كيف يعيش الجنوبيون بعد فقدان دولارات النفط؟

التصدير توقف بسبب الخلاف بين حكومتي الشمال والجنوب

لقطة لمدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان من الجو
TT

أبدى رئيس جنوب السودان، سلفا كير، الشهر الحالي، رغبته في إنهاء خلاف مع السودان بشأن رسوم عبور النفط، ولكنه رفض اقتراحا يقضي بسداد جوبا مليارات الدولارات ومواصلة تصدير النفط عبر الشمال. وذلك حسب «رويترز».

وأوقفت جوبا إنتاجها النفطي البالغ 350 ألف برميل يوميا لإنهاء مصادرة السودان لنفطها. وثار خلاف بين البلدين بشأن قطاعي النفط، إثر استقلال الجنوب في يوليو (تموز) 2011، في أعقاب عقود من الحرب الأهلية، التي انتهت باتفاق سلام شامل في 2005. وحتى إن توصل الجانبان لاتفاق بشأن النفط، فإن جنوب السودان ربما يحتاج معونات ضخمة في جميع الأحوال لأن استئناف إنتاج النفط يتطلب فترة تصل إلى ستة أشهر، نظرا لغمر الأنابيب بالماء لتجنب تكوين رواسب.

والنفط شريان الحياة لاقتصاد البلدين، ولكن الجنوب أكثر تعرضا للمخاطر، لأنه ليس لديه صناعات أخرى تقريبا يمكنه الاعتماد عليها، عدا قطاع النفط. كما أنه يعتمد إلى حد كبير على السلع المستوردة التي يشتريها بعلاوة كبيرة، عبر طرق غير ممهدة من أوغندا وكينيا والسودان. وتصل أكثر من 90 في المائة من السلع عبر هذه الطرق.

ولا توجد بيانات منشورة عن الاحتياطيات الدولارية، ومنذ يوليو (تموز) تعاقد الجنوب على مبيعات نفط تصل قيمتها إلى ثلاثة مليارات دولارات، ولكنه لم يذكر مصارف الإيرادات، ولم يذكر الاحتياطيات في ميزانية 2011.

وحين أعلن وزير الإعلام، بارنابا ماريال بنيامين، إجراءات تقشف عقب اجتماع الحكومة، الأسبوع الماضي، رفض السماح للصحافيين بالاطلاع على مسودة ميزانية عام 2012 التي كانت بين يديه.

وأبدت الحكومة ثقتها في قدرتها على تحمل خسارة دخل النفط بفضل برنامج تقشف وتحسين جمع الضرائب. ولكن بدت أول بوادر التوتر بالفعل.

وقال مصرفيون إن البنك المركزي خفض كميات الدولارات المخصصة للبنوك المحلية إلى النصف، وقيد التحويلات النقدية لأوغندا وكينيا. وقال مصرفي بارز في جوبا: «ثمة شعور بالفزع بين مسؤولي البنك المركزي والحكومة المركزية الذين يجتمعون مع البنوك الخاصة كل يوم لبحث جمع تمويل جديد». وأضاف المصرفي الذي رفض نشر اسمه: «ليس لديهم خبرة تذكر بالأدوات المالية، مثل أذون الخزانة، وينبغي أن يتعلموا الآن بشق الأنفس».

وتنوي الحكومة خفض الإنفاق فيما عدا الأجور، بنسبة 50 في المائة، ولكن قد لا يكون هذا كافيا لتعويض خسارة إيرادات النفط لأن الأجور تمثل نحو نصف الميزانية، أي أن إجمالي خفض الإنفاق لا يتجاوز 25 في المائة من الحجم الفعلي.

وقالت دانا ويلكنز، من مجموعة الشفافية «غلوبال ويتنس» لـ«رويترز»: «ثمة قلق بالغ من أنه سيجري أولا خفض تمويل أنشطة الرقابة مثل غرفة المراجعة والبرلمان، وهي المؤسسات الأكثر أهمية خلال فترات التقشف أو الأزمات».

وأعاق تفشي الفساد والمحسوبية التنمية في جنوب السودان، حيث لا توجد طرق تذكر خارج جوبا وتتركز السلطة في أيدي حفنة من المقاتلين السابقين الذين يمقتون الرقابة.

ويقول السكان في شوارع جوبا المتربة إنهم يساندون وقف إنتاج النفط، ويثقون في قدرتهم على التكيف مع ذلك، نظرا لأن الأمم المتحدة ووكالات المعونة توفر الكثير من الخدمات الأساسية.

وقال القس مالاكال دوال: «لا يصل النفط للناس العاديين فليس لدينا كهرباء أو مياه نظيفة ولا شيء، لذا لن نتأثر بوقف إنتاج النفط». وأضاف: «سيؤثر على مؤسسات الحكومة والقلة التي تمتلك سيارات».

لكن بقالا من أصل عربي من شمال السودان يعمل في جوبا حذر قائلا: «ستسوء الأمور كثيرا من دون النفط».

وقال الوزير النرويجي سولهايم إن إجراءات التقشف ستؤثر على كثيرين. ومضى قائلا: «كثيرون يعتمدون على ميزانية الدولة بشكل غير مباشر لأن من يتقاضون أجورا من الدولة يعولون أسرهم وآخرين، وربما يؤثرون أيضا على الزراعة».

ولا يتوقع الدبلوماسيون انفراجة سريعة في محادثات النفط في أديس أبابا، التي تستأنف في السادس من مارس (آذار)، نظرا للفجوة الكبيرة في مواقف طرفي التفاوض. فالجنوب مستعد لدفع دولار واحد كرسوم عبور عن كل برميل، بينما تطالب الخرطوم بسداد 36 دولارا.

ويريد جنوب السودان مد خط أنابيب بديل إلى كينيا أو جيبوتي لإنهاء اعتماده على السودان، ولكن سولهايم يشك في جدواه. وقال خلال زيارة للخرطوم: «أرى عددا قليلا للغاية من الأشخاص في المجتمع الدولي ممن يعتبرون هذا المشروع يمكن تنفيذه في الأمد القصير». وبما أن الخرطوم أفرطت في ضخ النفط من الحقول قبل الاستقلال، فإن خط الأنابيب لن يكون مجديا على الأرجح إلا في حالة وجود اكتشافات جديدة.

وتأمل الحكومة أن تتوصل «توتال» الفرنسية لاكتشافات جديدة في جونقلي. ولكن العنف القبلي في المنطقة يعرقل أعمال التنقيب ومن المرجح أن تقل مساهمة الدولة في تمويل التنقيب في أماكن لم تنل قدرا كافيا من التنمية مثل جونقلي في ظل خطة التقشف الجديدة. ويشكك الخبراء في خطط الاقتراض من الخارج بضمان النفط لأن النفط لا يمكن بيعه حاليا. وقال هاري فيرهوفن الخبير في الشؤون السودانية: «لن يكون ذلك ممكنا إلا بسعر فائدة باهظ جدا».