مدير المشاريع والتكنولوجيا في «شل»: الابتكار أساسي لمعالجة الطلب وعلينا إخراج 1.3 مليار شخص من فقر الطاقة

بيشل لـ : 30% من الطاقة ستأتي من مصادر متجددة بحلول 2050

د. ماتييس بيشل
TT

يشهد القطاع النفطي نقلات نوعية في تقدم التقنيات التي تجعل من العلوم الجيولوجية اليوم الأبرز في تحديد استخراج الطاقة. ومع ارتفاع الطلب على مصادر الطاقة مع مخزونات محدودة، يزداد العمل على تطوير تقنيات للاستخراج الأفضل والأكثر كفاءة للمشتقات النفطية. وهذه القضية على رأس المحاور التي تبحث في «معرض ومؤتمر العلوم الجيولوجية لـ«الشرق الأوسط» (المعروف بـ«جيو») الذي تنطلق أعماله اليوم في المنامة برعاية رئيس وزراء البحرين، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة. وشركة «شل» من أبرز الشركات الحاضرة والراعية للمؤتمر الذي يعقد للمرة العاشرة في المنامة، وينظر في كل التقنيات الجديدة المتعلقة بالمشتقات النفطية. وخص مدير المشاريع والتكنولوجية لدى «شل»، الدكتور ماتييس بيشل، «الشرق الأوسط»، بحوار خاص حول أبرز التقنيات في عالم النفط، بالإضافة إلى الفرص الجديدة لتطوير مجالات الطاقة في الشرق الأوسط. ويعتبر بيشل من أبرز مديري «شل»، إذ تدرج في الشركة بعد الانضمام إليها عام 1980، واختص بتطوير التقنيات والأساليب الرائدة في مجال الطاقة. وفي ما يلي نص الحوار:

* هذه السنة العاشرة التي يعقد فيها مؤتمر «جيو» حول تنمية ونقل تقنيات التنقيب والإنتاج للمشتقات النفطية في الشرق الأوسط، ما أبرز تقدم حصل خلال العقد الماضي؟

- لمنطقة الشرق الأوسط، مع مصادرها النفطية والغازية الهائلة، دور أساسي خلال العقود المقبلة. ولكن لدى المنطقة تحدياتها الخاصة أيضا، مثل تعدادها المتنامي، وخاصة عدد الشباب المتنامي مع طموحاته للعمل والحياة الجيدة، وكل ذلك يؤثر على استهلاك الطاقة. لذلك علينا التركيز على «إنتاج آخر قطرة»، بات الحصول على أكثر ما يمكننا الحصول عليه من المخزون النفطي في غاية الأهمية، وسيزداد أهمية مستقبلا. وللتكنولوجيا والابتكار والتطبيق الجيد دور أساسي في ذلك. وعند النظر إلى الاستكشاف، استثمرنا العام الماضي نحو 3.6 مليار دولار حول العالم, ونواصل إجراء المسوحات الزلزالية، بالإضافة إلى حفر آبار استكشافية في 40 دولة. هذه الأيام، الكثير من هذه الفرص تأتي من خلال الشراكات مع شركات النفط الوطنية، حيث الطلب الرئيسي علينا يكمن في جلب التقنيات الجديدة. ولهذا السبب نستثمر بشكل كبير في البحث والتطوير، ففي الواقع استثمرنا أكثر من 5 مليارات دولار بين عامي 2006 و2010 - أكثر من أي من منافسينا. وأريد أن أشدد على قضية أساسية وتحول مهم في هذا المجال، وهو دور تقنية الاستخراج النفطي المتقدمة (إي أو آر) الذي يلعبه وسيلعبه في الشرق الأوسط. كنت أعمل في الشرق الأوسط عندما عقد أول مؤتمر جيو في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، ولم يتحدث حينها عن «إي أو آر»، ولكنه بات الآن آلية مهمة للاستكشاف والعمل في المنطقة ولهذه التقنية تأثير واسع.

