الرئيس التنفيذي لـ«إعمار مدينة الملك عبد الله الاقتصادية»: افتتاح أول مصنع ومدرسة وفندق هذا العام

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه تعلم أهمية ثبات الرؤية لنجاح المشروعات الضخمة

فهد الرشيد
TT

تشهد مدينة الملك عبد الله الاقتصادية تطورات مهمة هذا العام، مع توقع افتتاح أوائل مصانع الشركات الدولية الضخمة.

ومع افتتاح المصانع، يأتي الموظفون ويسكنون مع عائلاتهم في المدينة التي من المتوقع أن تفتتح أول مدرسة فيها هذا العام. وشرح الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة «إعمار مدينة الملك عبد الله الاقتصادية» فهد الرشيد أهمية تناغم الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتنميتها، لإنجاح تجربة المدينة الاقتصادية.

وقال الرشيد في مقابلة مع «الشرق الأوسط» خلال مشاركته في منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس هذا الأسبوع إن تقديم فرص العمل والدعم للشباب يساعد في النهاية على نمو المنطقة. وأضاف أن النمو الاقتصادي يعتمد على النمو الاجتماعي وتوفير البيئة التنظيمية السليمة. ولفت إلى نجاح السعودية في تجربة المدن الاقتصادية، معتبرا أن الأزمة الاقتصادية لا تشكل عائقا لعمل المملكة. وفي ما يلي نص الحوار:

* ما الخطة التطويرية لمدينة الملك عبد الله الاقتصادية وما الأجزاء التي اكتملت منها حتى الآن؟

- الخطة التطويرية بسيطة؛ وهي توفير البنى التحتية التي من خلالها نستقطب الشركات التي توفر الوظائف والتي نحولها بالتالي إلى سكان. وفي الفترة الأولية وهي المرحلة الأولى من 2007 إلى 2010 ركزنا على إنهاء البنى التحتية مثل الطرق والكهرباء والمياه وغيرها وتجهيز البنى التحتية لاستقطاب الشركات. وبالفعل استطعنا استقطاب أكثر من 25 شركة، وهي بين سعودية ودولية، لتستثمر في المشروع، ونحو ثلثها بدأ في تنفيذ مشاريعها والباقية ستبدأ هذا العام. وستكون هناك مشاريع صناعية داخل مدينة الملك عبد الله من قبل شركات مثل «سنوفي - افينتيس» و«توتال» وغيرها. وشركات عربية ومحلية مثل «الراجحي» و«أرامكس». وهذه الشركات عندما تبدأ تنفيذ مشاريع وتبدأ بالفعل العمل ستخلق وظائف، وسنحولها إلى سكان في بيئة سكنية مناسبة، منها المدارس والمرافق الصحية والسكن لجميع فئات الدخل وبالطبع المحال التجارية والفنادق.

* متى تتوقعون أن تصبح المدينة عامرة بالسكان والموظفين وأن تصبح عاملة بشكل متكامل؟

- هذا العام سنفتتح أول مدرسة وأول مرفق صحي وأول فندق.

* وهل ستكون المدرسة تابعة للمنهج السعودي أم مدرسة دولية؟

- المدرسة سيكون فيها المنهج دوليا، ولكن مع التركيز على اللغة العربية والديانة الإسلامية. وبالإضافة إلى ذلك، ستفتح مصانع عدة هذا العام مما سيزيد من النشاط والحياة اليومية في المدينة. ولا ننسى أن في المنطقة مشاريع عدة؛ مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، مما يمكن الاستفادة منها.

* من حيث جذب الاستثمار، هناك اهتمام سعودي بالمدينة، ولكن أيضا هناك سعي إلى جذب الاستثمار الأجنبي، ولكن تزامن المشروع مع أزمة اقتصادية عالمية.. إلى أي درجة أثرت عليكم الأزمة الاقتصادية وقد تؤثر على المرحلة المقبلة خاصة مع ما نراه من مشكلات في أوروبا؟

