القادة الأوروبيون يتبنون معاهدة جديدة حول الموازنات وينقسمون بشأن اليونان

خلال قمتهم في بروكسل

صورة جماعية لقادة الاتحاد الأوروبي المشاركين في قمة بروكسل (أ.ب)
TT

تبنى القادة الأوروبيون مساء أول من أمس معاهدة جديدة لتعزيز الانضباط المالي ودعوا إلى إنجاز اتفاق لإنقاذ اليونان من الإفلاس خلال الأيام المقبلة، أملا بالبدء في طي صفحة أزمة الديون.

لكن القمة الأوروبية في بروكسل تخللها جدل حول اقتراح ألماني يهدف إلى وضع اليونان تحت إشراف أوروبي مالي مشدد، الأمر الذي رفضته دول عدة بينها فرنسا.

وفي النهاية، وافقت 25 دولة من 27 داخل الاتحاد الأوروبي على معاهدة جديدة للانضباط المالي. وانضمت جمهورية تشيكيا في اللحظة الأخيرة إلى بريطانيا لجهة رفض المعاهدة متحدثة عن مشكلات «دستورية» تنبع خصوصا من خشيتها أن تضطر للدعوة إلى استفتاء.

ووافقت الدول الأخرى على أن تدرج ضمن قوانينها قاعدة ذهبية بالتزام موازنات متوازنة والتعرض لعقوبات شبه فورية في حال تفاقم العجز العام، وذلك بناء على رغبة ألمانيا في مقابل إبداء تضامنها المالي.

وستوقع المعاهدة خلال القمة الأوروبية المقبلة في مارس (آذار) بعد أن تصادق عليها الدول.

والاتفاق على المعاهدة رأى النور نتيجة تسوية بين بولندا من جهة وفرنسا من جهة أخرى حول طبيعة المشاركة في قمم منطقة اليورو.

ورفض الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي اعتبار توقيع 25 دولة من دول الاتحاد الأوروبي وعددها 27 دولة على ميثاق القواعد الجديدة المنظمة للعجز في ميزانيات الدول الأعضاء في منطقة اليورو دليلا على تفاوت سرعات التطور والنمو بين دول الاتحاد.

وكانت كل دول الاتحاد ما عدا جمهورية التشيك وبريطانيا قد وقعت على الميثاق الذي يهدف إلى منع تكرار الأزمة المالية الراهنة في منطقة اليورو من خلال السيطرة على عجز الميزانية لدى الدول الأعضاء.

وقال ساركوزي إن دول منطقة اليورو وعددها 17 دولة من دول الاتحاد الأوروبي ستواصل التعامل مع القضايا الخاصة بالمنطقة وفقا لحساباتها فقط.

وهذه القضية الرمزية ولكن الحساسة سياسيا، شكلت موضع خلاف منذ أسابيع عدة. فوارسو بدعم من دول عدة في شرق أوروبا شددت على وجوب أن تتمكن الدول التي لا تستخدم العملة الموحدة من المشاركة في قمم منطقة اليورو، في حين رفضت باريس أن يصبح هذا الأمر منهجيا. وقد تم التوصل إلى صيغة تسوية في هذا الصدد.

ويأمل عدد من الدول الأوروبية في أن تشجع هذه المعاهدة البنك المركزي الأوروبي على القيام بمزيد من الخطوات مستقبلا لمساعدة منطقة اليورو في مواجهة أزمة الديون.

إلى ذلك، بحث القادة الأوروبيون الوضع في اليونان بعدما اقترحت برلين وضع أثينا تحت إشراف مفوض أوروبي يستطيع تعطيل قرارات الحكومة المتصلة بالموازنة.

لكن فرنسا رفضت هذه الفكرة جذريا، واعتبر الرئيس نيكولا ساركوزي أن هذا الأمر «لن يكون منطقيا ولا ديمقراطيا ولا فاعلا».

ورد رئيس الوزراء اليوناني السابق جورج باباندريو على الاقتراح الألماني «إما أن نتقدم على طريق الديمقراطية حيث كل بلد مسؤول عن سياسته، وإما أن نقوض الديمقراطية في أوروبا برمتها».

