توجيه اللكمات الموجعة للمصارف بات «لعبة السياسيين» المفضلة في فرنسا

كل من المرشح فرانسوا هولاند والرئيس ساركوزي حمل البنوك مسؤولية الأزمة المالية

جانب من منطقة لو دفينس وسط باريس، حيث توجد معظم البنوك الفرنسية الكبرى
TT

لا تحظى أهم المصارف الفرنسية وهي «بي إن بي باريبا» و«سوسيتيه جنرال» و«كريدي أغريكول» بقبول السياسيين الفرنسيين الذين بدأوا حملاتهم السياسية لخوض الانتخابات الرئاسية. وشهدت أسهم تلك المصارف خلال العام الحالي التراجع الأكبر منذ عام 2008، وحملها عدد من مرشحي الرئاسة في الانتخابات، المزمع إجراؤها في 22 أبريل (نيسان) و6 مايو (أيار)، جزءا من المسؤولية عن الأزمة المالية. وتعهد كل من المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند والرئيس نيكولا ساركوزي بكبح جماح المصارف من خلال فرض الضرائب والضوابط في محاولة كسب مشاعر الناخبين المعادية للمصارف. جاء ذلك في تقرير مطول كتبه الصحافي فابيو بنديتي فالنتيني لوكالة «بلومبيرغ» الأميركية.

وقال نيكولا فيرون، العضو في معهد بروغيل للدراسات، وهو مركز بحثي في علم الاقتصاد مقره بروكسل: «هناك رغبة في رؤية القطاع المالي باعتباره صندوقا أسود أجنبيا من الصعب السيطرة عليه، مما يجعل المصارف أسطورة للقضايا المالية وذات بعد عاطفي قوي بالنسبة للناخبين الفرنسيين».

وقال تقرير «بلومبيرغ»: «بغض النظر عمن يفوز، سيكون على المصارف الفرنسية توقع مواجهة ضرائب على المعاملات المالية ومن ضمنها الأسهم التي ترتفع قيمها السوقية ارتفاعا جنونيا وفرض المزيد من القيود على خيارات الأسهم ورواتب المديرين وأرباح الأسهم». وفي محاكاة للهجوم الموجه ضد المؤسسات المالية في حركة «احتلوا وول ستريت»، يتنافس المرشحون الفرنسيون على إظهار من الأكثر حسما مع المصارف. وقال فرانسوا، ذو الحظ الأوفر في الانتخابات الرئاسية: «القطاع المالي هو عدوي»، ووصفه بأنه «عدو بلا اسم أو وجه». كذلك أوضح أنه في حال انتخابه، سيجبر المصارف على الفصل بين التعاملات مع العملاء وبين الاستثمارات القائمة على المضاربات، وتعهد بفرض ضرائب على كل التعاملات وزيادة الضرائب على الأرباح بنسبة 15 في المائة وحظر منح الرؤساء التنفيذيين مكافآت على هيئة خيارات الأسهم.

وكتب ديديه لو مينسترال، رئيس شركة «فاينانسير دو ليتشيكيير»، ومقرها في باريس، في بيان للعملاء بتاريخ 3 فبراير (شباط): «إذا كان القطاع المالي دون وجه، فإدانة تجاوزاته تزداد وضوحا يوما تلو الآخر». وفي نهاية عام 2011، كانت شركة «فاينانسير دو ليتشيكيير» تدير 4.2 مليار يورو (5.6 مليار دولار) لـ4500 عميل. وتراجع سهم مصرف «بي إن بي باريبا» بمقدار 1.14 يورو أو 3.1 في المائة ليصل إلى 35.41 يورو، يوم أول من أمس، الخميس، بينما تراجع سهم «سوسيتيه جنرال» بنسبة 4.1 في المائة، في الوقت الذي تراجع فيه سهم «كريدي أغريكول» بنسبة 3.6 في المائة. وعلى مدى الـ12 شهرا الماضية إثر القلق إزاء ما تمتلكه المصارف من سندات سيادية أوروبية والضوابط الجديدة واحتمال فرض ضرائب سلبا على أسهم المصارف، مما أدى إلى تراجع سعر سهم «بي إن بي باريبا» بنسبة 37 في المائة، وسهم مصرف «سوسيتيه جنرال» بنسبة 49 في المائة، و«كريدي أغريكول» بنسبة 54 في المائة.

