التحديات الاقتصادية في مصر تتصاعد مع تدهور الأوضاع الأمنية

البورصة تتراجع وعائدات أذون الخزانة ترتفع.. وتخوف من أزمة سيولة

TT

تتصاعد التحديات الاقتصادية أمام الحكومة المصرية المحملة بأعباء المرحلة الانتقالية، التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك قبل عام، ولم يمهل تدهور الوضع الأمني في البلاد عقب سقوط أكثر من 70 قتيلا في مباراة لكرة القدم الأربعاء الماضي، الآمال التي لاحت أمام حكومة الدكتور كمال الجنزوري، مع عودة الهدوء وظهور مؤشرات لتحسن الأداء الاقتصادي، وحماس مستثمرين أجانب للقدوم وضخ أموالهم في مشاريع جديدة في البلاد التي تسعى إلى تقليص معدلات البطالة ورفع معدلات النمو من خلال تشجيع الاستثمار.

وقال مسؤول حكومي لـ«الشرق الأوسط»: «بنهاية العام الماضي، أبدى مستثمرون أجانب رغبتهم بالاستثمار في مصر، فهناك تيسيرات كثيرة لفتح الباب لهم، وهناك بالفعل شركة كويتية اتفقت على إقامة مشروع في البلاد باستثمارات تقدر بنحو مليار دولار، والإعلان عن هذا المشروع سيكون خلال الأسبوع الحالي»، لكنه يرى أن «التوترات السياسية والأمنية في البلاد، قد تثير مخاوف جديدة لدى رجال الأعمال».

وذكرت تقارير صحافية أن شركة «سابك» السعودية تجري محادثات مع الهيئة العامة للاستثمار المصرية لبناء مصنع للبتروكيماويات في مصر، والمفاوضات الآن على مكان إقامة المشروع.

إلا أن تصاعد التوترات في البلاد قد يكون له تأثير كبير على رؤية المستثمرين لمدى استقرار البلاد، ولذلك تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بقوة، حتى وصلت بنهاية العام المالي الماضي (2010 - 2011) الذي اندلعت في نصفه الأخير الثورة المصرية إلى 2.2 مليار دولار.

وارتفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من 509.4 مليون دولار في العام المالي 2000 - 2001 ليصل إلى 13.2 مليار دولار خلال العام المالي 2007 – 2008، ثم 8.1 مليار دولار خلال العام المالي 2009 – 2008، ثم 6.8 مليار دولار خلال العام المالي 2009 - 2010، وحقق 1.6 مليار دولار خلال الربع الأول من العام 2010 - 2011 (قبل الثورة بثلاثة أشهر).

ويرى خبراء أن بداية تأثير الاضطرابات في البلاد يظهر أثرها على الأموال الساخنة، خاصة في البورصة المصرية، التي ظهرت تأثيرها بنهاية جلسات الأسبوع الماضي وخسرت خلالها نحو 6.5 مليار جنيه، واتجه الأجانب إلى البيع بكثافة في السوق وبلغت صافي مبيعاتهم نحو 26 مليون جنيه، بعد استحواذهم على 15 في المائة من إجمالي قيم التداولات «فلا يستطيع أحد فصل التأثير النفسي للمتعاملين عن الأحداث والانفلات الأمني بالبلد»، كما يقول محسن عادل، رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، متوقعا أن تستوعب السوق مثل هذه الأحداث رغم قوتها على المديين المتوسط والطويل، موضحا أن تأثيرها سيكون قصير الأجل وغير ممتد.

ورغم التوقعات باستمرار تذبذب سوق المال خلال الفترة المقبلة، فإن قطاع السياحة الذي يعد من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد، كان الأكثر تضررا، والأكثر استجابة للاضطرابات، ففي الوقت الذي يأمل فيه المسؤولون لوصول معدلات السياحة إلى سابق عهدها في عام 2010 التي حققت وقتها إيرادات تقدر بنحو 12 مليار دولار، تأتي المؤشرات على أن بوادر أزمة جديدة قد تصيب القطاع الذي تراجعت عائداته العام الماضي بنحو 30 في المائة. وقد تراجعت حركة الركاب الوافدين إلى مصر طبقا لبيانات مطار القاهرة الدولي بنسبة تتراوح ما بين 40 في المائة إلى 60 في المائة، ولكن مسؤولين يرون أن تلك الفترة ليست مؤشرا على تأثر قطاع السياحة خاصة أن شهر فبراير (شباط) الحالي يشهد تراجعا في معدلات السياحة على المستوى العالمي، وتقوم شركات الطيران خلال هذا الشهر بتخفيض أسعارها لجذب العملاء.

ويشير مصطفى زكي، خبير الاقتصاد الدولي، إلى وجود تحديا آخر أمام الاقتصاد المصري جراء الاضطرابات، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يضعون في تلك الحالة المشابهة لمصر شروطا مجحفة، ويأخذون ضمانات كبير، خاصة في ظل تلك الأوضاع المتوترة».

وتسعى مصر إلى اقتراض نحو 3.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وقال مسؤول مطلع الأسبوع الماضي، إن التفاوض مستمر وهناك اتفاق على تخفيض سعر الفائدة على القرض من 1.5 في المائة إلى 1.1 في المائة.

وأضاف زكي أن البنوك المصرية لديها أزمة سيولة، وتسعى لجذب أموال موجودة في الأسواق، فهناك بعض البنوك تضع فائدة إيداع كبيرة على الحسابات الجارية تصل إلى 9.5 في المائة، وهذا لم يحدث من قبل ويعكس أزمة السيولة التي تمر بها تلك البنوك.

وأكد زكي أن هناك اتجاها من قبل بعض الأفراد الذين لديهم ودائع في البنوك بسحب جزء منها تحسبا لأي أزمة يمر بها هذا القطاع.

وتعتمد الحكومة المصرية على البنوك المصرية في شراء أذون الخزانة مما أخل بقدرتها على إقراض القطاعات الإنتاجية في البلاد.

وارتفع العائد على أذون الخزانة المصرية خلال مزاد أقامته وزارة المالية يوم الخميس الماضي، حيث وصل العائد على سندات الخزانة لأجل عام إلى 15.99 في المائة، بينما وصل العائد على أذون الخزانة لأجل 182 يوما إلى 14.96 في المائة.

واشتكى رئيس مجلس الوزراء المصري في مؤتمرات صحافية متتالية، وأمام برلمان بلاده من عدم وفاء الدول الصديقة العربية والغربية بوعودها في تقديم دعم مالي إلى بلاده.