تونس تراهن على أوروبا في عودة عجلة الاقتصاد.. وعينها على الشرق

148 مؤسسة جديدة دخلت السوق التونسية منذ «الربيع العربي»

المنتجعات السياحية لاتزال فارغة من السياح رغم عودة الاستقرار السياسي لتونس
TT

تسابق الحكومة التونسية الزمن لمعالجة تركة ثقيلة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن سياسات الاختلال بين الجهات، والتي مارستها السلطات السابقة. وفي هذا الإطار تأتي زيارتي رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي، إلى بروكسل، وزيارة وزير الخارجية رفيق عبد السلام إلى ألمانيا، بينما يقوم الرئيس التونسي منصف المرزوقي بجولة في منطقة المغرب الكبير، وتتواصل الاتصالات بدول الخليج على المستوى الاستثماري، ولا سيما المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر. وقد أعرب الاتحاد الأوروبي عن التزامه بدعم المسار الديمقراطي في تونس، وأبدى استعدادا لذلك من خلال تقديم دعم مالي بقيمة 400 مليون يورو في شكل دفعات تستمر حتى نهاية 2013، وذلك لفائدة الإصلاحات الجارية لمؤسسات الأمن والقضاء والإعلام. ويشمل الدعم المالي تفعيل برنامج العدالة الانتقالية، والتي عنونتها الحكومة المنتخبة «المساءلة والإنصاف والمسامحة» أي التحقيق في التجاوزات والجرائم، وإنصاف الضحايا، وتجاوز آلام الماضي بالمصالحة الوطنية الشاملة.

كما كان من نتائج زيارة رئيس الوزراء التونسي إلى بروكسل الاتفاق على إنشاء مجلس أعمال تونسي - أوروبي مشترك واستئناف المفاوضات حول تحرير تبادل المواد الزراعية بين الجانبين. ووفقا للجبالي فإن الجانبين اتفقا على «فتح مفاوضات من أجل إبرام اتفاق تبادل حر وشامل بين تونس والاتحاد الأوروبي ودمج الاقتصاد التونسي تدريجيا في السوق الداخلية الأوروبية من أجل إقامة منطقة اقتصادية مشتركة. وإعطاء أولوية لاسترجاع الأموال التونسية المنهوبة والمهربة والمجمدة في عدد من الدول الأوروبية. وكان الجبالي قد حث الأطراف الأوروبية على تفهم الأوضاع الاقتصادية لتونس وتقديم الدعم العاجل لها من أجل تجاوز الصعوبات التي تمر بها، وخاصة معطلة البطالة حيث يقدر عدد العاطلين بـ800 ألف عاطل عن العمل ثلثهم من حملة الشهادات العليا، لا سيما أن تونس قد وقعت اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 1996 وتعمل الحكومة الجديدة على تفعيلها وتطويرها».

وكانت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد التي زارت تونس مؤخرا قد أكدت على استعداد الصندوق لدعم تونس، وأن الصندوق أصبح يعطي أولوية لاستقرار الأوضاع الاجتماعية في الدول الأعضاء ويولي اهتماما بالتوازنات المالية فيها. وأشارت إلى أنها عرضت على الحكومة التونسية الجديدة تقديم دعم مالي لتجاوز الأوضاع الاقتصادية الصعبة في تونس. لكنها أكدت على أن الحكومة التونسية لم تطلب حتى الآن قروضا من الصندوق الدولي، وأن مشاورات بهذا الخصوص لا تزال جارية بين الطرفين.

وفيما يشبه النداء طالبت لاغارد الجهات النقابية والسياسية والمجتمع المدني والشعب التونسي أو ما أطلقت عليه الجهات الفاعلة بالهدوء من أجل استرجاع ثقة المستثمرين المحليين والأجانب وتطوير النشاط الاقتصادي وإحداث فرص عمل. وشددت على أن الصندوق لا يملي على الدول سياساتها الاقتصادية. ووفقا لتصريحات وزراء في الحكومة التونسية، ومحافظ البنك المركزي التونسي مصطفى النابلي سيتم تحديد احتياجات تونس من القروض الخارجية نهاية الشهر الحالي، أي بعد وضع الخطة الاقتصادية التي لم يسمح تاريخ الانتخابات الماضية الذي تم وضعه بشكل كيدي، في رسمها وفق تصورات من تم انتخابهم، ولذلك تم اعتماد ميزانية الحكومة الانتقالية السابقة لسنة 2012 بما فيها من زيادات غير مدروسة في الأجور، وتوظيفات، والتي يجرى تحويرها حاليا.

ونظرة سريعة على أوضاع الاقتصادية في تونس تكشف مقدار التردي الاقتصادي الناتج عن حالة الفساد السابق واللااستقرار الراهن، حيث استقرت نسبة التضخم وفق نتائج العام الماضي، في حدود 3.5 في المائة، بينما تفاقم العجز التجاري ليبلغ 5.7 في المائة مليار دولار وتعدت نسبة تغطية الصادرات للواردات نسبة 74.5 في المائة (نحو 75 في المائة). وعزت وزارة التجارة التونسية العجز التجاري إلى تراجع صادرات المواد الأولوية التي شملت أساسا الفوسفات بنسبة 48.1 في المائة، حيث أدت الاعتصامات إلى خسائر حددت بـ2500 مليون دينار تونسي. وقطاع الطاقة بنسبة 20.2 في المائة بسبب الاعتصامات غير القانونية. إلى جانب ارتفاع أسعار استيراد المواد الغذائية بـ42.8 في المائة. وأكدت أن التهريب والتصدير العشوائي، لا سيما إلى ليبيا، هما السببان الرئيسيان في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بالأسواق المحلية وتدهور القدرة الشرائية للمواطن التونسي. وأوضحت أن الدولة ستخصص اعتمادات ضخمة لدعم المواد الاستهلاكية ينتظر أن تتعدى هذا العام مليار دولار.

وعلى الصعيد العربي تنتظر الكثير من الجهات الاستثمارية الخليجية الفرصة لاستكمال مشاريعها في تونس، أو المبادرة بفتح مشاريع جديدة يتوقع أن تبدأ هذا الربيع أو بداية الصيف المقبل. ومنها توقيع مذكرات تفاهم مع دولة قطر حول مجموعة من المشاريع الاستثمارية في مجال السياحة وتكرير البترول ومد شبكة الغاز وحماية البيئة وغيرها من المجالات. وكان حجم الاستثمارات الخارجية قد سجل تراجعا العام الماضي، وفق مدير وكالة الاستثمار الخارجي التونسية نور الدين زكي، بنسبة 29.2 في المائة ليبلغ مليارا و711 مليون دينار تونسي، مقابل مليارين و417 مليون دينار تونسي سنة 2010. لكن المسؤول التونسي أشار إلى دخول 148 مؤسسة جديدة المجال الاستثماري في تونس، وقامت 150 مؤسسة أجنبية بتوسيع نشاطها في تونس، وفرت جميعا 10839 موطن عمل. وكشف عن سعي الحكومة التونسية تتطلع إلى استقطاب استثمارات جديدة في هذا العام بقيمة 2400 مليون دينار. وتعتبر فرنسا أهم مستثمر أجنبي في تونس ب1259 مؤسسة، ثم إيطاليا 745 مؤسسة، ثم ألمانيا 266 مؤسسة، ثم بلجيكا 208 في حين لا تتجاوز المشاريع العربية مجتمعة في تونس الـ220 مشروعا والدول الآسيوية 23 مشروعا.