الليرة التركية تتجه لتسجيل أكبر ارتفاع بين عملات الشرق الأوسط

ارتفعت بنسبة 7.3% منذ بداية العام

الليرة التركية تستفيد من النمو الاقتصادي القوي لتركيا وإقبال الأجانب على الاستثمار في تركيا
TT

يبدو محافظ البنك المركزي التركي، إرديم باشجي، عاجزا عن كسب ثقة المستثمرين الأجانب في أعقاب تراجع في أسواق الائتمان العام الماضي، حتى مع تخفيضات أسعار الفائدة التي قام بها وأثرها في استعادة الثقة بأن الاقتصاد سيستمر في النمو، وذلك وفقا لتقرير مطول نشرته وكالة «بلومبيرغ» الأميركية عن الليرة التركية.

ووفقا للتقرير انخفضت تكلفة تأمين الدين التركي ضد مخاطر عدم السداد باستخدام مبادلات مخاطر الائتمان بقيمة 22 نقطة أساس لتصل إلى 270 نقطة هذا العام، وهي نسبة تقل عن نصف الانخفاض الذي شهدته في روسيا وبولندا، وجميع الأسواق الناشئة البارزة، حسب ما أشارت بيانات جمعتها وكالة «بلومبيرغ». وفي الوقت نفسه، شهدت السندات المقيمة بالليرة أكبر انتعاش بين أكبر 19 سوقا ناشئة بمختلف أنحاء العالم، مع هبوط العائدات بمقدار 212 نقطة أساس، لتصل إلى نسبة 9.36 في المائة، حسب ما تشير مؤشرات «رويال بنك أوف اسكوتلاند غروب بي إل سي»، وارتفعت قيمة الليرة بنسبة 7.3 في المائة هذا العام.

وأوقد محافظ البنك المركزي التركي، إرديم باشجي، العام الماضي شرارة انخفاض في قيمة السندات والعملة من خلال سياسة سعر فائدة مزدوج مكنته من الإقراض بنسب تصل إلى 12.5 في المائة، مؤججا مخاوف من اتجاه ثاني أسرع الاقتصادات الرئيسية نموا في العالم بالبلاد نحو حالة من الركود. وبينما استمر في الإقراض بسعر الفائدة الأقل الذي تبلغ نسبته 5.75 في المائة الشهر الماضي، فإن العجز القياسي في الحساب الجاري الذي تزيد نسبته على 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي يجعله أكثر الاقتصادات عرضة للمخاطر في المنطقة، بحسب «غولدمان ساكس غروب» المحدودة (غي إس).

وقال نافين أغاروال، متداول ائتمان في الأسواق الناشئة في «باركليز كابيتال» بلندن، في مقابلة أجريت في 15 فبراير (شباط) الحالي «ما تشاهده في مبادلات مخاطر الائتمان هو أنه ما زال هناك تحيز سلبي ضد تركيا». وأضاف: «السواد الأعظم من المستثمرين ما زالوا يستثمرون بقدر محدود في تركيا، مما يعني أنهم في انتظار أن تظهر الأرقام تحسنا في عجز الحساب الجاري».

وهبطت قيمة الليرة بنسبة 18 في المائة مقابل الدولار العام الماضي، وهو أكبر هبوط تسجله عملة في العالم، وارتفعت قيمة مبادلات مخاطر الائتمان إلى أكثر من الضعف لتسجل 291 نقطة أساس. وارتفعت العائدات على السندات الحكومية التي أجلها عامان بمقدار 333 نقطة أساس من 5 سبتمبر (أيلول) لتصل إلى 11.01 في المائة بحلول 28 ديسمبر (كانون الأول). لقد قل الارتباط بين العملة ومبادلات مخاطر الائتمان ليسجل نسبة 0.71 في المائة من 0.97 منذ أن طرح باشجي سياسة سعر الفائدة المزدوج في 26 أكتوبر (تشرين الأول) حتى هذا التاريخ، بحسب تحليل للتراجع باستخدام بيانات جمعتها «بلومبيرغ» ومزود البيانات «سي إم إيه». وتشير قراءة إحداهما إلى أن السوقين تسيران معا.

