تونس: الوقود المهرب من الجزائر وليبيا يثير سجالا بين أرباب المحطات ونقاط البيع

المحطات: مهددون بالإفلاس.. أصحاب نقاط البيع: يريدون أن يستأثروا بالوقود المهرب وأسعارنا أرخص

نقاط البيع غير النظامية على الطرق في تونس تشهد إقبالا لرخص الأسعار («الشرق الأوسط»)
TT

تراجعت الغرفة الوطنية التونسية لوكلاء وأصحاب محطات التزود بالوقود عن الإضراب العام الذي كان مقررا اليوم، السبت 25 فبراير (شباط)، احتجاجا على التجارة الموازية التي مثلتها ظاهرة نقاط البيع في مختلف أنحاء تونس، التي تبيع الوقود المهرب من الجزائر وليبيا. وذلك بعد تلقيها وعودا من الجهات المعنية في الحكومة التونسية بحل القضية، وبالتالي سوف تستمر 900 محطة وقود في العمل اليوم بكامل طواقمها، نحو 15 ألف عامل.

وقد أثر الإقبال على الوقود المهرب من الجزائر وليبيا، الذي يباع على قارعة الطريق، على مردود محطات الوقود التي يقول أصحابها إنها مهددة بالإغلاق. بينما يؤكد أصحاب نقاط بيع الوقود المهرب إن الكثير من أصحاب محطات الوقود يشتري البنزين المهرب ويبيعه بسعر 1370 مليما للتر الواحد، ويبيع لتر الديزل بـ1010 مليمات، بينما تبيعه هذه النقاط بسعر 850 و700 مليم للتر الواحد.

وقال الناطق الرسمي باسم الغرفة الوطنية لوكلاء وأصحاب محطات الوقود، إن «الظاهرة بدأت سنة 1995 وتفشت في كامل مناطق البلاد»، كما اشتكى من أن أماكن غسيل السيارات، البالغ عددها 4 آلاف محل، «تبيع بدورها الزيوت دون تراخيص قانونية ودون احترام لشروط السلامة والضوابط البيئية».

«الشرق الأوسط» نزلت إلى الميدان وحاورت أصحاب محطات الوقود وأصحاب نقاط البيع الأخرى. قال أحد باعة الوقود على قارعة الطريق، ويدعى منذر الصياح، لـ«الشرق الأوسط»: «أنا عاطل عن العمل منذ سنة 2007 وقد فضلت العمل في بيع الوقود للحصول على 7 دنانير في اليوم أفضل من أن أظل من دون مصدر دخل، فأنا شاب أريد أن أتزوج، ولي عدد كبير من الإخوة من بينهم معاق».

وحول شكاوى أصحاب محطات الوقود، ذكر قولا دارجا: «كل يأكل ما كتب له»، وتابع: «المواطن يجد أن من مصلحته التزود بالوقود من عندنا، أفضل من محطة البنزين، ويبقى لديه 8 دنانير. والمواطن مخير بأن يتزود بالوقود بمبلغ 14 دينارا أو 22 دينارا». وأردف: «لم نقم بمنع السيارات من دخول محطات الوقود، نحن نعرض بضاعتنا ومن يريد أن يشتري فليتفضل.. لو يقبلني صاحب المحطة كعامل لقبلت ولتركت هذا العمل».

