عمل أبحاث علمية تطويرية في مجال إدارة الأعمال، مشيرا إلى أن ذلك يحتاج إلى الاتجاه نحو بناء المزيد من الجامعات والكليات الجديدة التي تخدم هذا التوجه، مشيرا إلى أن البنك الدولي دائما يعتقد أن تحسين الوضع، من حيث الريادة التنافسية، يأتي من خلال تحسين التشريعات والقوانين في كثير من المجالات.

ودعا السعودية إلى ضرورة الاستفادة من الكم الكبير الذي يغذي أسواقها وشركاتها من العمالة الأجنبية بجانب العمالة الوطنية، من الاستعانة بها رياديا في صناعة المزيد من فرص العمل، موضحا أن الاقتصاد السعودي، على قوته النسبية، يحتاج إلى تحقيق قدر كبير من تنافسية وريادة الأعمال، وذلك من خلال اتباع سلسلة من الخطوات المساعدة على ذلك، منها الاهتمام بالتعليم في مجال ريادة الأعمال، والاستفادة من الاستشارات الفنية والتقنية لدى الشركات الناشئة، ووضع قانون تجاري ينظم مسألة المحاسبة للفاشلين ويحل في الوقت نفسه مشكلة الديون، وذلك من أجل ديمومة النشاط الريادي، وفق اعتماد نظم رشيدة دون اندفاع، باعتبارها نقطة أساسية لريادة الأعمال بشكل تطبيقي.

واستدرك أنها مع ذلك تواجه تحديا في سبيل تحقيق ذلك بسبب محدودية التنوع في مصادر الطاقة والصناعة، وعدم اتجاهها بشكل أفضل إلى العمل على الريادة التنافسية في مجال البيئة الخضراء، مضيفا إليها التحدي الذي تواجهه في مجال القطاع الخاص بسبب السياسة النقدية التي تتبعها، عازيا ذلك لندرة المؤهلين لخوض هذا المجال وعدم وجود شريحة من المتعلمين والمهتمين بالبيئة، موضحا أن ذلك يرتبط بنوعية العمل والأعمال التي تحاول الانكفاء عليها، مشيرا إلى أنه يمكن للسعودية أن تبدأ من الشركات الصغيرة والمتوسطة وتهيئ لها الظروف الصحية، مع الاهتمام بجانب حماية الملكية الفكرية، واعتماد نظام للحوافز في ظل عدم فرضها ضرائب لهذه النشاطات.