- السؤال جيد، والجواب عليه سهل.. المملكة استطاعت خلال السنوات الثلاثة الماضية على الرغم من الأزمة المالية العالمية والأزمة الأوروبية، استقطاب الشركات إليها. السبب بسيط؛ أولا هناك اقتصاد قوي وجيل شاب يمثل سوقا مهمة. كما أن الشركات الكبرى لديها سيولة، ولكن ليست لديها أماكن يمكن الاستثمار فيها. الأسواق الأميركية والأوروبية تعتبر شبه متشبعة، فيجدون أن الصين أو الخليج يمثلان الأسواق الجديدة. ولكن يجب إيجاد البيئة التنظيمية الجاذبة للاستثمار وإيجاد البنية التحتية، وهذا ما توفره مدينة الملك عبد الله الاقتصادية. وعلى سبيل المثال، بالنسبة لشركة «فيزر» هذا أول استثمار لهم في الشرق الأوسط، وأول مصنع جديد لهم منذ أكثر من 10 سنوات في أي مكان في العالم.

* ولكن ما التحديات أمامكم.. ومن ماذا تتخوف خلال المرحلة المقبلة؟

- الحقيقة أن التحديات هي التحديات التي تواجه مشروعا مثل هذا.. هناك تحد في القيام بأعمال بنى تحتية عادة تقوم بها الدولة. وذلك استغرق وقتا، ولذلك الميناء، وهو عصب المشروع، طالت فترة إقامته، وهو مشروع كبير لم يقم أحد بإقامة مثله من الصفر. وإيجاد الحلول من حيث التمويل والبيئة التنظيمية لم يتم حتى العامين الماضيين. الأمر الآخر هو النقص في البيئة التنظيمية سابقا، فلم يكن هناك تنظيم للمدن الاقتصادية إلا قبل سنة ونصف، وهو يؤسس بيئة تنظيمية لما نقوم به في المدن الاقتصادية.

* ما الأولويات لمعالجة أي قضايا تعوق تلك المسيرة؟

- العمل على الميناء الآن يسير بشكل جيد، وانتهينا من نحو 35 في المائة منه، ونتوقع تشغيله عام 2013. أما المنطقة الصناعية، فالشركات بدأت بتنفيذ مصانعها وبدأت باستقطاب العاملين لشغل الوظائف. عندنا هذا العام أيضا افتتاح المرافق الاجتماعية، بينما قطار الحرمين الذي يوصل المدينة الاقتصادية بمكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة تحت التنفيذ. فحقا، كانت لدينا مشكلات في السابق.. ولكن الآن حلت نحو 90 في المائة من المعضلات، والآن حان وقت التنفيذ.

* لقد تم تعيينكم في هذا المنصب منذ 4 أعوام.. كيف ترون عملكم في هذا المجال، وما تطلعاتكم وأنتم تتولون هذه المسؤولية؟

- الحقيقة أن هذا المشروع مشروع تنموي واقتصادي بحت، ويجب أن يتأثر بالمملكة العربية السعودية، واليوم السؤال هو: ما يهم المملكة؟ يهمها الوظائف، ونحن نركز على هذه القضية ولقد قطعنا شوطا فيها.

* كم فرصة عمل تتوقعون خلقها في المدينة الاقتصادية؟

- المدينة بعد تنفيذها سيصل عدد الوظائف فيها إلى مليون، ولكن حتى اليوم وبناء على العقود التي وقعناها، هناك 12 ألف وظيفة. الأمر الثاني، هو إيجاد السكن لمواطني المملكة، ونحن نوفر ذلك من خلال توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة كي يستطيع المواطن شراءها وبناءها، وهو أمر استطعنا النجاح فيه، وقدمنا حوافز تحفز الناس، بالإضافة إلى تقديم الوحدات السكنية لذوي الدخل المتوسط والمحدود. وأخيرا، الأمر الثالث، هناك دعم حكومي مهم للمشروع، وهناك بيئة تنظيمية تعادل أية بيئة تنظيمية في أي مكان آخر. ومن خلال توفير الغاز والطاقة وقطار الحرمين، قدمت الحكومة الدعم، وهي كلها مشاريع استراتيجية. ولي شخصيا، هذه ليست وظيفة فقط؛ بل أيضا عمل وطني، وهو أمر يهمني كثيرا.