من جانبه، يعتزم ساركوزي الذي لم يعلن بعد عن ترشحه، فرض ضرائب نسبتها 0.1 في المائة على المعاملات المالية بداية من أغسطس (آب). وسيتم تطبيق الضريبة الجديدة على الأسهم؛ ومنها تداولات الأسهم التي ترتفع ارتفاعا جنونيا، وعقود مقايضة عجز السداد الائتماني.

وقال الرئيس ساركوزي في التاسع والعشرين من يناير (كانون الثاني): «لا يوجد أي سبب لمساهمة القطاع المالي الذي لا تحكمه ضوابط، في عملية استعادة حساباتنا». وتورطت المصارف الفرنسية في أزمة الديون الأوروبية بسبب شرائها سندات بقيمة 620 مليار يورو من القطاع العام والخاص في البلدان المتعثرة ماليا التي تعاني من اضطرابات اقتصادية، وهي اليونان وآيرلندا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا بحسب إحصاءات مصرف التسويات الدولية في نهاية سبتمبر (أيلول).

ويتراجع كل من «بي إن بي باريبا» و«سوسيتيه جنرال» و«كريدي أغريكول» حيث تقلصت أصولها بنحو 300 مليار يورو وانخفض عدد الوظائف بها إلى 5600 التزاما بالقواعد الدولية الخاصة برأس المال في ظل خسائر السندات اليونانية. وخسرت المصارف الـ3، فضلا عن «إيه بي سي إي»، رابع أكبر مصرف من حيث الإقراض، 5.4 مليار يورو في تعاملاتها على سندات الخزينة اليونانية منذ نهاية سبتمبر. ويدير كل من «سوسيتيه جنرال» و«كريدي أغريكول» شبكة مصرفية لا تدر أرباحا قائمة على التعامل مع العملاء مباشرة في أثينا.

لقد غرقت المصارف الفرنسية حتى أذنيها في الديون، التي بلغت 1.69 تريليون يورو وتمثل 85 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وخفضت وكالة «ستاندارد آند بورز» الشهر الماضي التصنيف الائتماني لفرنسا وجردتها من تصنيفها الممتاز للمرة الأولى. ودافع ساركوزي عن تلك المصارف، التي كانت لها فرصة التقاط أنفاسها بعد أن زودها البنك المركزي الأوروبي بقروض أجلها 3 سنوات بمعدل فائدة 1 في المائة، في محاولة لمساعدة الحكومات من خلال استخدام بعض الأموال في شراء السندات الحكومية لدول منطقة اليورو. وتساءل لو مينسترال: «لماذا تستمر المصارف الأوروبية الكبرى في منح قروض بأسعار فائدة منخفضة لدول لا تنفك تحملهم المسؤولية؟».

وضاعفت السوق الأميركية القروض قصيرة الأجل الممنوحة للمصارف الفرنسية منذ يناير، التي تنتهي بعد 6 أشهر، وخفضت المصارف خلال تلك الفترة ما تمنحه من قروض. وازدادت ممتلكات المصارف الفرنسية من شهادات الودائع والودائع الوقتية والأوراق التجارية واتفاقات إعادة الشراء من 3.2 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) إلى 8.6 مليار دولار في 31 يناير، بحسب تقارير عن أكبر 8 صناديق أميركية نشرت في الرسالة الإخبارية لـ«بلومبيرغ ريسك»، يوم أول من أمس، الخميس.

وربما تشهد أكبر 4 مصارف في فرنسا انخفاض أرباحها في عام 2013 بنسبة تقدر بنحو 10 في المائة كتأثير محتمل للبرنامج الاقتصادي لهولاند، مرشح الحزب الاشتراكي، بحسب تقديرات أجراها جون بيير لامبرت، محلل في لندن بشركة «كيف بروييت آند وودز» المحدودة. وربما تمنى مصارف «بي إن بي باريبا» و«سوسيتيه جنرال» و«كريدي أغريكول» و«ناتيكسيس»، إحدى وحدات «بي بي سي إيه»، بخسارة حجمها 1.7 مليار يورو في صافي الدخل بسبب مقترحاته، من بينها خسارة قيمتها نحو 700 مليون يورو من ضريبة المعاملات، حسب ما تشير تقديرات شركة «كيف بروييت آند وودز». ورفضت آن سوفي جنتيل، المتحدثة باسم «كريدي أغريكول»، التعليق، على استفسارات «بلومبيرغ» مثلما فعلت ناتالي بوستشات، المتحدثة باسم «سوسيتيه جنرال»، وجوليا بويس، المتحدثة باسم «بي إن بي باريبا». وقد يحقق مصرفا «بي إن بي باريبا» و«سوسيتيه جنرال» هذا العام عائد تداول إجمالي قيمته 13.1 مليار يورو، بحسب تقديرات أجريت يوم 6 يناير من قبل «جي بي مورغان كازينوف».

