إجراءات أوروبية للحد من المضاربة على الديون السيادية عشية الإعلان عن التوقعات الاقتصادية

تحت عنوان «نعاني أزمة نمو وليست أزمة ديون»

جانب من البنك المركزي الأوروبي («الشرق الأوسط»)
TT

قبل ساعات من نشر المفوضية الأوروبية ببروكسل توقعاتها للاقتصاد، تلقت المفوضية رسالة من عدة عواصم أوروبية تطالبها بالعمل على الرفع من نسب النمو الاقتصادي، وبينما أقر وزراء المال والاقتصاد الأوروبيون إجراءات تتعلق بالحد من المضاربات على الديون السيادية، فقد وجهت الرئاسة الحالية للاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية التهنئة لكل من إسبانيا وإيطاليا على الخطوات التي اتخذت في إطار تدعيم الاقتصاد.

فقد تلقت المفوضية الأوروبية ببروكسل رسالة من عدة دول داخل وخارج منطقة اليورو، تطالب الجهاز التنفيذي للاتحاد إلى ضرورة العمل على الرفع من نسب النمو الاقتصادي في دول التكتل الأوروبي الموحد، بهدف الدفع بنسب النمو الاقتصادي، ولتجاوز التأثيرات السلبية للإجراءات التقشفية، هذه المطالب تضمنتها رسالة وقعت عليها خصوصا كل من إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، التي يقول رئيس وزرائها ديفيد كاميرون «هي رسالة تطالب بتوسيع نشاطات سوق موحدة في مجالات التكنولوجيا الرقمية والخدمات والطاقة مع ضمان النهوض بقطاع التجديد والابتكار ودفع نسب النمو في كامل أوروبا. نحن مطالبون بتوقيع اتفاقيات تجارية جديدة مع الدول التي تشهد نموا اقتصاديا قويا». حسب مصادر إعلامية أوروبية تقول هذه الرسالة، إن الأزمة التي تعيشها أوروبا هي أزمة نمو في مقام أول وليست أزمة ديون. وتضيف المصادر أن إسبانيا التي تبنت مؤخرا مجموعة إصلاحات تتعلق بسوق العمل أكدت على لسان رئيس حكومتها ماريانو راخوي أن هذه الإصلاحات ستساهم في التخفيض في نسب البطالة وفي إنقاذ الشركات المتوسطة والصغرى. وأضاف «لدينا تشريعات عمرها أكثر من ثلاثين عاما ونحن مطالبون بتجديدها. لا يمكننا أن نلتزم بتشريعات الماضي لأننا اليوم نعيش في عالم متغير وعلينا أن نستجيب لمتطلبات الحاضر. وبالتالي فأنا أعتقد أن الإصلاحات الجديدة ستعطي فرصا أكبر للاستثمار للشركات الإسبانية الصغرى والمتوسطة كما ستعطي فرصا أكبر للعمال وكذلك للشباب العاطل عن العمل». وكانت حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسبانية خلفت موجة احتجاجات عمالية جديدة في البلاد، حيث تظاهر نهاية الأسبوع الماضي عشرات الآلاف من المحتجين في مدريد وبرشلونة تنديدا بالسياسات التقشفية للحكومة اليمينية. من جانبه، أكد وزير الاقتصاد الإسباني، لويس دي جيندوس، أن التوقعات الاقتصادية التي ستنشرها المفوضية الأوروبية يوم الخميس ستشكل بداية عمل إعداد الموازنات العامة للدولة والتي توقع أن تكون «أكثر تشاؤما» عن الصادرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وحذر الوزير الإسباني في مؤتمر صحافي عقده ببروكسل في ختام اجتماعات لوزراء المال والاقتصاد الأوروبيين، من أن الأرقام ستكون أكثر تشاؤما عن التي نشرتها المفوضية الأوروبية في بروكسل في أكتوبر الماضي، والتي كانت قد «شكلت الأساس» في إعداد برامج الاستقرار بمنطقة اليورو. وأشار إلى أن بعد معرفة بيانات