من جانبه قال صاحب محطة وقود يدعى، رمزي شيحة: «خسرنا الكثير من الزبائن بسبب التجارة الموازية في الوقود، وبالتالي نقصت المبيعات، كان هناك فلاحون يشترون الوقود من عندنا وأصبحوا اليوم يتزودون من نقاط البيع الموازية، والضرر طال كل شيء، فلم نعد قادرين على دفع الأداءات الإدارية والضرائب، وعلينا دفع رسوم الكهرباء والماء وأجور العمال، بينما أصحاب نقاط البيع لا يدفعون شيئا، وكل شيء يحصلون عليه يعد ربحا». وشدد على أهمية وضع حد لهذه التجارة، قائلا: «لا بد من وضع حد لنقاط بيع المحروقات، وهي تجارة مربحة». وعن أماكن التهريب أشار إلى أنها «تأتي من الجزائر ومن ليبيا». وتساءل: «كيف تمكنت الجهات الأمنية والعسكرية من وقف تهريب الموز ولم تفعل ذلك مع المحروقات؟!». وواصل كلامه قائلا: «لا نعرف السبب، هناك منتفعون من استمرار حالة التهريب على الحدود، وهناك من يسهل ذلك أو يتساهل معه».

ودعا إلى اتفاقية مع الجزائر وليبيا للحصول على الوقود بشكل مباشر وبأقل الأسعار عوضا عن الحصول عليه من إيطاليا.

وحول الإضراب الذي تم التراجع عنه قال: «قررنا الدخول في إضراب عن العمل يوم 25 فبراير (اليوم) لأن المازوت أصبح يباع على قارعة الطريق كالبطيخ، وهناك مستودعات تحولت إلى نقاط بيع».

صاحب نقطة لبيع البنزين والديزل يدعى فتحي، (لم يذكر لقبه)، أكد أن وضعه المادي هو ما دفعه لممارسة بيع الوقود، يقول: «أنا معاق، فهل يؤثر بيع 10 غالونات بنزين على أصحاب المحطات، وهذه بطاقتي ولي 9 أبناء أنا عائلهم، وليس لي أي مورد رزق آخر»، وتابع: «أعمل في هذا المجال من أجل إعالة أولادي الصغار، أعطوني ما يمكنني به سد رمق أطفالي، وسوف أترك هذا العمل، هذا العمل من أجل أن آكل وأعيش». وعما إذا كان يحصل على دخل محترم من التجارة الموازية في المحروقات، رد: «أيهما أفضل الحصول على 15 دينارا لإعالة أسرتي وأطفالي، أو مد يدي للتسول أو أقوم بسرقة الآخرين، وفي الوقت الحالي ليس لي خيار آخر غير العمل، إذا أعطتني الدولة عملا لن أعمل في هذا المجال مطلقا».

لا يريد أصحاب نقاط البيع تصويرهم، ولا يذكرون أسماءهم بالكامل، وربما ما يذكرونه ليس صحيحا، ولذلك أعفينا أحدهم الذي بادر بالقول: «هناك فرق بين من يخشى على ملياراته، ومن يريد أن يوفر الطعام لزوجته ولأطفاله»، مضيفا: «بيننا معاقون، وعاطلون عن العمل، وأصحاب أسر فقيرة، نسعى إلى الحصول على ما يسد الرمق من خلال هذه التجارة».

وعن تهديد أصحاب محطات الوقود بالإضراب أعرب عن حسرته لأن الإضراب لم يتم، وأضاف: «لو قاموا بإضراب لبعت أكثر ما يمكن من غالونات البنزين، فلماذا لم يضربوا». ودعا أصحاب المحطات للإضراب، وأوضح أنه طلب رخصة لمحطة وقود ولكن السلطات لم تستجب لطلبه ولذلك انخرط في البيع الموازي. وقال: «قدمنا طلبا فقالوا لنا هذه أرض ذات صبغة فلاحية لا يمكن إقامة محطة للتزود بالوقود فوقها (لم يعد هذا الإجراء ساريا الآن). نحن نعمل، أنا مستأجر بـ90 دينارا، وبالكاد أحصل على 15 دينارا، بينما أصحاب محطات الوقود يملكون المليارات».

ويتدخل زبون ليقول: «أشتري البنزين بـ700 مليم أفضل لي من شرائه بدينار و40 مليما. اجعلوا اللتر بـ500 مليم ولن نشتري من النقاط الموازية». ويتابع: «منذ اشتريت شاحنتي لا أتزود سوى من نقاط البيع». ويشير إلى أصحاب المحطات قائلا: «لو أغلقوا محطاتهم لكان أفضل.. وسوف يغلقون».