ارتفعت قيمة مبادلات مخاطر الائتمان التركية بقيمة 4 نقاط أساس، أو نسبة 0.04 في المائة، أمس، لتسجل 270 نقطة أساس، مقارنة بـ223 نقطة لروسيا و225 لبولندا، بحسب «سي إم إيه»، التي تملكها مجموعة «سي إم إي غروب» المتحدة وتجمع الأسعار التي حددها المتداولون في السوق التي يتم التفاوض فيها بشكل خاص. وتم تقليل التصنيفات الائتمانية لتركيا بمقدار 4 مستويات عن روسيا، و6 مستويات عن بولندا، لتصل إلى «بي إيه 2»، من قبل وكالة «موديز إنفستورز سيرفيس» للتصنيف الائتماني.

وربما تزيد تكلفة العقود بمقدار 350 نقطة أساس خلال الأشهر الستة القادمة في حالة مواجهة تركيا «تأرجحا شاملا»، هذا ما قاله أغاروال من «باركليز». ومن المرجح أن يتداولوا بقيمة تتراوح ما بين 270 و290 نقطة أساس في حالة عدم حدوث أي أزمة، على حد قوله. تسدد المبادلات للمشتري قيمة اسمية مقابل الأوراق المالية محل التعاقد أو القيمة النقدية المكافئة، في حالة عجز جهة الإصدار عن الالتزام باتفاقات الدين.

وتغيرت قيمة الليرة بنسبة بسيطة بالأمس، مسجلة 1.7617 مقابل الدولار. وجاء ارتفاع قيمة العملة هذا العام، وهو ثاني أكبر ارتفاع بين العملات في أوروبا والشرق الأوسط، بعد بيع البنك المركزي 16 مليار دولار من احتياطي نقده الأجنبي في الفترة ما بين أغسطس (آب) ويناير (كانون الثاني). ويعتقد محافظ البنك المركزي التركي أن هذا العام «سيكون عاما تعتبر فيه الليرة التركية واحدة من العملات التي ارتفعت قيمتها بشكل ملحوظ».

وقال مانيك ناراين، رئيس استراتيجية العملة في السوق الناشئة بمجموعة «يو بي إس إيه جي» بلندن، في تعليقات مرسلة عبر البريد الإلكتروني لوكالة «بلومبيرغ»: «لقد كان هذا تطورا مثيرا، لقد دعم الليرة التدخلات اللفظية شديدة اللهجة من قبل البنك المركزي». وأضاف «ما زالت الإصدارات الأساسية بما يتوافق وسرعة إعادة التوازن للحسابات الجارية والالتزام بمعدل التضخم المستهدف متباطئة».

ويطلب مستثمرو العائدات الإضافية امتلاك السندات المقدرة بعملة الدولار بدلا من الأوراق المالية الأميركية التي هبطت قيمتها بمقدار نقطتي أساس بالأمس لتسجل 356 نقطة، بحسب مؤشر «إي إم بي آي غلوبال» الخاص بشركة «جي بي مورغان تشيس آند كو». وارتفعت قيمة العائدات على السندات المقدرة بالليرة التي يبلغ أجلها عامين بمقدار نقطة أساس واحدة لتصل إلى 9.36 في المائة، وهبطت من نسبة 11.48 في المائة نهاية العام الماضي. وهبطت قيمة العائدات على السندات التركية المقيمة بالدولار والتي يحين أجلها في سبتمبر عام 2022 إلى نسبة 5.581 في المائة، بعد أن كانت نسبتها 5.586 في المائة اليوم السابق، و5.728 في المائة يوم 1 فبراير.

لقد سعى باشجي إلى إبطاء عجلة الاقتصاد من دون التسبب في ركود عن طريق خفض السيولة بعد أن هبطت أسعار الفائدة العام الماضي مسجلة رقما قياسيا، مما أدى إلى زيادة حجم القروض، لتقترب من نسبة 40 في المائة، مما أدى إلى زيادة عمليات شراء الواردات وزيادة عجز الميزان التجاري.

