كيف تورط شركات التكنولوجيا زبائنها في حب منتجاتها؟

تسعى للتأقلم مع التنافسية والتغيرات السريعة التي تعرفها السوق

TT

تعودنا أن تكون التكنولوجيا بسيطة. لقد كنت تستمع إلى الموسيقى في الأيام الخوالي على جهاز الـ«آي بود» وأنت تمارس التمرينات الرياضية. وفي أوقات الراحة في مكتبك ربما تستخدم محرك البحث «غوغل» على نظام التشغيل «ويندوز» للبحث عن آخر أخبار المشاهير. وربما تستطيع نشر مشاركاتك على موقع «فيس بوك»، ومشاهدة أسطوانة «دي في دي» من «نتفليكس» أو الاستغراق في اكتشاف متصفح جديد وصل ذلك اليوم من «أمازون». هذا المشهد، حيث لكل شركة ولكل جهاز مهمة منفصلة، ينتمي إلى عام 2011. حيث لم تعد كبرى الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا راضية عن تعزيز جزء من حياتك فقط، بل ترغب في محو كل الحدود والقيام بما تفعله الشركات التكنولوجية الكبرى الأخرى في كل لحظة. هدف هذه الاستراتيجية الجديدة هو إنتاج جهاز وبيعه لمستهلكين، ثم بيع المحتوى الذي يعالجه لهم، وربما الإعلانات أيضا. وأشارت الأنباء الأسبوع الماضي إلى استعداد شركة «غوغل» لتقديم أول جهاز ترفيه يحمل علامتها التجارية وهو عبارة عن نظام يتيح الاستماع إلى الموسيقى في المنزل. قد يبدو هذا مجالا بعيدا عن مجال عمل الشركة في البحث والإعلانات، لكنه يتوافق مع هدف الصناعة الذي يتمثل في رغبة كل شركة تكنولوجية في بيع كل الأشياء لكل العملاء طوال اليوم.

يقول مايكل غارتنبيرغ، المحلل في «غارتنر»: «لم يعد الأمر يتعلق بالأسماء التجارية أو الأجهزة أو البرامج، بل بالنظام البيئي. الهدف هو ربط العملاء بهذا النظام المتكامل قدر الإمكان بحيث يصبحون مرتبطين بالمحتوى في نظام واحد». لذا دخل موقع الـ«فيس بوك»، الذي يزوره نصف مستخدميه عن طريق الهاتف الجوال، عالم الهواتف ويقال: إنه سيسير بخطى أكثر ثباتا في هذا الاتجاه.

وتحقق شركة «أبل»، التي كانت يوما ما تعمل في إنتاج أجهزة الكومبيوتر فقط، أكثر أرباحها من إنتاج الهواتف الجوالة وتتطلع لإنتاج أجهزة تلفزيون تشغل المحتوى من خلال «آي تيونز».

وابتكرت شركة «أمازون» الجهاز اللوحي «كيندل فاير» وهناك احتمال كبير أن تنتج هاتف «كيندل فون» وهو ما بات أقرب إلى التصديق منذ أسبوعين عندما انضم مدير تطوير «ويندوز فون» في «مايكروسوفت»، براندون واطسون، إلى «أمازون». وقال: إن الفرصة، التي لم يكشف عنها، أكبر من أن يضيعها. وعادت شركة «مايكروسوفت»، التي حددت علاقتها مع «نوكيا»، للصدارة مرة أخرى في عالم برامج الهواتف الجوالة، من خلال ملايين الأجهزة من ألعاب الفيديو «إكس بوكس» في غرف المعيشة لتكون بوابة على المرح في المنازل.

وتأتي تقارير عن الجهاز الجديد لـ«غوغل» في الوقت الذي توشك فيه الشركة العملاقة على عقد صفقة شراء لـ«موتوريلا موبيليتي» بقيمة 12.5 مليار دولار، مما يمنح «غوغل» القدرة على السيطرة على إحدى الشركات التي تستخدم نظام التشغيل «أندرويد» وربما المزيد من القدرة على التوسع.

لن تكشف أي من تلك الشركات عن خطواتها في المستقبل، فحتى «أمازون» لن تكشف عما فعلته في الماضي. وأذيعت أنباء عن منتج «غوغل» الجديد بعد أن اكتشف مدون تعامل لجنة الاتصالات الفيدرالية معه. وتحمل توجهات التعيين بعض الإشارات، فإعلانات الوظائف، التي كانت تتضمن كل أنواع الوظائف المتعلقة بالبرمجة، تعج بوظائف للهندسة الكهربائية وتصميم المكونات المادية من الأجهزة.

ومثال على ذلك إعلانات الوظائف على موقع «أمازون» والتي توحي بأنها لشركة تعمل في مجال المكونات المادية للأجهزة. من هذه الوظائف الشاغرة مدير هندسة مكونات مادية ومدير برامج وأنظمة مكونات ومهندس كهربائي لجودة المكونات. الكثير من هذه الوظائف في «لاب 126»، وهي وحدة مقرها في كاليفورنيا داخل «أمازون» وهي وحدة مسؤولة عن «كيندل»، لكن هناك الكثير من الوظائف الأخرى المتاحة تشير إلى أن تلك الوحدة تعمل في مجالات أخرى.

