كيف تساهم بتصفحك «فيس بوك» في رفع قيمة الشركة إلى ما قد يصل إلى 100 مليار دولار؟

تطرح أسهمها للاكتتاب العام متسلحة ببيانات جيش من 800 مليون مستخدم

TT

تأمل «فيس بوك» شبكة التواصل الاجتماعي الأوسع انتشارا في العالم عبر طرح أسهمها للاكتتاب العام، في رفع القيمة السوقية للشركة إلى ما بين 75 و100 مليار دولار، مستغلة الوقود الذي يغذي محرك التجارة الإلكترونية، والمتمثل في البيانات الشخصية.

وقد عملت الشركة بجد على مدار سبع سنوات لجمع تلك البيانات، لتجمع معلومات يشاركها مستخدموها الذين تتجاوز أعدادهم 800 مليون مستخدم عن أنفسهم ورغباتهم. وستتحدد قيمة «فيس بوك» من خلال قدرته على استغلال هذه السلعة لجذب المعلنين، ومدى براعة الشركة في التعامل مع مخاوف الخصوصية التي أثارها مستخدموها والمشرعون الحكوميون في العالم أجمع.

طرح أسهم شركة تدير شبكة اجتماعية للاكتتاب العام، يأتي دليلا لا يقبل الشك على يقين المستثمرين بإمكانية جني الكثير من المال من الشبكة الاجتماعية. فقد تركت هيمنة «فيس بوك» على هذا المجال «غوغل»، ملك الشبكة منذ حقبة سابقة (أقل من عقد مضى) يحث الخطى للحاق بها.

وتأتي قيمة «فيس بوك» من كونه أكثر من مجرد عدد مستخدميه، فإلي جانب كونها أضخم شبكات التواصل الاجتماعي في العالم، تعتبر أضخم آلة لمعالجة البيانات التي تلتقط وتعالج كل نقرة وتفاعل على منصتها.

ففي كل مرة يشارك فيها شخص رابطا أو يستمع إلى أغنية أو ينقر على أحد أزرار «فيس بوك»، «لايك» المنتشرة في كل مكان أو يغير وضع علاقة إلى «مخطوبة»، تضاف بيانات إلى مكتبة «فيس بوك» الواسعة. وهو بمثابة رسالة إلى المعلنين الذين يأملون في الاستفادة من تلك المعلومات لتوجيه إعلاناتهم إلى المشاهد المناسب.

وللحيلولة دون وقوع حدث غير متوقع، تخطط عملاق الإنترنت لطرح اكتتاب أولي بهدف جمع 5 مليارات دولار، بحسب أشخاص مطلعين على هذا الأمر، وهو ما يقل عن بعض التقديرات السابقة للاكتتاب. لكنها ستكون في الأساس نقطة انطلاق تستخدمها الشركات لإثارة اهتمام المستثمرين المحتملين. ويتوقع أن يكون الاكتتاب النهائي هو الأضخم بالنسبة لشركة إنترنت، أكبر من «غوغل» في عام 2004 أو «نت سكيب» قبل ذلك بنحو عقد. ويتوقع أن يبدأ تداول الأسهم أواخر مايو (أيار) المقبل، بحسب الأفراد المطلعين على الشأن.

وخلال الأشهر الأخيرة، تنافست مصارف «وول ستريت» بشراسة من أجل الحصول على حصص أكبر في اكتتاب «فيس بوك».. انقلاب قد يجلب الملايين في صورة رسوم وحقوق المفاخرة القيمة. وقد استعانت الشركة بشركات «مورغان ستانلي» لإدارة عملية الاكتتاب، في الوقت الذي سيشارك فيه مصرفا «جيه بي مورغان» و«غولدمان ساكس» في قيادة الصفقة، بحسب الأفراد المطلعين على الصفقة، الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم بسبب سرية المناقشات.

وسوف يجبر الاكتتاب مارك زوكربيرغ، مؤسس «فيس بوك» ورئيسه التنفيذي، البالغ من العمر 27 عاما، على القيام بما كان يرغب في تجنبه حتى الآن، من نشر المعلومات بشأن شركته.