* هل ستكون فرص العمل للسعوديين فقط أم تجذب الأجانب أيضا؟

- مدينة الملك عبد الله ستنطبع بطوابع اقتصاد المملكة السعودية ومماثلة لاقتصادها، ولكن سنركز على تدريب السعوديين للاستفادة من الوظائف. فخلال هذه السنة، ندرب ألف سعودي ونعطي أسماء المتخرجين في هذا التدريب للشركات كي تستقطبهم. والتدريب في المملكة، والكادر السعودي موجود، ولكن أحيانا لا يعرف كي يسوق نفسه في الشكل الصحيح، ولذلك نركز على إدارة المواهب والخبرات، مما يساعدهم في الحصول على الوظائف.

* مدينة الملك عبد الله الاقتصادية مهمة من الجانب الاقتصادي، ولكن أيضا هناك جزء مهم للمشروع في ما يتعلق بصورة المملكة ومكانتها في الاقتصاد العالمي.. وأنتم تشاركون في منتدى دافوس، كيف رأيتم معرفة الشركات والدول بمشاريعكم؟

- الحقيقة أنه في دافوس وغيرها من محافل عالمية، نجد أن تجربة المملكة العربية السعودية في تجربة المدن الاقتصادية تجربة رائدة، وعندما يرى المستثمرون المشكلات في الولايات المتحدة وأوروبا، ويسمعون أننا نعمل على بناء مدينة كاملة، يقولون إن الأمر أشبه بالخيال من حيث الرؤية الثاقبة والكبيرة. فلا توجد تساؤلات من الخارج عما نقوم به، وإلا لم تختار هذه الشركات العالمية المملكة لمشاريعها؟ ومع افتتاح المصانع وافتتاح الميناء ستصبح المدينة الاقتصادية هو ما تتوق إليه القيادة في المملكة والشعب أيضا.

* وفي ما يخص النقاش الدائر في دافوس، خاصة في ما يخص عدم الاستقرار في العالم العربي والمخاوف من تأثيره على الاقتصاد.. إلى أي درجة تخشون من تأثير عدم الاستقرار في المحيط العام العربي على خططكم؟

- أتصور أن كل ما صار في المنطقة العربية، على مدى السنوات المقبلة سينتج عنه نمو لجميع الدول العربية.. الشباب يبحث عن فرص عمل وسكن وغير ذلك، والدول التي تقدم ذلك اليوم لن تواجه مشكلة، والدول التي تقدم الخدمات في المرحلة المقبلة أيضا لن تشهد مشكلات. الاستقرار آت، ولكن يجب أن نركز خلال المرحلة المقبلة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي لا أتصور اليوم، في الشد والجذب التي رأيناه في الثورات، أنه يتم التركيز عليها بما فيه الكفاية. ما يحدث في المملكة اليوم برنامج كامل لتطوير القضاء والتعليم الابتدائي والمتوسط واستثمار كامل في التعليم العالي.. مثلا جامعة الملك عبد الله للعلوم والتنقية شيء مبهر، وجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن أيضا مشروع جبار. هناك استثمارات في المملكة العربية السعودية تؤدي إلى تنمية الاجتماعية، وهي ليست حديثة، وليست منذ العام الماضي فقط؛ بل منذ أكثر من 10 سنوات من خلال تطوير البيئة الاستثمارية.

* إلى أي درجة زاد اختياركم ضمن القيادات العالمية الشابة من قبل منتدى الاقتصاد العالمي في تجربتكم وعلاقاتكم؟

- أهم جزء منها التواصل مع القيادات الشابة في جميع أنحاء العالم، والتعلم منهم ومعرفة ما أفضل النماذج في الشركات الأخرى وغيرها، بالإضافة إلى استقطاب الاستثمارات والشراكات في المرحلة المقبلة.

* ما الدرس الأهم الذي تعلمته خلال 4 سنوات في منصب الرئيس التنفيذي؟

- تعلمت «أن لا أستسلم»، ففي مثل هذه المشاريع الضخمة، إذا استمع المرء إلى كل من يتوقع فشلها، لن يحقق شيئا. كانت هناك تساؤلات كثيرة خلال السنوات الأربع الماضية عن نجاح المشروع، ولكن الحمد لله تخطينا هذه المرحلة، وإذا لم تكن هناك إرادة وعزم وثبات في الرؤية، فمن الصعب تنفيذ مشروع مثل هذا في المملكة أو أي مكان في العالم.