وقد حاولت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تهدئة الخواطر، معتبرة أن قضية تشديد الرقابة على قرارات الحكومة اليونانية «تطرح» لأن الإصلاحات الموعودة لم تنفذ بكاملها.

وأضافت أن «النقاش ينبغي أن يركز على كيفية قيام أوروبا بالمساعدة لتنفيذ المهمات التي طلبت في اليونان».

لكن الرهان يظل كبيرا، إذ يتعلق بتنفيذ الخطة الثانية لإنقاذ هذا البلد بقيمة 130 مليار يورو والتي كان وعد بها الأوروبيون في أكتوبر (تشرين الأول) الفائت. وتبدو هذه المساعدة حيوية بالنسبة إلى اليونان التي عليها أن تسدد 14,5 مليار يورو من القروض في 20 مارس.

وفي موازاة ذلك، على أثينا أن تنهي مفاوضاتها مع دائنيها من القطاع الخاص لتقليص دينها بمعدل مائة مليار يورو، الأمر الذي لا بد منه لتلقي المساعدة الأوروبية. وفي هذا الشأن، تحدث ساركوزي عن تقدم «في الاتجاه السليم»، داعيا البنك المركزي الأوروبي إلى أن يوافق بدوره على تقليص الديون المستحقة له.

ودعا الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى اتفاق شامل قبل نهاية الأسبوع يشمل المصارف وبرنامج القروض الجديد.

وفي السياق نفسه، بحث رؤساء الدول والحكومات الأوروبية أيضا في وسائل إنعاش النمو والوظائف عبر تحسين استخدام الصناديق الأوروبية، على أن توفد المفوضية الأوروبية بعثات في هذا الصدد إلى الدول الثماني الأكثر تضررا.

وأقر قادة الاتحاد الأوروبي خطة لتحسين الاستفادة من أموال الاتحاد لكي تستهدف بصورة أفضل سياسات توفير الوظائف جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة دون رصد أي موارد مالية إضافية لتحقيق هذين الهدفين.

وقال بيان صادر عن القمة الأوروبية من سبع صفحات «يجب أن يدعم الاتحاد الأوروبي أي جهود تبذل على المستوى الوطني (في كل دولة من دول الاتحاد) في حدود الممكن بما في ذلك تحسين توجيه أموال الاتحاد الأوروبي لتعزيز النمو والتوظيف في إطار السقف (المالي) المحدد».

وقالت المفوضية الأوروبية قبل بدء اجتماعات القمة إن نحو 82 مليار يورو (108 مليارات دولار) متاحة لدول الاتحاد.

وقال القادة الأوروبيون في بيانهم أيضا إن سياسات العمل كانت «قضية رئيسية للدول الأعضاء» وقد تم حث هذه الدول على تبني خطط وطنية لإنعاش سوق العمل على أن يتم مراجعة الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا المجال خلال القمة الأوروبية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل.

من جهة أخرى - قال دبلوماسيون أوروبيون الاثنين إن قادة الاتحاد الأوروبي قرروا الموافقة على إطلاق صندوق الإنقاذ المالي الدائم لمنطقة اليورو قبل الموعد المقرر سلفا.

يذكر أن الموعد الأصلي لإطلاق الصندوق الذي تصل طاقته الإقراضية إلى 500 مليار يورو (656 مليار دولار) هو يوليو (تموز) من العام المقبل ولكن القادة قرروا تقديم موعد إطلاقه إلى يوليو المقبل لمواجهة تداعيات الأزمة المالية التي ضربت منطقة العملة الأوروبية الموحدة منذ أكثر من عامين.

وحتى الآن فإنه من المقرر أن يعمل الصندوق الدائم جنبا إلى جنب مع الصندوق المؤقت القائم حاليا الذي يصل رأسماله إلى 250 مليار يورو ولكن لن تزيد قروض الصندوقين معا عن 500 مليار يورو.

ويدعو بعض المسؤولين الأوروبيين إلى ضرورة رفع سقف الإقراض في الصندوق الدائم ليصل إلى 750 مليار يورو بهدف تعزيز ثقة أسواق المال في منطقة اليورو.