هل تكون إيران أول دولة خارج نظام «السويفت»؟

خبير مالي سعودي لـ«الشرق الأوسط»: حظر النفط لم يكن كافيا

أوراق نقدية إيرانية («الشرق الأوسط»)
TT

هل ستكون إيران أول دولة في التاريخ يستبعدها النظام الدولي للبنوك، وهو مجتمع للاتصالات السلكية واللاسلكية المالية بين البنوك العالمية (نظام السويفت)؟

تبدو الإجابة عن هذا السؤال مبكرة إلى حد ما، فالعقوبات الاقتصادية التي يعول عليها في إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات حول برنامجها النووي، تبدأ في مطلع يوليو (تموز) المقبل، يقول خبير مالي سعودي، إن النظام الدولي للبنوك (السويفت)، أعطى الأسبوع الماضي إشارة بالموافقة على استبعاد البنك المركزي الإيراني والبنوك الإيرانية تماما من النظام.

ويعتبر تركي الحقيل، الخبير المالي والحلل الاقتصادي السعودي، في حديث مع «الشرق الأوسط» أن احتمالية استبعاد طهران من النظام الدولي للبنوك العالمية أمر يجري العمل عليه حاليا، ويضيف: «ففي بيان (السويفت) الذي أصدره الأسبوع الماضي، تم التأكيد على أنهم مستعدون للموافقة على استبعاد المركزي الإيراني وبنوكها جميعا من النظام البنكي الدولي تماما»، ويؤكد الحقيل أن هذه الخطوة تعد بداية العقوبات الخانقة التي لن تستطيع طهران معها صبرا.

ويفسر الحقيل هذا التطور في العقوبات بأن السبب في اللجوء له قد يكون لعدم الاستقرار الاقتصادي حول مدى فعالية العقوبات النفطية، ويقول الحقيل ستكون هذه المرة الأولى التي يتم فيها استبعاد بنك مركزي من شبكة العالمية للبنوك، مما سوف يخلق أضرارا قوية وتأثيرا أشد من العقوبات النفطية التي تنتظر طهران.

ويفصل الحقيل بأن نحو 40 بنكا ماليا في إيران يستخدم نظام «السويفت»، فإذا تم استبعاد هذه البنوك، فإن ذلك يعني أن إيران لم يعد بإمكانها إجراء أي تحويلات مالية خارجية أو تستقبل أي مدفوعات مالية على الصعيد الدولي، يقول الحقيل هذا سوف يكون له تأثير مباشر على السيولة الإيرانية التي ستتناقص بشكل كبير، ومع فرض العقوبات على النفط الإيراني، ستعيش إيران عزلة اقتصادية صعبة.

ويشير الحقيل إلى أنه، وفقا للإحصاءات الحكومة الإيرانية، ففي عام 2010، كانت الإيرادات النفطية تشكل نحو 35 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية، بينما يقدر صندوق النقد الدولي أن العائدات النفطية أقرب إلى 75 في المائة من إجمالي الإيرادات.

هنا يوضح الخبير المالي السعودي الفرق بين إحصاءات الحكومة الإيرانية وصندوق النقد الدولي بأن أرقام صندوق النقد الدولي تتضمن الإيرادات الناتجة من الصناديق السيادية، في حين تشير أرقام الحكومة الإيرانية إلى الإيرادات التي تم تحصيلها مباشرة من مبيعات النفط.

يقول الحقيل: «سيكون التأثير المباشر على الصناديق السيادية الإيرانية عن طريق خفض احتياطي العملات الأجنبية على المدى الأطول»، مضيفا أن لدى إيران حاليا احتياطيات من العملات الأجنبية كافية لتغطية 12 شهرا من الواردات.

وعلى فرض أن إيران فقدت 30 في المائة من صادراتها النفطية بسبب العقوبات العالمية (انخفض التصدير الإيراني للنفط بنحو 715 ألف برميل يوميا منذ الحديث عن فرض الحظر على النفط)، وهذا يعادل أكثر من ثلث إجمالي الصادرات البترولية الإيرانية، يقول الحقيل إن ذلك سوف يؤثر فقط على الإيرادات النفطية التي تشكل 35 في المائة فقط من إجمالي العائدات الحكومية، مما يبدو أن العقوبات لن يكون لها تأثير كبير، وخصوصا أن إيران لديها حاليا فائض مالي في الميزانية يشكل نحو 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ويضيف: «أما إذا تم حساب الخسائر بناء على بيانات وأرقام صندوق النقد الدولي للإيرادات النفطية الإيرانية، التي تضم عائدات الصناديق السيادية، حيث تشكل 75 في المائة من إجمالي الإيرادات، فإن أرقام الخسائر التي سيدفعها الاقتصاد الإيراني ستكون أكبر بكثير»، ويضيف الحقيل: «سيحدث سقوط في إجمالي الإيرادات الحكومية بنحو 25 في المائة، وسيكون لذلك تأثير سلبي على الاقتصاد الإيراني».