نشأ «فيس بوك» في غرفة نوم زوكربيرغ في هارفارد ونما من مجرد موقع ملتو لطلاب الجامعة إلى منصة شعبية متميزة تستخدم لبيع السيارات والأفلام، والفوز بتأييد الناخبين في الانتخابات الرئاسية وتنظيم الحركات الاحتجاجية. وقفز من مجرد 50 مليون مستخدم في عام 2007 إلى 800 مليون في عام 2011، بحسب إحصاءات الشركة. ويقدم «فيس بوك» للمعلنين منصة عالمية، حيث يوجد ثلاثة أرباع مستخدميه خارج الولايات المتحدة، لكن الاستثناء الأبرز هو الصين التي لا تشغل خدمة «فيس بوك».

ويرى لورانس إتش سومرز، وزير الخزانة الأميركي السابق، الذي عمل مرشدا لـ«شيريل ساندبيرغ»، مدير تشغيل «فيس بوك» ويعرف زوكربيرغ، أن اكتتاب «فيس بوك» «نقطة تحول أميركية، فالكثير من الشركات تقدم منتجات تسمح للأفراد بالقيام بأشياء قاموا بها من قبل بصورة أفضل. فغالبية الشركات المهمة مثل (فورد) في ذروة مجدها، أو شركة (آي بي إم) هي الشركات التي فتحت قدرات جديدة كاملة وتسمح باتصالات جديدة كاملة. و(فيس بوك) واحدة من هذه الشركات».

يشغل «فيس بوك» بمهارة الكثير والكثير من المستخدمين على موقعه لساعات كل يوم، ويمكن لمستخدميه الاستماع إلى الموسيقى وقراءة الأخبار ولعب الألعاب الافتراضية وقراءة الأبراج أو تحميل الصور العائلية، دون ترك فضاء «فيس بوك». وهم يكشفون للشركة ليس فقط عن أسمائهم (تمنع «فيس بوك» الأسماء المستعارة) ومدنهم، بل أصدقائهم وأفراد عائلاتهم ومواهبهم وكل شيء من الموسيقى الشعبية إلى السياسة.

ويقدم «فيس بوك» للمعلنين سلة عملاقة من المعلومات حتى يتمكنوا بدقة من تحديد الجمهور المستهدف، فالسيدة التي تقطن في بوسطن والتي تنشر أنها مخطوبة قد تتلقى إعلانا لمصور زفاف على صفحتها على «فيس بوك»، فيما تتلقى الفتاة الموشكة على الزواج إعلانات بساري الزواج. وبالمثل، فإن كل ضغطة على زر «لايك» على «فيس بوك» تشير إلى خيارات المستهلك والأشكال التي يعرض بها الإعلان. وتسمح خدمة «فيس بوك كونكت سيرفس» للمستخدمين بالدخول إلى ملايين المواقع مستخدمين أسماء المستخدم وكلمة المرور الخاصة بـ«فيس بوك»، ويمكنها إرسال تقارير مرة أخرى بشأن نشاطهم على تلك المواقع، وتجميع قدر أكبر من المعلومات الدفينة على «فيس بوك».

ونظرا لقدرة هذه الشركة (شبكة عملاقة من الاتصالات الرقمية) على أن تصبح شركة عالمية عملاقة في أقل من عقد، كان ذلك شهادة بالنمو الضخم للشبكة الاجتماعية، في الوقت الذي خيب فيه نظراء «فيس بوك»، «غوغل» و«أمازون»، آمال المستثمرين في الربع الأخير من العام الماضي؛ إذ لم يصل نمو المبيعات إلى مستوى التوقعات.

وتقول ليز بوير، المدير التنفيذية السابقة في «غوغل»، التي ساعدت الشركة في الاكتتاب العام الأولى عام 2004: «قبل خمس عشرة سنة كانت شركة (إيه أو إل) شركة الإنترنت الأوسع انتشارا، وقبل خمس سنوات كانت (غوغل)، والآن يعد (فيس بوك) هو الإنترنت. وسيثبت الاكتتاب العام لـ(فيس بوك) أن هناك كمّا ضخما من المال الذي يمكن جنيه في فضاء وسائل الإعلام الاجتماعية».