ويزداد قلق المستثمرين مع زيادة نمو الاقتصاد التركي بنسبة 9.6 في المائة خلال الأشهر التسعة الأولى، والذي يعد الأسرع من بين اقتصادات دول أخرى بعد الصين، حيث أدى إلى وصول عجز الحساب الجاري إلى 77 مليار دولار وهو الأعلى بين الدول الأربع والثلاثين الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بعد الولايات المتحدة وإيطاليا. وسوف ينخفض معدل زيادة أسعار السلع الاستهلاكية، الذي ارتفع إلى 10.6 في المائة، وهو أعلى معدلاته خلال ثلاثة أعوام في يناير، إلى 6.87 في المائة خلال 12 شهرا بحسب استطلاع أجراه البنك المركزي بين خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال نشر في الثامن من فبراير. وكانت النسبة المتوقعة قبل أسبوعين 6.91 في المائة.

ويتوقع رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يبلغ من العمر 57 عاما، نمو الاقتصاد التركي، الذي يعد ثامن أكبر اقتصاد في أوروبا ويبلغ حجمه 735 مليار دولار، أي نحو نصف حجم الاقتصاد الروسي، على الأقل بنسبة 4 في المائة خلال العام الحالي. وربما يزداد إجمالي الناتج المحلي بنسبة 3.4 في المائة بحسب استطلاع البنك المركزي المذكور آنفا. وازداد معدل النمو الاقتصادي منذ عام 2002 ليصل المتوسط إلى 5.9 في المائة سنويا. وقال المخطط الاستراتيجي في «غارانتي» للأوراق المالية في إسطنبول، توفان كوميرت: «رغم الارتفاع في مبادلات مخاطر الائتمان، نرى تدفقا في الاستثمارات الأجنبية خاصة في أسواق المال. ويشير هذا إلى اهتمام المستثمرين الأجانب بالأصول التي تقدر الليرة، لكنهم لا يثقون أن كل شيء سيسير على ما يرام. لهذا ينأون بأنفسهم عن المخاطر».

وتقيم علاوة المخاطر بالأساس على أزمة الديون اليونانية وغياب اليقين بشأن أوروبا وكيفية تأثير أي انخفاض على تركيا، لا على المشاكل التركية المتعلقة بالاقتصاد أو سياسة البنك المركزي، على حد قول كوميرت. وأضاف: «إذا تم حل المشكلة اليونانية بطريقة ما على المدى القصير، نتوقع أن نرى انخفاضا في مبادلات مخاطر الائتمان مع ارتفاع في قيمة الليرة». ويقول مصرف «بنك أوف أميركا ميريل لانش» ومقره في أميركا، و«إتش إس بي سي هولدينغز» إن محافظ البنك المركزي التركي لن ينجح على الأرجح في تحقيق التوازن المطلوب بين الوصول إلى نمو معتدل والسيطرة على التضخم، حيث توقع المصرفان حدوث ركود خلال النصف الأول من العام. وتراجع مصرف «غولدمان ساكس» عن توقعاته بحدوث ركود العام الحالي في العاشر من فبراير وتوقع نموا اقتصاديا بنسبة 2.5 في المائة عام 2012. ويتوقع مصرف «كوميرز بنك إيه جي» ومقره في فرانكفورت، نموا قدره 5 في المائة.

وساعدت التوقعات باستمرار النمو الاقتصادي على ارتفاع مؤشر البورصة التركية بنسبة 17 في المائة خلال العام الحالي. ويعد هذا المؤشر هو رابع أفضل مؤشر قومي بعد المؤشر المصري والروسي والهندي بحسب البيانات التي جمعتها مؤسسة «بلومبيرغ». ولا يستطيع المصرف المركزي التركي التأثير على مبادلات مخاطر الائتمان مثلما تؤثر الليرة والسندات، على حد قول بينويت آن كبيرة المخططين الاستراتيجيين في الاقتصادات الناشئة لدى مصرف «سوسيتيه جنرال».

وقالت آن «تمتلك سوق السندات المحلية القدرة على الاستفادة من السياسة العدوانية التي ينتهجها المصرف المركزي في إدارة السيولة. لا يلعب هذا الدافع دورا كبيرا في سوق السندات الحكومية التي تمثل القوة الدافعة بها في مخاطر امتلاك سندات دول متعثرة».