الاقتصاد الإيراني في «عنق الزجاجة» ومزيد من البنوك والشركات توقف تعاملها مع طهران

محام في لندن: العقوبات أصبحت مرهقة للغاية

الريال الايراني أكبر المتضررين من الحظر (رويترز)
TT

صرح مسؤولون أميركيون بأن سلسلة العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على إيران تشل قدرتها على تصدير النفط وتسيير حركة التجارة، وهو ما أدى إلى الإضرار بالاقتصاد الإيراني وإذكاء المعارضة الداخلية. وذلك حسب تقرير لوكالة «بلومبيرغ» الأميركية.

وقد أدت القيود المفروضة على المصارف والنقل البحري والتأمين والموانئ والسلع الأساسية والتجارة والمعاملات والمشاريع في قطاع الطاقة، إلى قطع أو تعقيد كثير من العلاقات التجارية الإيرانية مع العالم الخارجي. وصرحت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، بأنه لم يعد هناك سوى وقت محدود حتى تتخلى إيران عن أنشطتها النووية نتيجة للعقوبات المفروضة عليها قبل أن تقوم الولايات المتحدة أو إسرائيل بعمل عسكري ضدها.

وقد أعلن بنك نور الإسلامي، أمس، أنه قد قطع علاقاته بالبنوك الإيرانية منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت مؤسسة «سويفت»، وهي أكبر شبكة للنظام المصرفي الإلكتروني في العالم، أنها قطعت تعاملاتها مع أكثر من 20 مصرفا إيرانيا، بالإضافة إلى البنك المركزي الإيراني، وفقا لاثنين من المسؤولين المشاركين في المحادثات. وعلاوة على ذلك، قد تطلب الهند، وهي ثالث أكبر مستورد للنفط الإيراني، من إيران توصيل النفط الخام بنفسها إلى الهند حتى تتجنب معامل التكرير الهندية انتهاك القيود المفروضة على تنظيم التأمين، حسب ما أعلن عنه اثنان من المطلعين على تلك المسألة.

وفي مقابلة شخصية مع «بلومبيرغ»، قال نايجل كوشنر، وهو محام متخصص في التجارة الإيرانية والعقوبات المفروضة على إيران: «كان للعقوبات الكثيرة المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أثر مدمر على التجارة الدولية مع إيران». وأضاف كوشنر، وهو الرئيس التنفيذي لشركة «ويل روك ليجال» للمحاماة، التي تتخذ من لندن مقرا لها، والتي من بين عملائها مصدرون في مجال التجارة القانونية مع إيران، إن العقوبات أصبحت مرهقة للغاية للدرجة التي تجعل الكثير من الشركات في مجالات التأمين والشحن تنهي أعمالها المرتبطة بإيران تماما.

ومن جهتها، أخبرت مؤسسة «سويفت»، التي تتخذ من بلجيكا مقرا لها، السلطات الأميركية أنها فضلت طرد البنك المركزي الإيراني من شبكتها على الدخول في العملية المعقدة للحجز والتحقق من المعاملات القانونية، وفقا لمسؤولين أميركيين.

وقال كوشنر: «سيكون لهذا القرار تأثير مدمر. إن الأحداث الأخيرة هي أحداث غير مسبوقة من حيث مداها وتأثيرها، لأن هذا يقترن بضغوط ناجحة وغير رسمية على الشركاء التجاريين لإيران حتى يقطعوا علاقاتهم معها».

وتقول الولايات المتحدة وحلفاؤها إن إيران تسعى لامتلاك قنبلة نووية، في الوقت الذي تقول فيه إيران إن برنامجها يهدف إلى توليد الطاقة والبحوث الطبية.

وقد ارتفعت أسعار النفط بنسبة 8.3 في المائة خلال العالم الحالي، ويعود السبب في ذلك بصورة جزئية إلى احتمال حدوث اضطراب في إمدادات النفط في منطقة الخليج. وعلاوة على ذلك، ارتفع النفط الخام تسليم أبريل (نيسان) بمقدار 52 سنتا، أو ما يعادل 0.5 في المائة، ليغلق أمس عند 107.07 دولار للبرميل في بورصة «نايمكس».

ومنذ التقرير الصادر في الثامن من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من قبل مفتشي الأمم المتحدة، الذي أثار تساؤلات حول البرنامج النووي الإيراني، لجأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران - بما في ذلك العقوبات الأميركية على المعاملات غير البترولية مع البنك المركزي الإيراني، التي دخلت حيز التنفيذ، أمس، والعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على النفط الإيراني، التي تدخل حيز التنفيذ في الأول من شهر يوليو (تموز).

