علاقات مصارف لبنان مع نظيراتها السورية تتحطم تحت العقوبات على دمشق

مصرفيو لبنان يتخوفون على سمعتهم الدولية

جانب من البنك المركزي اللبناني في بيروت الذي طبق بصرامة قرارات الحظر الدولي ضد سوريا (رويترز)
TT

قال مصرفيون واقتصاديون إن البنوك اللبنانية التي أمضت سنوات في تعزيز أنشطتها في سوريا المجاورة تطبق في هدوء عقوبات فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على دمشق لتفادي الإضرار بأنشطتها الدولية. جاء ذلك في تقرير لوكالة «رويترز».

ويأتي ذلك رغم العلاقات المالية الوثيقة بين البلدين والتي عززها افتتاح سبعة أفرع لبنوك لبنانية في سوريا عقب إطلاق الرئيس بشار الأسد خطى تحرير الاقتصاد مع توليه مقاليد الحكم قبل 12 عاما.

ويصر المصرفيون اللبنانيون على أنهم ملتزمون قانونا بتطبيق العقوبات الغربية التي تحظر التعامل مع عشرات المسؤولين والشركات السورية ردا على حملة القمع التي يشنها الأسد ضد محتجين مطالبين بالديمقراطية. وعارض لبنان فرض الجامعة العربية عقوبات على دمشق.

لكن من الناحية الفعلية كان الضغط الدولي من الشدة بحيث لم يسع البنوك اللبنانية تجاهله. وتخاطر تلك البنوك بالإضرار بعلاقاتها بالبنوك الغربية في حالة استمرار تعاملاتها مع من تستهدفهم العقوبات في سوريا، وفيما يبدو أرغمت على اختيار أن تضحي بصلاتها بسوريا في الوقت الحالي على الأقل.

وقال رياض سلامة محافظ مصرف لبنان المركزي في مؤتمر مصرفي في بيروت الشهر الماضي إن أي فرد أو مؤسسة على قوائم العقوبات الأميركية وعقوبات الاتحاد الأوروبي لا يستطيع التعامل مع البنوك اللبنانية. وقال إن البنوك اللبنانية لن تباشر أي عمل في لبنان أو في أي من فروعها في الخارج ولا سيما في سوريا قد يسبب حرجا للبنوك المناظرة في الخارج أو يضعها في موقف المخالف للوائح في هذه الدول. وقال مصرفي بارز في بيروت رفض نشر اسمه لحساسية المسألة «من المؤكد أن البنوك هنا تلتزم بتلك العقوبات. مهما كان من له حسابات هنا على قائمة العقوبات أثق بأنها ستغلق».

وعادة ما يحتفظ سوريون كثر بجزء من أموالهم في لبنان. وقادت الاضطرابات التي شهدتها سوريا منذ مارس (آذار) لتقارير صحافية - نفتها البنوك في بيروت - عن تدفق مليارات الدولارات عبر الحدود إلى لبنان.

ويحرص القطاع المالي في لبنان على تفادي أي اتهامات جديدة غير مرغوبة بعدما هزته بالفعل اتهامات أميركية في العام الماضي لأحد البنوك اللبنانية بالتورط في شبكة غسل أموال نيابة عن حزب الله اللبناني. وقال مصرفي آخر في لبنان إن أي سوري يرغب في فتح حساب أو إيداع أموال في لبنان يعامل بريبة.

والقطاع المصرفي اللبناني، الذي يضم بنك لبنان والمهجر «بلوم» وعودة وبيبلوس، جزء حيوي من اقتصاد البلاد الذي يقوده قطاع الخدمات. وتخضع معظم الفروع السورية للبنوك اللبنانية، وتصل الملكية السورية فيها إلى نسبة 51 في المائة للتشريعات السورية وشهدت تراجعا حادا في قاعدة الأصول والودائع منذ بداية الانتفاضة في مارس الماضي. وأبدى دبلوماسي غربي اعتقاده بأن البنوك اللبنانية «تمحو أصول النظام السوري» من دفاترها وربما تتمادى أكثر مما تتطلبه العقوبات الحالية لأنها تشعر بأن المستقبل ربما يشهد حظرا دوليا أوسع نطاقا. وأدرج الاتحاد الأوروبي أسماء أكثر من 50 سوريا على قائمة عقوباته إلى جانب مؤسسات من بينها أكبر بنك تجاري في البلاد وهو المصرف التجاري السوري التابع للدولة، و«سيريتل» شركة الهاتف الجوال الرئيسية في البلاد، و«شام القابضة» أكبر شركة خاصة في سوريا، وقناة «الدنيا» التلفزيونية.

وقال المصرفي الأول من بيروت إن جمعية المصارف في لبنان اجتمعت أكثر من مرة للتأكيد على أهمية الالتزام بالعقوبات، لكنه أضاف أن أحدا لا يضمن التزام البنوك بشكل كامل. وقال: «هل لدينا معلومات عن كل حساب.. لا لكننا نضغط على جميع البنوك لنتأكد من التزامها. لا يمكنني السيطرة على البنوك الصغيرة كثيرا ولكن البنوك الكبيرة تدرك حاجتها للالتزام بالعقوبات». وأضيرت السمعة الدولية للقطاع المصرفي في شهر فبراير (شباط) من العام الماضي حين وصفت وزارة الخزانة الأميركية البنك الكندي اللبناني بأنه «مبعث قلق رئيسي في غسل الأموال» وزعمت تورطه في غسل الأموال وتجارة المخدرات. ورد المصرف المركزي بأن البنك يلتزم بالمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال لكنه أعلن دمج البنك مع فرع بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي في لبنان في غضون شهر من الواقعة.

ومع تشديد العقوبات الغربية على دمشق، أكد مسؤول بارز بوزارة الخزانة الأميركية زار بيروت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على «الحاجة لحماية القطاع المالي اللبناني من المحاولات السورية للتحايل على العقوبات». وقال دبلوماسيون اطلعوا على نتائج الزيارة في ذلك الحين إن واشنطن لم تخص أي بنك بوصفه مبعث قلق محدد وإن ذكروا أن من المستبعد أن يتيقن أي بنك من أن مودعيه ليسوا واجهة لأفراد أو مؤسسات تشملها العقوبات. وأفادوا أن جزءا كبيرا من الأموال التي خرجت من سوريا إلى لبنان منذ مارس الماضي ربما حولت لدول أخرى.

وقال مصرفي بارز: «زيادة الودائع في لبنان ليست كبيرة مقارنة بحجم سحب الودائع السورية»، مضيفا أن الأموال السورية ربما انتهى بها المطاف في روسيا أو دبي. وبحسب بيانات مصرف لبنان المركزي، فإن ودائع القطاع الخاص غير المقيم في البنوك التجارية في لبنان ارتفعت إلى 21.3 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي من 18.3 مليار في مارس وتصل الزيادة التي تبلغ ثلاثة مليارات دولار لنحو مثلي زيادة قدرها 1.6 مليار في الأشهر التسعة السابقة. ويقدر أن احتياطيات العملات الأجنبية في سوريا انخفضت بضعة مليارات من الدولارات على الأقل منذ مارس مع نزوح الأموال من البلاد.