* ما التحدي الأكبر في إقناع الأطراف المعنية في المنطقة بقبول التقنيات الجديدة في صناعة الغاز والنفط؟

- في «شل»، نحن نتوقع أن يتضاعف الطلب على الطاقة في النصف الأول من هذا القرن، وسيكون هذا الطلب مدفوعا من قبل تعداد سكاني متنام، الذي وصل لـ7 مليارات نسمة ومن المتوقع أن يصل إلى 9 مليارات بحلول عام 2050. كما أن نمو الاقتصادات الناشئة يزيد من هذا الطلب، حيث الدخل الإضافي يتنامى فيه. ومع التطلع لمستويات معيشة أفضل يأتي تعاظم استهلاك الطاقة، حيث يشتري الناس ماكينات الغسل والسيارات وأجهزة الكومبيوتر للمرة الأولى في الكثير من الدول. وهذه قضية مهمة، إلا أنه عادة ما يتم تجاهل القصة الإنسانية وراء تفاقم استخدام الطاقة. ولكن هناك عملية لاستخراج الملايين من الناس من فقر الطاقة، حيث نعيش في عالم ما زال 1.3 مليار شخص يعيشون فيه من دون الحصول على الكهرباء. وهذا التحدي بات واضحا أمام الكثيرين في صناعتنا، ومع هذا الوعي تأتي الحاجة لاستخدام كل الوسائل المتاحة للتماشي مع الطلب. تزويد العالم بما يحتاجه من طاقة بطريقة مستدامة سيدفع حواجز التكنولوجية والابتكار، ويتطلب تقنيات جديدة في إنتاج النفط والغاز واستخراجه وتزويده. ومع وجود أكبر مخزونات المشتقات النفطية هنا في الشرق الأوسط، فسيحدث الكثير من الاختراقات التقنية في المنطقة.

* ومن بين هذه الاختراقات التقنية، ما أكبر فرصة للتقدم التكنولوجي في هذا المجال في المستقبل المنظور؟

- على الصعيد العالمي، هناك الكثير من التنمية التكنولوجية المثيرة في قطاع النفط والغاز. بالنسبة لـ«شل»، مفتاح التطور التقني هو الابتكار، ذلك يجعله من الممكن لنا أن نستخرج المصادر من تحت البحار، وأن نستخرج النفط المحصور في الصخور أو المعلق في الرمال القارية. كما أننا نحول النفط الثقيل والغاز الطبيعي والفحم إلى منتجات منخفضة الكربون وعالية الكفاءة لننقلها لاحقا إلى الأسواق حول العالم. وبما أنني هنا في مؤتمر العلوم الجيولوجية، علي الإشارة إلى الاختراق الذي حققناه في تقنية النمذجة الحوضية، وهي جزء أساسي في نجاحنا في مجال الاستكشاف النفطي والغازي. إننا نجمع البيانات التجريبية التي يتم جمعها عبر عقود من استكشاف وإنتاج النفط الغاز، مع تحليل علمي متقدم مبنيّ على المبادئ الأولية من تدفق الحرارة وغيرها من عمليات في الأرض ومخزونات المشتقات النفطية. وقد طورنا برامج وخوارزميات الحاسوب المتطورة للتنبؤ بالتفاعل المعقد بين ضغط السائل مع التدفق على ثلاثة أبعاد، وتحديد كيفية عملية هجرة النفط والغاز من المصدر الصخري من خلال طرق وعرة إلى المصيدة (المخزون). إنني مقتنع بأنه مع هذه التقنيات سيواصل المستكشفون نجاحهم في العثور على المزيد من النفط والغاز في المنطقة.