ويؤكد كثيرون أن أغلبية أصحاب المحطات تتزود بالوقود عبر أرباب التجارة الموازية ويبيعونها بالأسعار المدرجة.. «ضعوا كاميرات ويمكننا تصوير ذلك وستتأكدون من قولنا»، ويتساءلون: «أيهما أفضل من يشتري بـ500 مليم ويبيع بدينار و40 مليما أم من يشتري بـ500 مليم ويبيع بـ700 مليم».

وحول إمكانية لجوء الدولة لمنع البيع الموازي، قال أحد الباعة: «كاتب الدولة ووزير الداخلية على الرأس والعين، وأناس يريدون أن ينظموا القطاع، ولكن لا يمكن أن يكون الوقود المهرب حلالا على المحطات وحراما علينا». وطالب أصحاب محطات الوقود بإنزال الأسعار.. «يطالبون بوقف عملنا ليتفردوا هم بالوقود المهرب.. أصحاب محطات الوقود، يريدون أن يمنعوا أصحاب نقاط البيع ليستحوذوا على كل الكميات المهربة ويحصلوا على 50 في المائة من الربح». ويؤكد: «رأيناهم بأعيننا». ويقول زبون وجدناه في إحدى نقاط البيع: «أتزود بالدفع المؤجل وهذا غير موجود في المحطات».

ويصر أصحاب محطات الوقود على إغلاق نقاط البيع، ويقول صاحب محطة يدعى محمد علي النقاطي: «التجارة الموازية، لا سيما في الوقود، حطمت جميع المؤسسات، جميع محطات الوقود تكبدت خسائر كبيرة، وفي محطتي تكبدت خسائر تقدر بـ100 ألف لتر، والمبيعات في انخفاض مستمر، وأنا أتخوف حاليا من العجز في تسديد الضرائب ودفع أجور العمال، وتسديد فواتير الماء والكهربا، وإذا تمكنت من ذلك فهو إنجاز كبير». وأشار إلى وجود 5 نقاط بيع حول محطته لا تبعد بعضها سوى 10 أمتار عنها.. «هذا خطير جدا على القطاع.. يجب على الحكومة التدخل والتنسيق مع الجزائر وليبيا لإغلاق الحدود في وجه هذه التجارة». ويختصر موقف المستهلك، قائلا: «المستهلك يقول هذا أرخص وظروفي لا تسمح بالشراء من المحطات، فالسعر منخفض جدا جدا، وتونس ليست بلدا منتجا، بينما الجزائر وليبيا من الدول المنتجة».

وعن أسباب عدم تزود تونس بالوقود من الجزائر وليبيا بدلا من إيطاليا أفاد بأن «(الأوبك) لا توافق أن تبيعنا الجزائر وليبيا النفط، وإلا تم تخفيض السعر».

وعن موقف السلطات من نقاط البيع الموازية قال: «وعدونا بحملة تمشيطية، ولم يقع ذلك فالمبيعات لا تزال متواصلة».

وحول تأكيد البعض أن المحطات كانت سببا في انتشار التجارة الموازية، شدد على أن ذلك لا يطال الجميع، وأشار إلى أنهم «ليسوا جميعا.. البحث عن التجار لبيع النفط المهرب من الجزائر وليبيا يدل على ذلك».

والحل كما يقترحه كثيرون، إما تنظيم عملية التزود بالوقود من الجزائر وليبيا وتقنينه، أو منعه تماما، وتمكين بعض العاملين في هذا القطاع الموازي من وظيفة داخل محطات الوقود، أو وظائف أخرى. وتمكين الراغبين في الحصول على رخصة محطة تزود بالوقود من ذلك لحل الإشكال الحاصل.