المفوضية «ستبدأ عملية التحليل»، لمناقشة تأثير هذه التوقعات الجديدة على الاقتصاد الكلي لإسبانيا. وكانت التوقعات الاقتصادية للمفوضية الأوروبية في 10 أكتوبر، قد أشارت إلى أن الناتج المحلي الإسباني سيحقق نموا قدره 1.5 في المائة خلال 2012. (يأتي ذلك في حين أقر وزراء مالية الاتحاد الأوروبي، رسميا إجراء يهدف للحد من المضاربة على الديون السيادية التي كانت سببا في الأزمة المالية، حيث سيسري اعتبارا من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ويشمل الإجراء حظر المعاملات المكشوفة على مقايضة الائتمان الافتراضي، وتشديد قواعد البيع على المكشوف للأسهم والسندات. وتوصلت المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي لاتفاق على التشريع في أكتوبر، وتم التصديق عليه في البرلمان الأوروبي في نوفمبر، قبل أن يدخل مرحلته الأخير بالتصديق عليه من المجلس الوزاري حتى يدخل حيز التنفيذ في خلال تسعة أشهر. ويزيد التشريع الجديد من الشفافية على البيع على المكشوف في بعض الأسواق المالية الأوروبية، ويضمن امتلاك الدولة لسلطات واضحة للتدخل في الأوضاع الاستثنائية، بهدف الحد من المخاطر المنهجية وتحقيق الاستقرار المالي وإعادة الثقة إلى الأسواق. وحسب الكثير من المراقبين اعتمد الاتحاد الأوروبي إطارا تنظيميا جديدا لعمليات البيع بالمكشوف في الأسواق المالية، وذلك في مبادرة إضافية تهدف إلى احتواء المضاربات في الأسواق. واعتمدت غالبية الدول الأوروبية لائحة تنظيمية تضع الإطار القانوني لهذا التعامل المالي الذي تحفظت عليه بريطانيا رسميا. ووفق التنظيم الجديد الذي وافق عليه مجلس وزراء الخزانة والمال لدول الاتحاد الأوروبي فقد تم منح صلاحيات محددة ومؤقتة للأسواق المالية المحلية في كل دولة لفرض نواميس تحد من عمليات البيع بالمكشوف إذا ما كانت تلحق ضررا على الاستقرار النقدي أو تنزع الثقة عن الأسواق المحلية أو على الصعيد الأوروبي. كما يجبر التنظيم الجديد حملة السندات الحكومية بتقديم ضمانات فعلية قابلة للمبادلة عند الضرورة. ويهدف التنظيم الأوروبي إلى توحيد اللوائح المعمول بها في مختلف دول الاتحاد وتجنب الركون مستقبلا إلى عمليات تحكيم قانونية تستوجب مددا زمنية طويلة. وعمليات البيع بالمكشوف تتمثل في اقتناء سندات منخفضة القيمة دون ضمانات مع المضاربة على بيعها وكسب الفارق عند قيام صاحبها باستردادها. ويركن بعض المضاربين إلى بيع سندات لا يمتلكونها أصلا وهو ما يفسر مصطلح البيع بالمكشوف وكانت ألمانيا منعت هذه التعاملات منذ مايو (أيار) 2010م. ويقول المدافعون عن هذا الأسلوب في التعامل المصرفي إن عمليات البيع بالمكشوف تؤمن وجود سيولة كافية في الأسواق المالية بما في ذلك خلال الاضطرابات في المعاملات كما أنها تساعد على بلورة مؤشرات لتحديد أسعار السندات بشكل عام. ومن جانبها، وجهت الرئاسة الدنماركية للاتحاد الأوروبي بواسطة وزيرة ماليتها، التهنئة إلى وزراء مجموعة اليورو الـ17 لتوصلهم إلى الاتفاق على الخطة الآيلة إلى مساعدة الدولة اليونانية وهي على شفير الإفلاس. مارغريت فيستاغير، وزيرة المالية في الدنمارك قالت: «نحن نهنئ زملاءنا في مجموعة اليورو لاتفاقهم بشأن اليونان وهو اتفاق سيساهم في