أريد أن أشير أيضا إلى تقنية تحويل الغاز إلى سائل «جي تي إل» كنموذج رائع لعمل ماكينة «شل» التنقية العالمية هنا في الشرق الأوسط. هذه التقنية جعلتنا قادرين على إنتاج وقود الديسيل للسيارات وغيرها من المنتجات من الغاز. وفي قطر، أصبحت منشأة اللؤلؤة لـ«جي تل إي» تنتج 140 ألف برميل يوميا من منتجات الـ«جي تي إل»، بالإضافة إلى 120 ألف برميل يوميا من سوائل الغاز الطبيعي والإيثان. وكانت تقنية «جي تي إل» محط تركيز جهود «شل» التنقية على مدار 40 عاما، ولدينا 3500 براءة اختراع لإثبات ذلك، تغطي كل جزء من عملية الـ«جي تي إل». هذه تقنية مثيرة حقا تظهر كيف يمكن أن يساعد الغاز في سد الطلب على الطاقة.

* ما أهمية التقنيات مثل الزيت الصخري في سد هذا الطلب المتصاعد على الطاقة والمساهمة في دعم مخزون النفط الخام في المنطقة؟

- في قطاع النفط يستخرج نحو 35 في المائة من النفط من المخزونات، الباقي يبقى محصورا في الصخر، دعم استخراج النفط قد يؤدي إلى إطلاق 300 مليار برميل من النفط تقريبا، بحسب وكالة الطاقة الدولية. وكما أسلفت، نعتقد أن استخراج النفط المتقدم نموذج رائع لتزويد طرق مبتكرة للاستغلال الأفضل للحقول النفطية، إنها تقنية أساسية لتطويل حياة الحقول النفطية والحصول على الفائدة الأكبر من الاستثمار في البنى التحتية. وبينما يمثل استخراج النفط المتقدمة 4 في المائة من إجمالي الإنتاج النفطي، يمكن أن ترتفع هذه النسبة إلى 20 في المائة بحلول عام 2030.

* من المتوقع أن يتضاعف الطلب العالمي للنفط بحلول 2050، كيف يمكن استغلال المصادر الحالية بفائدة أكبر وتكلفة أقل للدول المنتجة للنفط؟

- دعم الابتكار يمثل جزءا أساسيا في حل احتياجات الطاقة العالمية. ولكن هذه الجهود يجب أن تبذل في مجالات أبعد فقط من المختبرات وأقسام البحوث في شركاتنا، إذ اتسعت الآن للطلاب حول العالم في مشاريع مثل «سباق شل البيئي». إنه أمر رائع أن تتنافس فرق طلابية من الشرق الأوسط في السباق المقبل، إنه سباق متعلق بكفاءة الطاقة، لنرى من يمكنه بناء سيارة تذهب أبعد باستخدام طاقة أقل. هذه الفرق ستنضم إلى الآلاف من الطلاب حول العالم المتنافسين في السباق البيئي الذي يجري في 3 قارات حاليا، ويلهم العقول الشابة للعمل على حلول للحركة الأفضل والأكثر كفاءة. النقطة الجوهرية أننا بحاجة إلى رصد القوة الفكرية للناس المقيمين والعاملين في الشرق الأوسط، من أجل استفادة جميع الدول.

* تم تعيينك العام الماضي أستاذا فخريا في جامعة الصين للنفط في بكين. بينما يتواصل نمو الاقتصاد الصيني وتتصاعد احتياجاتها النفطية، مع اقتصادات جديدة أخرى، مثل الهند والبرازيل، كم يؤثر ذلك على عملكم والحاجة إلى تطوير استخراج النفط؟

- إنه فخر عظيم لي أن أكون بروفسورا فخريا في هذه الجامعة العريقة. اقتصاد الصين، كغيرها من الدول الصاعدة، مثل البرازيل والهند، ينمو بنسبة تثير الإعجاب. وهذا النمو يأتي مع نمو في الطلب على الطاقة. إن العرض يعاني من الأساس من الضغوط، ونحن نأتي إلى نهاية مرحلة النفط والغار «السهلة»، أي أن يكون من السهل استكشاف وتطوير النفط والغاز. ولكن ستبقى المشتقات النفطية تشكل ثلثي طاقة العالم حتى منتصف القرن، لذا علينا أن نعظم الإنتاج من المصادر الحالية، بالإضافة إلى المغامرة في نوافذ جديدة للحصول على النفط والغاز الإضافيين.

