قروض الطلبة «قنبلة الديون المقبلة المحتملة» بالنسبة للاقتصاد الأميركي

مع تزايد المؤشرات على قرب حدوث فقاعة في القطاع

TT

يحمل المحامون المتخصصون في قضايا إشهار الإفلاس لأميركا رسالة مخيفة، حيث يلاحظون مؤشرات تدل على قرب حدوث فقاعة ديون طلبة، تزيد من الضغوط المالية على الأسر التي تعاني من تزايد أعباء ديون أبنائها. وأوضحت دراسة حديثة أجراها الاتحاد القومي لمحامي قضايا إفلاس المستهلك، أن 80 في المائة من محامي قضايا الإفلاس لاحظوا زيادة كبيرة في عدد العملاء الذين يطالبون بتخفيف ديون الطلبة على مدى الأعوام القليلة الماضية. وفي أكثر الحالات، لا تنطبق على هؤلاء العملاء المعايير الفيدرالية الخاصة بالتعثر، واللازمة من أجل إسقاط ديون طالب من خلال إجراءات إشهار الإفلاس. عوضا عن ذلك، يواجه الكثير من هؤلاء الآباء أو الأوصياء، الذين شاركوا في التوقيع على قروض الطلبة، احتمال خسارة كل مدخراتهم أو سياراتهم أو منازلهم، حيث ستحصل عليها وكالات التحصيل التي تعمل لحساب المقرضين العدوانيين. وقال ويليام بروير، رئيس «إن إيه سي بي إيه»: «ربما تكون هذه هي قنبلة الديون المقبلة بالنسبة للاقتصاد الأميركي» التي تشبه أزمة الرهن العقاري التي أدت إلى الأزمة المالية الأميركية. وقال بروير: «من الواضح أن تخلف الطلبة عن سداد الديون لن يحدث على المدى القصير التأثير الذي أحدثه التخلف عن سداد قروض الرهن العقاري. ما يثير قلقي هو تأثير ذلك على المدى الطويل، حيث سيكون أكثر خطورة لأن الناس الذين يسعون للحصول على قروض طلبة من أجل الحصول على مؤهل عال أو إعادة تدريب» لن يخاطروا بتسديد القروض من خلال مصادرة ممتلكاتهم. وأضاف: «إن أفضل أبنائنا وأكثرهم ذكاء لن يحصلوا بالضرورة على مستوى التعليم اللازم لتحقيق تقدمنا».

وارتفعت قيمة القروض التي يحصل عليها الطلبة من 100 مليار دولار عام 2010 إلى 867 مليار دولار العام الماضي، أي أكثر من قيمة قروض بطاقات الائتمان التي تقدر بـ704 مليارات دولار، بحسب مصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. وتخلف 14.4 في المائة على الأقل من 37 مليون مقترض، ممن لهم حسابات قروض ضخمة، خلال الربع الثالث من عام 2011، عن سداد قسط واحد على الأقل من الديون. ويبلغ إجمالي قيمة هذه الحسابات 85 مليار دولار أو نحو 10 في المائة من إجمالي حسابات قروض الطلبة. ويبلغ متوسط دين طلاب السنة النهائية من الجامعة، الذين تخرجوا دون أن يسددوا قرضهم، 25250 دولارا، أي أكثر من متوسط العام الماضي بنسبة 5 في المائة، بحسب دراسة أجرتها مؤسسة «إن إيه سي بي إيه». ويتحمل الآباء مسؤولية تسديد نحو 34 ألف دولار في المتوسط من قروض الطلبة، وارتفع العدد ليتجاوز 50 ألف دولار خلال مدة 10 سنوات. وحصل نحو 17 في المائة من الآباء، الذين تخرج أبناؤهم عام 2010، على قروض بضمان أملاك بزيادة نسبتها 5.6 في المائة، مقارنة بالفترة من عام 1992 إلى 1993.