ولم تكن هذه هي العقوبات الوحيدة، ولكنها كانت الخطوات التي لفتت انتباه الرأي العام، حيث اتخذت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضا إجراءات منسقة لإبعاد بنك «تجارت» الإيراني عن النظام المالي العالمي. وكان بنك «تجارت» هو آخر مؤسسة تقوم بتمويل الحركة الكبيرة للصادرات والواردات بين إيران وأوروبا، ولذا فإن هذا الإجراء سيؤثر على عشرات المليارات من اليورو في حركة التجارة. وعلاوة على ذلك، سوف تؤدي العقوبات التي أعلنها الاتحاد الأوروبي في الثالث والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي على أكبر مشغل للموانئ الإيرانية، إلى الإضرار، ويؤثر تجميد أصول مشغل الموانئ الإيراني «تايد ووتر ميدل إيست» على الشركات الأوروبية في تلك التجارة وفي سلسلة التوريدات كذلك. وكان الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول لإيران في عام 2010، حيث وصلت التجارة غير النفطية بين الجانبين في ذلك العام لنحو 13 مليار يورو (17.3 مليار دولار)، حسب البيانات الصادرة عن المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي.

ومن جانبه، وصف المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، حزمة العقوبات، في نشرة إخبارية في التلفزيون الإيراني في الثالث من شهر فبراير (شباط)، بأنها «مؤلمة ومعوقة»، في حين صرح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) بأن «مصارفنا لم تعد قادرة على إجراء معاملات دولية الآن».

وقد أكد مسؤولون إيرانيون أنهم سوف ينتصرون في مواجهة تلك العقوبات، حيث صرح نائب وزير النفط أحمد قلعة باني أمس بأن إيران تصدر نحو مليوني برميل من النفط الخام يوميا، كما أن عدد المشترين في زيادة مستمرة، على الرغم من العقوبات، حسبما ذكرت وكالة «مهر» الإيرانية شبه الرسمية.

وقد ضخت إيران، التي تعد ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، بعد المملكة العربية السعودية، نحو 3.545 مليون برميل من النفط الخام يوميا خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، حسب بيانات وكالة «بلومبرغ»، كما قامت بتصدير نحو 2.58 مليون برميل يوميا في عام 2010، وفقا لإحصائيات منظمة «أوبك».

وقال وكيل وزارة الخزانة الأميركية، ديفيد كوهين، في خطاب ألقاه في نيويورك، أمس، إن الجهود العالمية المستمرة لفرض عقوبات على إيران «قد وضعت ضغوطا اقتصادية ومالية هائلة على النظام الإيراني»، وأضاف أن هذا قد ظهر «في انخفاض عملتها بشكل كبير»، التي فقدت نصف قيمتها منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

وأضاف كوهين: «أدت العقوبات الدولية إلى تعطيل حركة التجارة الإيرانية للدرجة التي جعلت الكثير من المصارف الإيرانية، اعتبارا من أواخر العام الماضي، تعاني من نقص في رأس المال».

وتقول الولايات المتحدة وحلفاؤها إن العقوبات تهدف إلى ممارسة ضغط سياسي على إيران، ولا تهدف لمجرد إصابة الاقتصاد الإيراني بالشلل. وفي حديثها للكونغرس الأميركي أمس، قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إن «العقوبات تؤتي ثمارها، وتمارس الضغط الذي كنا نتمناه».

وأضافت كلينتون للجنة المخصصات في مجلس النواب: «نعتقد، حسبما تشير تقاريرنا ومصادرنا، أن العقوبات لها تأثير داخل إيران. ونعلم أن هناك نقاشا يدور داخل إيران بين مراكز القوى المختلفة».

ومن جهته، صرح رئيس هيئة أركان سلاح الجو الأميركي، نورتون شوارتز، للصحافيين، أمس، في واشنطن، بأن العمليات العسكرية تعد جزءا من خيارات إدارة الرئيس أوباما للتعامل مع إيران. يذكر أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد فرض أربع جولات من العقوبات على إيران منذ عام 2006، في حين قامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض العشرات من العقوبات على الكيانات الإيرانية، بما في ذلك المصارف والتكتلات الهندسية وشركات الشحن ومشغلو الموانئ وشركات الطاقة والأفراد، بغية معاقبة أي جهة لها علاقة بالأنشطة الصاروخية غير المشروعة والأنشطة النووية الإيرانية والضغط على قادة إيران حتى يتخلوا عن البرنامج النووي الإيراني.

وبعد سنوات من حالة الشد والجذب في العلاقات بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن؛ الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، إضافة إلى ألمانيا، وجهت إيران رسالة في وقت سابق من الشهر الحالي، مفادها أن طهران مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي. ويرى مسؤولون أميركيون وأوروبيون أن الضغوط الاقتصادية هي السبب في هذا التراجع الإيراني.

وقالت كلينتون إن المجتمع الدولي يحتاج إلى «اختبار مدى صدق» العرض الإيراني للعودة إلى مائدة المفاوضات.

وقال مارك دوبويتز، وهو المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، إن العقوبات الفردية تضاف إلى استراتيجية «شاملة يعزز بعضها بعضا» وترمي إلى قطع وصول إيران إلى العملة الصعبة، وتغذي بيئة التضخم الجامح في إيران وتجعل العملة الإيرانية لا قيمة لها.

وأضاف دوبويتز أن المحصلة النهائية «ستجعل من الصعب على النظام الإيراني إدارة الأزمة الاقتصادية التي فرضت على شعبه»، مما يضطره إلى تقديم التنازلات.