بكين تطالب وبروكسل تتمنع.. هل تمنح أوروبا الصين وضع «اقتصاد السوق»؟

وسط مخاوف من إغراق البضائع الصينية وركود اقتصادات منطقة اليورو

الصين تسعى للحصول على صفة «اقتصاد السوق» لتمرير بضائعها في أوروبا (أ.ب)
TT

صرح مسؤول أوروبي رفيع المستوى بأن الاتحاد الأوروبي قد كثف من محادثاته مع الصين بشأن التغييرات المهمة المحتمل إدخالها على قواعد التجارة الدولية. وأضاف أن الاتحاد يريد أن تقوم الصين بالحد من القروض السخية التي تقدمها للمصدرين.

وتحظى عملية القروض التي تحفز الصادرات الصينية بأهمية قصوى للصين، للدرجة التي جعلت رئيس الوزراء الصيني وين جياباو، في خطاب له في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، يربط بين قضية التجارة وإمكانية تقديم الصين لقروض كبيرة للاتحاد الأوروبي لمساعدته في الخروج من أزمته المالية الراهنة. وعلى الرغم من أن وين وغيره من المسؤولين الصينيين قد أكدوا منذ ذلك الحين على أن الصين لن تستغل مسألة القروض لانتزاع تنازلات سياسية من الاتحاد الأوروبي، فإن وسائل الإعلام التي تديرها الدولة قد واصلت طرح هذه الفكرة خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وقال كاريل دي غوشت، وهو مفوض الاتحاد الأوروبي للتجارة، إن المحادثات التي عقدت في بكين في وقت سابق من الأسبوع الحالي بين الاتحاد الأوروبي والزعماء الصينيين قد أثارت قضية الالتزام السياسي لما ينبغي على الاتحاد الأوروبي الاعتراف به، وهو الإقرار بوضع «اقتصاد السوق» الكامل للصين أم لا.

ويتعامل الاتحاد الأوروبي حاليا مع الصين على أنها «اقتصاد غير سوقي»، الأمر الذي يجعل من السهل على الشركات الأوروبية التغلب على المنافسين الصينيين في ما يتعلق بقضايا مكافحة الإغراق. ومما لا شك فيه أن تغير وضع الصين سوف يجعل من الصعب على الشركات الأوروبية التغلب على نظيراتها الصينية في هذا الإطار، وهو ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الصادرات الصينية إلى أوروبا، في الوقت الذي تعاني فيه العديد من الاقتصادات الأوروبية بالفعل من تباطؤ وركود.

وقال دي غوشت إنه على الرغم من أن المحادثات رفيعة المستوى بين الجانبين في بكين خلال الأسبوع الحالي قد أثارت الملف السياسي لقضية اقتصاد السوق، فإنه لم ير أي مؤشر على أن الصين تتخذ بالفعل تدابير السوق الحرة التي من شأنها أن تخلق اقتصادا تقوم فيه السوق بدفع القرارات التجارية بشكل أكبر مما تقوم به السياسات الحكومية.

ولدى سؤاله عن الخطوة التي يمكن أن تتخذها الصين ومن شأنها أن تؤهلها لوضع اقتصاد السوق، قال دي غوشت إن الصين يجب أن تعطي قدرا أكبر من الاستقلال للقطاع المصرفي الذي تسيطر عليه الدولة لكي يتمكن من إصدار القروض بناء على ما يمكن للشركات أن ترده مرة أخرى. يذكر أن العديد من المصارف الصينية تقوم الآن بتخصيص الائتمان على أساس السياسات الحكومية، وهو ما يجعلها تقدم قروضا هائلة للقطاعات الحكومية مثل صناعة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح. وأضاف دي غوشت «هناك الكثير من القروض الميسرة»، مضيفا أن الإصلاحات سوف تجعل «أسعار الفائدة تعكس ظروف العمل، وتقلل من القرارات السياسية كثيرا».

وأعرب بن سيمبفندورفر، وهو خبير اقتصادي في هونغ كونغ ومتخصص في قرارات الاستثمار الدولية في الصين، عن شكوكه في توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق وشيك في ما يتعلق بوضع اقتصاد السوق للصين، على الرغم من الاهتمام الأوروبي بإقناع الصين بزيادة مشترياتها من السندات الأوروبية. وأضاف بن سيمبفندورفر «من غير المرجح أن تمنح أوروبا الصين وضع اقتصاد السوق بسبب المخاوف بشأن تأثير ذلك على الواردات والعمالة في قطاع الصناعات التحويلية في أوروبا نفسها».

