هل سيحرق ارتفاع أسعار الوقود أوراق أوباما الانتخابية؟

الناخبون الأميركيون يقولون: يمكنه تخفيضها.. بينما يرى الخبراء العكس

TT

إلى أي مدى يمكن للرئيس أن يؤثر على أسعار البنزين؟ سؤال طرحته صحيفة «الواشنطن بوست» الأميركية. وترى الصحيفة أن الناخبين الأميركيين يقولون: «يمكنه فعل الكثير»، بينما يرى خبراء النفط أنه لا يستطيع القيام بالكثير، على المدى القريب على الأقل.

وتأتي أسعار النفط اليوم نتاجا لسنوات وعقود من الاستكشافات، وتصميم السيارات والعادات الاستهلاكية المتأصلة، فضلا عن الأحداث السياسية في أماكن مثل السودان وليبيا والقلق بشأن النزاع المحتمل مع إيران، والهزات الارتدادية للطاقة لزلزال اليابان العام الماضي.

ويقول بول بليدسو، الاستشاري الاستراتيجي لمركز السياسة الحزبية والمسؤول السابق في إدارة كلينتون: «الانطباع بأن السياسي قادر على أن يلوح بعصا سحرية ويؤثر على سوق النفط العالمية التي يبلغ قوامها 90 مليون برميل يوميا، أصبح ضربا من الخيال الآن».

وتشكل أسعار البنزين قاسما مشتركا قويا في الحملات الرئاسية، فقد كافح الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر مع أسعار البنزين المرتفعة، والتي تضاعفت منذ الثورة الإيرانية، وخلال حملته الرئاسية عام 2008 قال باراك أوباما في كلمة له، إنه «هنا في أوهايو، تدفعون 3.70 دولار لغالون واحد من البنزين، أي مرتين ونصف المرة ضعف تكلفته عندما تولى الرئيس بوش منصبه».

ودافع باراك أوباما يوم الاثنين الماضي عن سياسته في مجال الطاقة في سلسلة من المقابلات مع محطات تلفزيونية تابعة للدولة، بينما تأرجح الطامحان نويت غينغريتش وريك سانتورم في قمة للطاقة في بيلوكسي بولاية ميسوري. وقال سانتورم: «إذا أردنا خفض أسعار الطاقة، فنحن نعرف كيف نفعل ذلك»، لكن المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض رد، ملقيا اللوم على العوامل «التي تتجاوز نطاق سيطرة الإدارة».

ما الذي يستطيع الرئيس أن يتحكم به؟ يقول الجمهوريون إن الرئيس أوباما لم يبذل جهدا كافيا هذا العام لتشجيع عمليات التنقيب، عدد منصات الحفر يبلغ ضعف ما كان عليه العدد في عام 2009. وباستثناء الارتفاع الحاد في عام 2008 فإن عدد الآبار أعلى مما كان عليه في بداية التسعينات، بحسب الإحصاءات التي قامت على جمعها مؤسسة «دبليو تي آر جي إكونوميكس».

وقد أشار البيت الأبيض مرارا إلى الزيادة في الإنتاج النفطي المحلي عندما تحدث بشأن ما سماه «سياسته الأبرز» لتطوير مصادر الطاقة الكثيرة، لكن ما حدث كان نتيجة لتقنيات الحفر الجديدة، وسحر أسعار النفط الخام العالية والمشاريع البحرية التي بدأت قبل دخول أوباما البيت الأبيض. فقد بدأت شركة «شل» على سبيل المثال في إنتاج النفط في خليج المكسيك من منصتها برديدو خلال رئاسة أوباما. واشترت حقا إيجاريا للمنطقة في عام 1996، وبدأت تنميتها التجارية في عام 2006.

ويقول فرانك فيراسترو، مدير برنامج الطاقة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «الجميع يثقون بما في أيديهم».