وتمثل المعاملات ذات التردد العالي، التي تستخدم فيها أجهزة كومبيوتر سريعة وبرامج من تصميم رياضيين، نسبة 38 في المائة من عمليات التداول الأوروبية وأكثر من نصف معاملات الأسهم الأميركية، وفقا لتقديرات من مجموعة «تي إيه بي بي غروب» البحثية الكائنة في ويست بورو بولاية ماساتشوستس. ولا تحلل المصارف الفرنسية تفاصيل المعاملات ذات التردد العالي. وقد جذبت مثل هذه المعاملات انتباه المنظمين بعد انخفاض مؤشر «ستاندارد آند بورز 500» بنسبة 6.2 في المائة خلال أقل من 20 دقيقة في 6 مايو 2010.

وعلى عكس عمليات تداول الأسهم العادية، التي ستمثل فيها ضريبة ساركوزي جزءا من رسوم الوسطاء، قد يؤدي فرض ضريبة نسبتها 0.1 في المائة على عمليات التداول ذات التردد العالي إلى جعلها غير جذابة، حسب ما أشار كريستوف نيجدام، محلل بشركة «ألفا فاليو» في باريس. وتستثني ضريبة ساركوزي المزمع تطبيقها عمليات تداول السندات وعمليات تداول المنتجات الهيكلية الأكثر تعقيدا التي تجريها المصارف، وهي العمليات التي تحقق معظم عائدات تداول المصارف الفرنسية.

وسيكون لضريبة المعاملات «تأثير غير مادي» على أرباح المصارف الفرنسية، كما أنها من المحتمل أن تكبد كل مصرف من أكبر 4 مصارف مدرجة في فرنسا أقل من 150 مليون يورو، بحسب تقدير ماثيو تشيبليفيكز، المحلل بشركة «كولينز ستيوارت هوكبوينت» المساهمة المحدودة في لندن. وقال: «مع ذلك، قد يكون التأثير السلبي على شعور المستثمر أكبر بكثير».

لقد عارضت المصارف الفرنسية التطبيق أحادي الجانب لهذه الضريبة في فرنسا، قائلة إنها ستؤثر على القدرة التنافسية لباريس. ويشيرون أيضا إلى أن الأزمة الحالية نابعة من تجاوزات الحكومة، لا من تجاوزات المصارف.

وقال فريدريك أوديا، الرئيس التنفيذي لمصرف «سوسيتيه جنرال»، ورئيس مجلس إدارة الاتحاد المصرفي الفرنسي، هذا الشهر: «إلقاء اللوم على المصارف بشأن الأزمة المالية الحالية له حدود»، وأضاف: «الأزمة تنصب حول الدين العام».

وهبط صافي دخل مصرف «بي إن بي باريبا» في الربع الرابع بنسبة 67 في المائة تقريبا، بينما انخفضت أرباح مصرف «سوسيتيه جنرال» في الفترة نفسها بنسبة ربما تبلغ 53 في المائة، بحسب تقديرات محللين جمعتها «بلومبيرغ نيوز». وحذر مصرف «كريدي أغريكول» يوم 15 ديسمبر من أنه سيسجل خسارة سنوية لعام 2011، وهي أول خسارة يتكبدها منذ طرحه للاكتتاب العام في عام 2001، وسيتخلص المصرف من حصص أرباحه مع تكبده خسائر على الاستثمارات في الربع الرابع تقدر قيمتها بنحو 2.5 مليار يورو.

وفي ظل المشكلات التي تواجهها المصارف، سوف يعود التأثير الأسوأ على العملاء، على حد قول ريبيكا هيلي، المحللة رفيعة المستوى في مجموعة «تي إيه بي بي غروب» في لندن. وقالت هيلي: «لقد بات توجيه الضربات الموجعة للمصارف لعبة الساسة المفضلة، غير أن رجل الشارع هو من سيتكبد تكلفة أي ضريبة مالية جديدة». وأضافت: «سوف تحول المصارف التكاليف إلى العملاء».