وتشير صيغة البلاغ الرسمي الصادر يوم الثلاثاء مع انتهاء المحادثات بين الاتحاد الأوروبي والصين إلى أن المناقشات المتعلقة بوضع اقتصاد السوق يوجه إليها الآن اهتمام أكبر، غير أن الاتحاد الأوروبي قد فرض قيودا أيضا على اعتمادات التصدير، على حد قول دي غوشت، المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي. وقد ظهرت البنوك الصينية خلال الأعوام الماضية كأكبر الجهات المقدمة لقروض التصدير في العالم، من خلال منحها قروضا تقدر قيمتها بمليارات الدولارات بأسعار فائدة منخفضة جدا لقائمة طويلة من الشركات الصينية الكبرى الساعية لزيادة حصتها في الأسواق الأجنبية. وقد كافحت الشركات الغربية للدخول في منافسة على العقود مع منافسيها الصينيين الممولين بشكل جيد.

وفي عمود أسئلة وأجوبة في صحيفة «تشاينا ديلي» الرسمية يوم الجمعة الماضي، قال وزير التجارة الصيني تشين ديمينغ إن الحكومة الصينية كانت متأهبة لزيادة تأمين صادراتها وتعديل الضرائب من أجل مساعدة الشركات التجارية الصينية. وأعرب دي غوشت عن قلقه من التعليقات التي أدلى بها تشين للصحيفة وما إذا كانت تنذر بقرار صيني بتقديم مزيد من الدعم للمصدرين أم لا. وامتنع عن الإدلاء بأي توقع عام بشأن ما إذا كانت الصين ستزيد حجم مشترياتها من السندات الحكومية الأوروبية ومتى، باستثناء قوله إن المسؤولين الصينيين كانوا «مستعدين للتعاون معنا».

وقال تشو شياو تشوان، محافظ بنك الشعب الصيني، البنك المركزي، هذا الأسبوع إن الصين قد أبقت حصة احتياطي نقدها الأجنبي المخصص لأوروبا من دون أي تغيير.

ويرى محللون ومسؤولون تنفيذيون ماليون أن الصين تحتفظ بربع احتياطي نقدها الأجنبي، الذي تبلغ قيمته 3.18 تريليون دولار، في صورة أصول مقيمة باليورو، وعلى وجه الخصوص سندات حكومية ألمانية. وردد تشو أيضا آخر تعليقات أدلى بها وين، رئيس الوزراء، والتي مفادها أن أي استثمار صيني يهدف لمساعدة الاتحاد الأوروبي سيتم من خلال استثمارات في الأوراق المالية التي يصدرها صندوق النقد الدولي أو كيانات جديدة متعددة الأطراف، مثل مرفق الاستقرار المالي الأوروبي. ويشير محللو السوق إلى أنه بينما تفرض الحكومة الصينية السرية التامة على عمليات إدارة نقدها الأجنبي، كانت هناك بالفعل بعض التلميحات إلى أن الصين تشتري كميات ضئيلة من الأوراق المالية من مرفق الاستقرار المالي.

لقد تباطأ التقدم نحو توسيع نطاق القاعدة المالية لصندوق النقد الدولي بفعل مطالب صينية بتخلي الولايات المتحدة عن استخدام حق الفيتو ضد قرارات صندوق النقد الدولي، والذي تتمتع به الولايات المتحدة نظرا لامتلاكها أكبر اقتصاد في العالم واستحواذها على أكثر من 15 في المائة من حصص الصندوق. وتتطلب قرارات صندوق النقد الدولي تأييدا نسبته 85 في المائة من الدول الأعضاء كي تصبح سارية المفعول. وبالنسبة لقضية منفصلة، وهي سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه إيران، أعرب دي غوشت عن قدر محدود من الخوف من تهديد وجهه وزير النفط الإيراني يوم الأربعاء بوقف تصدير النفط لست دول أوروبية، حتى قبل أن تخطط دول الاتحاد الأوروبي لوقف شراء النفط من إيران في 1 يوليو (تموز) كجزء من العقوبات التي تستهدف إقناع إيران بإبطاء برنامجها النووي وجعله أكثر علانية.

وقال دي غوشت خلال فترة مخصصة لطرح الأسئلة وتلقي الإجابات بعد حديثه بنادي المراسلين الأجانب في هونغ كونغ إنه يجب أن يتسنى لأوروبا العثور على احتياطيات بديلة، حتى لو اتخذت إيران إجراء سريعا. وقال أيضا إن أكثر الأمور أهمية هو ضرورة ألا تقوم دول أخرى بزيادة مشترياتها من النفط من إيران لتعويض النقص في شحناتها المرسلة إلى أوروبا. وفيما لم يذكر دي غوشت الصين، إلا أنها تعتبر أكبر مشتر للنفط الإيراني، وقد انتقدت استخدام العقوبات لإجبار إيران على تغيير سياساتها الحكومية.

* خدمة «نيويورك تايمز»