وتحاول شركة «فيس بوك»، بقيادة زوكربيرغ الحفاظ على الروح نفسها التي اتسمت بها عند انطلاقتها، على الرغم من مكانتها بين نخبة شركات «وادي السليكون». وفي ميلانو بارك بولاية كاليفورنيا، حيث مقرها الجديد، غطى الموظفون الجدران بفن الغرافيتي. وتشبه الأنابيب المكشوفة وخطوط الأنابيب في السقف والأسفل، والأرضيات الرمادية المكشوطة، مضمار سباق معدلا بخطوط بيضاء.

وبحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» تأتي العقبة الأكبر لـ«فيس بوك» من الخصوصية. وقد أعدت الشركة المستخدمين مرارا وتكرارا بشأن الخصوصية، كما في حالة الجدال عام 2007 بشأن «بيكون» (أداة نشرت بشكل آلي على «فيس بوك» ما فعله مستخدمو «فيس بوك» أو اشتروه على المواقع الأخرى). كما واجهت الشركة أيضا دعاوى قضائية بشأن استخدام أعضائها توقيعات «لايك» في الإعلانان وواجهت انتقادات بشأن خاصية التعرف على الوجه. وقد أعلنت الشركة توصلها إلى اتفاق تسوية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع مفوضية التجارة الفيدرالية، التي اتهمت الشركة بخداع عملائها بشأن إعدادات الخصوصية. ويتوقع أن يزداد الضغط من المنظمين، حيث يواجه «فيس بوك» الآن تشريعات قوانين متوقعة بشأن إعدادات الخصوصية في أوروبا، إلى جانب تشريع الخصوصية الذي يتحرك ببطء في واشنطن.

وتكشف أخطاء الشركة في هذا المجال عن توتر جوهري في الطريقة المعقدة لعمل المواقع الداعمة للإعلانات. فوقت المستهلك والمعلومات هي الثمن الذي يدفعونه مقابل مجانية خدمات الشبكة. ويسمح «فيس بوك» لمستخدميه بالتواصل مع أصدقاء من أماكن بعيدة والعائلة على سبيل المثال في مقابل تلك المعلومات. وتسمح «غوغل» لأي شخص بالبحث عن أي شيء، طالما أن الشركة قادرة على تقديم هذه الإعلانات بناء على عمليات البحث هذه.

وتدور معركة، في الوقت الراهن، بين هذين النموذجين لجني المال من الإعلانات على الإنترنت. وكان محرك البحث «غوغل» قد وصف الإنترنت بأنه أداة لاستكشاف التضامن، حيث يطلب «فيس بوك» من مستخدميه مشاركة ما يرغبون مع أصدقائهم على «فيس بوك». وسيعتبر اكتتاب «فيس بوك» اختبارا لما يمكن أن يكون عليه نموذج إنترنت اجتماعي. وبحسب شركة أبحاث السوق، «كوم سكور»، فقد تحول «فيس بوك» إلى أضخم منصة لنشر الإعلانات على شبكة الإنترنت، حيث يحظى «فيس بوك» بثمانية وعشرين في المائة من الإعلانات التي تنشر على شبكة الإنترنت، يليه «ياهو» الذي يحصل على أقل من نصف نصيب «فيس بوك».

وعلى الرغم من كون الإعلان مصدر الدخل الرئيسي، فإن «فيس بوك» سعت إلى البحث عن موارد جديدة بالتحول إلى سوق لبيع وشراء البضائع والخدمات سواء أكانت مزرعة حيوانات افتراضية أو تذاكر لحفل موسيقي حقيقي.

ويتوقع محللون أن يكون «فيس بوك» قائد مثل هذه التحولات، باستخدام القوة المقنعة لـ«فيس بوك»، «أصدقاء»، حيث يعمد مسؤولو الشركة إلى استخدام كلمة «مسالم»، للإشارة إلى أن ما تشاهده أو تقرؤه أو تستمع إليه أو تشتريه على «فيس بوك» أو المواقع الشريكة لها، يمكن عرضه بصورة تلقائية على الأصدقاء الذين تختارهم.

ويرى كريس كوكس، نائب رئيس منتجات الشركة في مقابلة معه مؤخرا، أن كنز المعلومات كان نعمة ونقمة في الوقت ذاته بالنسبة للشركة، وقال: «تحدي عصر المعلومات هو ما تفعله بها».