والضغط الكبير على التسليم. التكنولوجيا تدفع التقدم من أجل إشباع الطلب على المزيد من الطاقة، ولكن التكنولوجيا أيضا تدفع التقدم للتوصل إلى مصادر طاقة نظيفة، ليس فقط من الطاقة المتجددة، ولكن أيضا من الغاز الطبيعي وغيره.

* «شل» في مقدمة الشركات التي تمزج بين مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة. ويفضل الكثيرون في المنطقة التركيز على النفط فقط، ولكن ما مراكز قوة منطقة الشرق الأوسط من حيث الطاقة المتجددة؟

- التخطيط الحكيم لمتطلبات الطاقة يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه جيلنا. وجزء من التحدي سببه أن قضايا الطاقة وتداعياتها تتعدى حدود السياسة والجغرافية والصناعات. نظام الطاقة العالمي بات في المراحل الأولى من انتقال جذري، المستقبل سيشهد استخداما متطورا لمصادر الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري الأنظف. سيكون أمام المستهلكين خيارات أوسع للطاقة، وسيتوجب علينا أن نكون أكثر حكمة في استخدام الطاقة بكفاءة أعلى.

جزء كبير من خليط الطاقة العالمية الأوسع سيرتبط بمصادر الطاقة المتجددة، نعتقد أن 30 في المائة من مصادر الطاقة قد تأتي من الطاقة المتجددة بحلول 2050. ولكن هذا الهدف يتطلب نسبة نمو سريعة، كما يتطلب جهودا واستثمارات مستدامة. «شل» تساعد في هذه الجهود من خلال التركيز على الوقود الحيوي والحرق الأنظف للغاز الطبيعي. ومن خلال مشروعنا المشترك في البرازيل، باتت «شل» المنتج الأول لوقود الإيثانول من قصب السكر، مما يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 70 في المائة بالمقارنة مع البترول التقليدي.

وبالإضافة إلى الوقود الأحفوري، ستزداد أهمية الغاز الطبيعي، فهو الأنظف من حيث الحرق وهو أفضل حليف للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي تحتاج إلى وقود احتياطي مرن عندما تتوقف الرياح والشمس تغيب. ولقد أنعم الله على الشرق الأوسط بأكبر مخزون من الغاز الطبيعي. وحتى وإن بات خليط الطاقة العالمي يعتمد على 30 في المائة من الطاقة المتجددة، سيبقى العالم بحاجة إلى كل أنواع الطاقة مستقبلا.

* تدريب المهارات المحلية ونقل المعلومات أمران أساسيا في وقت تواجه فيه المنطقة نسبا عالية من البطالة.. والدول تحاول تطوير قاعدة المعرفة المحلية، كيف تسهم «شل» في هذا المجال؟

- أطلقنا عام 2010 مشروع «شل» لريادة الأعمال لدى الشباب باسم «انطلاقة» في السعودية. ومنذ ذلك الوقت، شارك أكثر من ألف شاب سعودي في هذا البرنامج التنموي، وأكثر من 200 منهم أطلقوا شركاتهم الخاصة. وقد وقعت «شل» اتفاقات مع صندوق المئوية ومع غرفتي التجارة في جدة والرياض بالإضافة إلى جامعة الملك سعود لمنح التمويل لرواد الأعمال الشباب الناجحين. بالإضافة إلى ذلك، كوننا شريكا موثوقا به ومحترما نحن شركة النفط الوحيدة التي منحت مقعدا في مجلس الصندوق المئوي في السعودية.

واستطاع مشروع «انطلاقة» أن يزود الدعم لرواد الأعمال الشباب لأكثر من 25 عاما، وهو يشكل نموذجا ناجحا لتشجيع الشباب على الاعتراف بفرص مهنية جيدة في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وأن هناك آليات تدريب متاحة. مشروع انطلاقة يعمل في أكثر من 20 دولة وبـ12 لغة، وفي المنطقة عمان ومصر والإمارات وقطر من بين الدول المستفيدة من البرنامج.