لكن يبقى أن القائد للضغط السياسي على طهران هو العقوبات النفطية، هنا يقول الحقيل في حال فرض الحضر على النفط الإيراني بشكل كلي وتزامنا مع موسم الصيف الذي يمثل فترة نمو معتادة في الطلب على النفط، فإن السعودية ستكون على موعد للإنتاج بمستويات جديدة تلامس 11 مليون برميل يوميا، لمواجهة الطلب العالمي.

ويرى الحقيل أن الخطوة التي اتخذتها إيران، بوقف صادراتها النفطية إلى كل من بريطانيا وفرنسا، كانت خطوة متوقعة، لإحداث ضغط عكسي على الأسعار والمستهلكين لزعزعة الأسعار في لسوق النفط العالمية، كما تم تلفيق شائعة انفجار أنبوب نفطي في السعودية، التي نفتها الحكومة السعودية في حينها، أدت بلا شك إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، وأيضا أعطت بعض المساحة للتفكير عن نفط بديل عن النفط الإيراني.

يقول الحقيل إن الأحداث السياسية والاقتصادية أثرت وغيرت التنبؤات باتجاه أسعار النفط خلال 2012، فمنذ إقرار الولايات المتحدة الحظر على النفط الإيراني، وتجميد أصول البنك المركزي الإيراني، ثم تبعتها في ذلك الدول الأوروبية، أدى ذلك لرفع الأسعار من مستويات 100 دولار لمزيج غرب تكساس إلى 106 دولارات حاليا وبرنت من 112 دولارا إلى 123 دولارا حاليا.

وفي الوقت الذي شهدت فيه أسعار النفط ارتفاعا، خفضت وكالة الطاقة الدولية من توقعاتها لنمو الطلب العالمي من 1.1 مليون برميل يوميا إلى 0.8 مليون برميل يوميا ليكون إجمالي الطلب العالمي 89.9 مليون برميل يوميا، بينما لا يزال إجمالي الإمدادات يتراوح عند 84.1 مليون برميل أي بفجوة قدرها 5.8 مليون برميل يوميا تعمل على توازن الأسعار العالمية، لكن ذلك لم يكبح نمو الأسعار.

يشير الحقيل إلى أن الظروف السياسية والاقتصادية أدت إلى زيادة السعودية إنتاجها النفطي (التي تمتلك أكبر طاقة إنتاجية في «أوبك») إلى نحو 10.18 مليون برميل يوميا كمتوسط منذ بداية العام، مع تصدير خارجي نحو 7.78 مليون برميل يوميا كمتوسط.

ويرى الحقيل أنه يمكن للسعودية وبكل سهولة أن تغطي أي نقص في الإمدادات النفطية العالمية وتلبية الطلب العالمي عبر طاقتها الاحتياطية الفائضة التي تشكل أكثر من 1.9 مليون برميل يوميا وبنفس الجودة، بحسب التقرير الأخير لوكالة الطاقة الدولية.

وفسر الحقيل ذلك بأنه يتناسب مع توجيهات السياسة النفطية السعودية في الاحتفاظ بفائض نفطي قرب 1.5 إلى مليوني برميل يوميا، لسد الفجوات والإمدادات النفطية في السوق العالمية إن طلب منها، للمحافظة على استقرار السوق النفطية، لكن هذا الطاقة الفائضة، وهي عامل ترجيح السعودية في السوق النفطية، قد تتراجع في مطلع يوليو (تموز) إلى 1.4 مليون برميل، ويضيف الحقيل أن هذا لا يخيف الدول المستهلكة، وهو ما يدفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة مهمة، مثل حظر النفط الإيراني.

الحضر على النفط الإيراني قد يكون له تأثير أكبر قبل حلول موعد تطبيق العقوبات، فلم تفقد إيران حتى الآن 30 في المائة فقط أسقطتها من حسابات الإيرادات الحكومية، لكن، وبحسب الحقيل، يضاف لها خفض واردات الصين من النفط الإيراني، وهو موقف أكثر صلة بقضايا التسعير، وليس علامة على أن الصين تتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الحظر والعقوبات التي تم فرضها على إيران.

ويتابع الحقيل: «فوفقا للإحصاءات الصينية الرسمية لشهر يناير (كانون الثاني)، فإن الواردات النفطية من إيران قد انخفضت نحو 5.3 في المائة مقارنة بنفس الفترة في العام الماضي، في الوقت الذي ارتفعت وارداتها من النفط السعودي بنحو 14.6 في المائة مقارنة بنفس الفترة العام الماضي».