وحذر تقرير أجراه مركز بيو للأبحاث وسجل التعليم العالي عن العام الماضي، من وصول القلق العام من ارتفاع تكلفة التعليم الجامعي إلى ذروته. وأوضح التقرير، الذي ذكر أن تكلفة التعليم الجامعي أجلت اتخاذ قرارات حياتية أخرى، أن خريجي الجامعات من ذوي الدخل المحدود أو الذين يعانون من أعباء ديون الطلبة، يتشككون في قيمة شهاداتهم الجامعية. ويقدم آل إنغام المقيمون في ضاحية مينابوليس نموذجا لكيفية تورط أسرة في الأعباء المالية. وشارك ديفيد إنغام، وهو من المحاربين القدامى أصيب بإعاقة ويبلغ من العمر 70 عاما، في التوقيع على قروض بقيمة 50 ألف دولار حتى يلتحق ابنه بكلية فنون في مينابوليس وكذلك بجامعة كاثوليكية في واشنطن. وعمل ابن إنغام في وظيفتين بعد تخرجه في الجامعة الكاثوليكية، لكنه تم تسريحه في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2009 ولم يعثر على وظيفة أخرى منذ ذلك الحين. عندما لم يتمكن ابنه من تسديد قروضه، أقامت وكالة «سالي ماي» للتحصيل دعوى قضائية ضد الأسرة، سعيا لمصادرة شقة إنغام في إدينا. وقال ديفيد إنغام: «إنها شقة رائعة عملت بجد لسنوات من أجل الحصول عليها، والآن لا نعرف ما سيحدث». وبينما يتحدث إنغام عن صدمته هو وأسرته وإحباطهم، يشعر آخرون بالغضب والتحدي. ووقّع أكثر من 125 ألف شخص على التماس على شبكة الإنترنت احتجاجا على دفع رسوم تأخير قدرها 50 دولارا فرضتها وكالة «سالي ماي»، المؤسسة العملاقة الخاصة التي تعمل في مجال قروض الطلبة، وهي رسوم ظلت الوكالة تفرضها لسنوات كانوا يضطرون خلالها إلى تأجيل تسديد الأقساط قليلا. ولا تفرض البرامج الفيدرالية التي تقدم قروضا هائلة مثل هذه الرسوم. ونظمت ستيف غراي، خريجة «هانتر كوليدج»، من نيويورك والتي دفعت غرامة تأخير قدرها 300 دولار للوكالة منذ شهر مايو (أيار)، أمر الالتماس أملا في إقناع «سالي ماي» بالتخلي عن تقاضي هذه الرسوم اقتداء بـ«بنك أوف أميركا» والمؤسسات المالية الأخرى التي تراجعت عن تقاضي رسوم لقيت رفضا شعبيا، وأثارت احتجاجات على الإنترنت. وأصبحت غراي، التي تبلغ من العمر 23 عاما وتقيم في بروكلين، ممثلة لتورط الشباب الأميركي في أعباء الديون، فقد عملت غراي، التي فقدت والديها، في وظائف بدوام جزئي إلى جانب الدراسة، وتدين بثلاثة قروض لـ«سالي ماي». ولم تعثر غراي على وظيفة بدوام كامل منذ تخرجها وحصولها على الماجستير في مايو في أنظمة المعلومات الجغرافية، وتقول إنها لم تحصل سوى على وظائف مؤقتة، ومنها وظيفة نادلة. ومن دون حصولها على دخل ثابت، سيكون من المستحيل دفع 700 دولار شهريا لتسديد ديونها التي تبلغ 40 ألف دولار. ولم تتمكن غراي من الحصول على قرض لتسديد باقي ديونها أو التفاوض مع «سالي ماي» بشأن تحسين وتيسير شروط الدين. وفي كل مرة تؤجل فيها تسديد الدفعة المستحقة عن ثلاثة قروض، كانت وكالة «سالي ماي» تفرض عليها رسوم غرامة قدرها 50 دولارا عن كل دين بإجمالي 150 دولارا، وقالت: «ربما لا تبدو هذه الرسوم مرتفعة، لكنها كذلك بالنسبة لي ولظروف فقدي والدي، وعدم وجود فرصة عمل، وعدم الحصول على إعانة بطالة». وتقول إنه بسبب الفائدة المركبة على كل جزء مستحق من الدين ولم يسدد، وما يتعلق بذلك من جزاءات، ارتفع القرض الأساسي الذي حصلت عليه، والذي كان 40 ألف دولار، إلى 65 ألف دولار. وتوضح قائلة: «إن الفائدة مثل كرة الثلج» التي تكبر كلما تدحرجت. في بداية شهر فبراير (شباط)، صرحت وكالة «سالي ماي» بأنها بصدد تغيير كيفية تعاملها مع رسوم التأخير. وقالت المتحدثة باسم الوكالة، باتريشيا كريستيل: «عندما يطلب العملاء الذين يعانون من مشكلات مالية مؤقتة تأجيل سداد قسط الدين، نطلب الحصول على مبلغ يثبت حسن نواياهم للتأكيد على الشروط والعواقب طويلة الأجل المترتبة على اتخاذهم القرار بتأجيل دفع القسط المستحق». ورفضت المؤسسة التخلي عن الجزاءات، لكنها قالت إنها ستعيد المال إلى حساب المدين بمجرد التزامه بدفع الأقساط لمدة ستة أشهر متتابعة. ووصفت غراي هذه السياسة بـ«النصر الجزئي»، لكنها أشارت إلى أنها ستظل مطالبة بدفع رسوم قدرها 150 دولارا كل ثلاثة أشهر، لأنها لم تعثر حتى هذه اللحظة على وظيفة بدوام كامل. وتقابل منظمون آخرون لهذه الحملة مؤخرا في واشنطن مع عضو مجلس النواب الديمقراطي عن ولاية ديترويت، هانسين كلارك، لتقديم دعمه لهم في مواجهة الرسوم التي تفرضها الوكالة. وتقدم كلارك بمشروع قانون بشأن إسقاط ديون الطلبة في إطار الحوافز الاقتصادية. وقالت غراي: «لقد وضعوني في موقف يحتم علي إما دفع هذه الرسوم أو أواجه خطر التخلف عن السداد. وفي حال التخلف عن السداد، ربما لا أستطيع شراء منزل مطلقا، أو حتى استئجار شقة مرة أخرى، أو شراء سيارة، أو الحصول على وظيفة، حيث يفحص أصحاب العمل السجل الائتماني للمتقدمين للوظائف. وأعتقد أنه من السخف أن تكون شركات بطاقات الائتمان أرحم من مقرضي الطلبة».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»