في «غوغل» توضح لوحة إعلانات الوظائف توافر الكثير من الفرص لأشخاص يفهمون مكونات الشريحة الدقيقة. وتوضح آخر وظيفة شاغرة الحاجة إلى ابتكار أشكال محمولة من منتجات الشركة. ومثل «فيس بوك» لا تستطيع «غوغل» تحمل تكلفة البقاء في موقع متأخر في عالم الهواتف الجوالة. وقبل ظهور الأنظمة المنسقة، كان المسؤولون التنفيذيون في شركات التكنولوجيا الاستهلاكية يتجادلون باستمرار حول الاتصال والشمول. لقد حاولوا تحقيق ذلك، لكن لم يكن لدى أي منهم الأجهزة والمحتوى الذي يمكن أن يتوافقا معا باستمرار. وكان ستيفن جوبز، الرئيس التنفيذي الراحل لشركة «أبل» والذي جعل من ابتكار الأجهزة أمرا يبدو سهلا من خلال «آي باد» و«آي فون»، هو الرائد ومصدر الإلهام. احلم بهم، ثم ابتكر البرنامج الذي يتكامل مع الجهاز وقم بتكليف طرف آخر بالإنتاج، ثم بع بالتقسيط وشاهد تحول شركتك إلى الشركة الأفضل. مع ذلك يعج مجال التكنولوجيا بأولئك الذين حاولوا الحصول على بعض سحر «أبل». ويمكنك سؤال «ريسيرش إن موشان» «إتش تي سي» أو «هيلويت باكارد» عن تجربتهم مع الأجهزة اللوحية، وسترى أنهم لا يشعرون بأي مرح، فحتى عندما يكون النظام ناجحا تأخذ الأمور منحى غير صحيح. ورغم ارتباط الجمهور بالمنتجات، يمكن أن تشعر الإدارة بالحاجة إلى الإجبار أو حث العملاء على شراء منتجات بسعر أعلى أو السعي للحصول على امتيازات. ليس من قبيل المصادفة أن تكون لغة هذه الأنظمة مقتبسة من السجن، حيث تبدأ بكلمة «محبوس».

رغم نجاح منتجات كل من «أمازون» و«أبل»، هناك مؤشرات تظهر بين الحين والآخر وتوضح الارتباك، حيث تحدث أوائل المستخدمين لـ«كيندل فاير» عن مشكلة في وضع المحتوى على الجهاز. وسهلت شركة «أبل» من عملية عمل المحتوى من خلال برنامج «آي بوك أوثارز» شريطة عدم رغبة المؤلف في بيعها عبر طرف آخر غير «أبل». وأثار هذا الأمر ردود فعل سلبية. بالنسبة لـ«غوغل» واستحواذها على «موتوريلا موبيليتي»، تظل كيفية اندماج عمل الإنترنت الذي يدر أرباحا هائلة مع عمل يدر أرباحا ضئيلة بعاملين يبلغ عددهم 19 ألف محل تكهنات. ولا يزال هناك طرق كثيرة يمكن أن تستفيد «غوغل» من خلالها من «موتوريلا». وأوضح سين ماكديفيت، المستشار في «سي إس إم جي»، توجه «غوغل» إلى مجال إنتاج الأجهزة بقوله إن الدافع وراء إنتاج الأجهزة هو الرغبة في الحصول على هامش ربح المنتج، وكذلك إنتاج الأجهزة التي تعمل بالطريقة التي يريدونها. وأورد ماكديفيت مثالا على كيفية استخدام «غوغل» للأجهزة من أجل تقدم البرامج وهو «غوغل واليت»، نظام الدفع الذي يعمل على الهواتف الجوالة والذي طرح في الأسواق الخريف الماضي. وبذلت «غوغل» جهدا كبيرا في عمل هذا البرنامج. وتم توزيعه من قبل 150 ألف متجر تجزئة بتقنية التواصل قريب المدى التي تمكن أي عميل من شرائه من خلال الهاتف الذكي. وشجع مصرف «سيتي غروب» حاملي «ماستر كارد» على استخدام هذا البرنامج ليكون امتدادا لبطاقاتهم الائتمانية. ما الذي منع برنامج «واليت غوغل» إذن من الانطلاق؟ السبب المرجح هو أن هذا البرنامج لا يعمل سوى على هاتف «غوغل نيكسوس» الذي يحظى بالانتشار والشعبية. وخلص ماكديفيت في تقرير صدر الخريف الماضي إلى إضافة شريحة تقنية التواصل قريبة المدى إلى هاتف موتوريلا الجديد. وحيثما توجهت «موتوريلا»، يتوجه المنتجون الآخرون الذين يستخدمون «أندوريد». ولم يتضح بعد موضع البرنامج الترفيهي في أعمال «غوغل»، حيث يمكنه أن يدعم «غوغل ميوزيك»، وهي خدمة مجانية تتيح للناس شراء قطع موسيقية من «أندرويد ماركت» والاستماع إلى أغان من الأجهزة المختلفة المتصلة بالإنترنت. وعندما قدمت شركة «غوغل» «غوغل ميوزيك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قامت الشركة بتسويق الخدمة باعتبارها طريقة تمكن المستخدمين من اكتشاف موسيقى جديدة من خلال موقع «غوغل بلاس» الاجتماعي الجديد، لكنها أخفقت في جذب «وارنر»، واحدة من أكبر 4 أسماء تجارية في عالم الموسيقى، وانتقد المستخدمون طريقة المشاركة بالصور والتعليقات لأنه مربك. وقال أندرو ميرفي، محلل في «بايبر جيفري»: «من يعرف كيف سيبلي هذا النموذج، فـ(غوغل) لا تعرف بعد، لكن إذا كنت تنتج هذا اليوم، فهذا يعني أنك لن تنجح في غضون 5 سنوات فقط».

* شارك كل من نيك بيلتون ونيكول بيرلروث في إعداد هذا التقرير من سان فرانسيسكو وجينا ورتهام من نيويورك

* خدمة «نيويورك تايمز»