ذات الوقت باستقرار اقتصادي اليونان والاتحاد الأوروبي». يتضمن الاتفاق إلزام البنوك الخاصة بخفض إضافي لديونها المستحقة على أثينا. وقدمت الرئاسة الأوروبية التهاني أيضا لإسبانيا وإيطاليا على الجهود التي بذلت لتدعيم الاقتصاد مع تجنب الوزراء الخوض في تفاصيل التدابير المطلوبة من أجل تفعيل النمو في عشر دول أوروبية بالإضافة إلى إسبانيا وإيطاليا. وحسب تقارير إعلامية أوروبية، تراجعت عائدات السندات الحكومية الإيطالية والإسبانية، بعيد حصول اليونان على خطة إنقاذ جديدة لتفادي إفلاسها. وهي خطة ستسمح بمتابعة، ومراقبة الأموال التي يتم إقراضها لأثينا بشكل أفضل، حيث ستخضع لإشراف ترويكا الجهات الدائنة. من جهتها سجلت السندات الحكومية البرتغالية مكاسب متواضعة بالنظر إلى نظرائها في منطقة اليورو، مع ارتفاع واضح في عائدات ديونها، مما قد يرشحها لاتباع طريق اليونان والبحث عن خطة إنقاذ جديدة لتفادي الإفلاس. وفي نفس الصدد، اعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما، أن برامج وخطط إصلاح سوق العمل التي تبنتها كل من إسبانيا وإيطاليا تمثل «خطوات إيجابية» للتصدي لأزمة منطقة اليورو. وأفاد المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني في بيان بأن تقييم أوباما لهذه الإجراءات جاء خلال محادثة هاتفية مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حيث هنأها على الاتفاق الذي تم التوصل إليه من أجل تقديم حزمة إنقاذ جديدة لليونان لتجنب الإفلاس، تقدر بـ130 مليون يورو. وعبر الرئيس الأميركي للمستشارة الألمانية عن تقديره لدور ألمانيا الرائد، في حين أشاد بالخطوات التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي لضبط المؤسسات المصرفية، وبرامج وخطط إصلاح سوق العمل التي تبنتها حكومتا إسبانيا وإيطاليا، معتبرا أنها تمثل خطوات إيجابية للتصدي لأزمة اليورو. يذكر أنه بناء على دعوة من كبرى التنظيمات النقابية والعمالية مثل اتحاد العمال العام واتحاد اللجان العمالية، احتشد الآلاف من الإسبان الأحد في الشوارع والميادين الرئيسية بـ57 مدينة إسبانية، احتجاجا على الإصلاحات التي تبنتها حكومة رئيس الوزراء اليميني المحافظ ماريانو راخوي، على اعتبار أنها «عادلة وجيدة وضرورية». وتنص الإصلاحات المثيرة للجدل على تخفيض التعويضات التي تحصل عليها العمالة الثابتة في حالة التسريح دون أسباب إلى 33 يوما بدلا من 45 يوما في القانون السابق عن كل عام خدمة، بالإضافة إلى تخفيض مكافأة إنهاء الخدمة من 42 شهرا في القانون القديم إلى 24 شهرا فقط. إلا أن أكثر ما يثير مخاوف المعارضة والنقابات هو البند الذي يبيح للشركات وأصحاب الأعمال التذرع بعدم تحقيق أرباح خلال ثلاثة أرباع عام مالي واحد لتسريح العمال دون إبداء أسباب، مقابل تعويض قدره 20 يوما فقط عن كل عام في الخدمة. ويعاني ما يزيد على خمسة ملايين شخص من فقدان أعمالهم ما يصل إلى 23 في المائة من إجمالي الأيدي العاملة في إسبانيا. وكان معدل التضخم السنوي في إسبانيا قد تراجع في مستهل العام الحالي بنسبة 0.4 في المائة ليستقر عند 0.2 في المائة خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، مسجلا أدنى مستوياته منذ أغسطس (آب) 2010.