احتمال تعرض مصر لضغوط اقتصادية مع تصاعد الخلاف مع أميركا

خبراء قالوا إن الأزمة قد تؤثر على محادثات القاهرة مع مؤسسات التمويل

TT

قد تواجه الحكومة المصرية مزيدا من الضغوط على اقتصادها، خاصة بعد تصاعد خلافها مع الولايات المتحدة الأميركية بعد إعلان مسؤول قضائي الأحد الماضي أن 44 شخصا من بينهم 19 أميركيا وأجانب آخرون سوف يحاكمون في قضية التمويل غير المشروع لجمعيات أهلية ناشطة في مصر.

ويرى مراقبون أن تصاعد حدة الخلاف بين البلدين قد تعيق جهود مصر في الحصول على قروض من مؤسسات دولية خاصة البنك الدولي وصندوق النقد.

وحذر أول من أمس 3 أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، مصر من الملاحقات القضائية ضد مسؤولين في جمعيات أجنبية، بينهم 19 أميركيا، محذرين من أن خطر قطيعة «كارثية» بين البلدين نادرا ما كان كبيرا كما هو حاليا. وجاء في بيان لأعضاء مجلس الشيوخ الثلاث: الجمهوريان جون ماكين، وكيلي أيوت، والمستقل جو ليبرمان، أن «الأزمة الحالية مع الحكومة المصرية وصلت إلى مستوى أصبح يهدد معه صداقتنا منذ زمن طويل».

وحذر سيناتور آخر هو ليندسي غراهام من أن المساعدة العسكرية التي تقدر بـ 1.3 مليار دولار التي يدفعها الأميركيون سنويا للمصريين «ستكون في خطر»، وأشار ماكين وأيوت وليبرمان في بيانهم إلى أن «دعم الكونغرس لمصر - خصوصا استمرار المساعدة المالية - هو في خطر».

وأضاف البيان «في حال لم يتم التوصل سريعا إلى حل، فنتخوف من أن تتأثر الشراكة الأميركية - المصرية بشكل خطير»، موضحا أن «قطع العلاقات سيكون كارثيا وأن مثل هذا الخطر نادرا ما كان كبيرا» بين البلدين.

وتسعى مصر إلى الحصول على مساعدات من مؤسسات دولية تقدر بنحو 4.9 مليار دولار، وذلك لمواجهة أزمة السيولة التي تمر بها والتي أثر تباطؤ العديد من القطاعات الاقتصادية عليها، وأدى إلى مواصلة نزيف الاحتياطي النقدي المصري من العملات الأجنبية بصورة مستمرة ليفقد ما يقرب من 20 مليار دولار منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) وحتى نهاية الشهر الماضي، ويصل إلى 16.4 مليار دولار بنهاية شهر يناير من 36 مليار في ديسمبر (كانون الأول) عام 2010.

ووفقا للبنك المركزي المصري فقد الاحتياطي النقدي في شهر يناير الماضي نحو 1.7 مليار دولار، ليسجل 16.4 مليار دولار، من رصيد بلغ 18.1 مليار دولار في نهاية ديسمبر عام 2011 مواصلا رحلة التراجع خلال العام الماضي.

ويقترب هذا مع تكهنات المجلس العسكري (الحاكم بمصر) في وقت سابق من العام الماضي، حيث أعلن وقتها أحد مسؤوليه انحدار الاحتياطيات الأجنبية لمصر إلى 15 مليار دولار، بنهاية شهر يناير 2012، وأن عجز الميزانية سيرتفع بدرجة أكبر، الأمر الذي قد يستلزم مراجعة دعم البنزين ومواد أخرى، مضيفا أن «10 مليارات دولار فقط من الاحتياطيات ستكون متاحة، نظرا لوجود مستحقات قائمة قدرها 5 مليارات دولار، تتعلق بمدفوعات إلى مستثمرين أجانب والتزامات مالية أخرى».

ويرى خبراء اقتصاديون في مصر، أن السياسة التي تتبعها الحكومة المصرية مع ملف التمويل الخارجي غير صحيحة، كما أن توقيت إثارة المشاكل مع أكبر دولة عظمى في العالم سيئ، خاصة في هذا الوقت الذي تحتاج فيه مصر إلى أكبر دعم من دول العالم الخارجي.

وقالت بسنت فهمي، الخبيرة الاقتصادية، إن سطوة الولايات المتحدة الأميركية على المؤسسات الدولية كبيرة، فهي أكبر مساهم في صندوق النقد والبنك الدوليين وهما المؤسستان الرئيسيتان اللتان تبحث القاهرة الحصول على قروض منهما خلال الفترة الحالية.. ومع توتر العلاقات بين البلدين فإن ذلك سيؤثر دون شك على تلك المحادثات، كما أنه سيؤثر على تقديم الدول العربية مساعدات مالية لنا.

وذكرت مؤسسة «موديز» في تقرير لها، أنه في حالة نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي فإن هذا سيحفز السعودية والإمارات العربية وقطر لتقديم المساعدات التي وعدوا بها مصر والبالغة سبعة مليارات دولار.

وأضافت فهمي أنه لا يوجد مصري يسعى إلى تجاوز أو تخطي السيادة المصرية، ولكن تعامل الحكومة مع ملف المنظمات الأجنبية كان حادا بشكل غير مبرر.

وتابعت: «لدينا مصالح كبرى مع الولايات المتحدة الأميركية، فنصف صادراتنا تقريبا تذهب إلى هناك، وأغلب السائحين الوافدين إلى مصر من هذا البلد، هذا إلى جانب الاتفاقيات التجارية معها، وبالتالي فتعاملنا مع أي تجاوزات مع أميركا يحتاج إلى هدوء وتأنٍّ في التعامل معها حتى إثبات تلك التجاوزات».

وترى فهمي أن تأثير توتر العلاقات مع الولايات المتحدة قد لا يكون سريعا، ولكن في المقابل سيكون تدريجيا وقويا.

وقال الدكتور إيهاب الدسوقي إن حملة التصعيد الإعلامي على المنظمات الأجنبية تعتبر سلبية، مؤكدا أن هذا سيؤثر على قدرة مصر على التعامل مع العالم الخارجي في حالة ازدياد الأمور سوءا.

وأضاف الدسوقي أن «تصاعد التوتر هذا لن يؤثر فقط في قدرة البلاد على الحصول على تمويلات خارجية»؛ ولكنه أيضا سيؤثر على مؤشرات الثقة في الاقتصاد المصري، وبالتالي سينعكس ذلك على الاستثمارات في البلاد، مؤكدا أن «آثار تصعيد الخلاف مع الولايات المتحدة الأميركية خطير للغاية».