ويرى خبراء الطاقة أن السياسة الأميركية تحدث تقدما، لكن ذلك كان رهين تأجيل طويل، سواء أكان الأمر يتعلق بزيادة التنقيب عن النفط أو بترشيد استهلاك الوقود لأسطول السيارات الذي يتطلب عقدا أو أكثر لإنهائه.

ويقول جاي هيكس، المدير السابق لإدارة معلومات الطاقة، والذي يعمل في الوقت الراهن مديرا لمتحف ومكتبة جيمي كارتر: «هناك فاصل زمني جوهري بين سياسات تبني الطاقة (بناء على جانبي العرض والطلب) وتأثيرها على السوق. ويستحق جورج بوش الإشادة لتوقيعه تشريعا في عام 2007 حال دون تدهور الموقف الحالي، لكنه لن يحصل على أي إشادة». وأشار هيكس إلى أن أوباما يسير الآن على الطريق الصحيح لتيسير الأسواق المستقبلية، مستشهدا بقرارات الرئيس بفتح مناطق جديدة للاستكشاف والتنمية، والتي كان أغلبها على الساحل القطبي لولاية ألاسكا، والتعامل بفاعلية مع الطلب على النفط عبر رفع معايير الكفاءة في السيارات.

لكن ذلك لم يوقف القادة الجمهوريين والناخبين من إلقاء اللوم على الرئيس لارتفاع أسعار الوقود التي قفزت إلى 3.80 دولار للغالون، بحسب مؤسسة AAA. هذه الزيادة التي بلغت 29.5 في المائة في سعر الغالون ستؤدي، إذا ما استمرت، إلى القضاء على تأثير خفض الضرائب على الرواتب خلال الربع الحالي، وتأتي على المال الذي كان المفترض أن ينفقه المستهلكون في شراء غرض آخر. وحتى لو لم يلق الناخبون اللوم على الرئيس أوباما بشكل مباشر بشأن الزيادة، سيظل الاقتصاد البطيء يؤثر على التوقعات بشأن إعادة انتخابه.

وربما لم يحمل أحد من السياسيين الرئيس اللوم أكثر من غينغريتش، الذي قال إنه وضع خطة لخفض الأسعار إلى 2.50 دولار للغالون، ويعوض الخسائر التي يمكن أن تنجم من الهجوم على إيران، التي تصدر 2.5 مليون برميل من النفط الخام يوميا.

وقال فيراسترو من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «ليس ثمة طريقة يمكننا من خلالها أن نزيد الإنتاج بتلك الدرجة». وأضاف: «لكن لتذهب الحقائق إلى الجحيم. إنه موسم انتخابات».

أما عن تقليل أسعار المضخات في الولايات المتحدة، فإن هذا سيتطلب تقليل أسعار النفط الخام في العالم. ويمثل النفط الخام نحو ثلاثة أرباع تكلفة غالون من الغاز عند هذه المستويات من الأسعار، بحسب إدارة معلومات الطاقة. بالمقارنة، تمثل الضرائب نسبة 12 في المائة فقط، في حين يمثل التكرير نسبة تقدر بنحو 6 في المائة، بينما يشكل كل من التوزيع والتسويق نحو 6 في المائة.

ولقد عانت سوق النفط الدولية من ضغوط، لا بسبب عامل واحد مثل التنقيب في الولايات المتحدة، وإنما بفعل سلسلة أزمات قللت إنتاج النفط أو زادت من حجم الطلب على مستوى العالم. وهذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى فارق يقدر بنحو مليون برميل يوميا في ميزان النفط العالمي.

وفي أعقاب موجة تسونامي وزلزال العام الماضي، أغلقت اليابان جميع محطات الطاقة النووية بها والبالغ عددها 54 محطة، وبدأت تحرق كميات أكبر من النفط لتوليد الكهرباء، ويستخدم قطاع الطاقة بها براميل أكثر بمقدار 320.000 برميل من عدد البراميل التي كان يستخدمها قبل وقوع هاتين الكارثتين، بحسب وكالة الطاقة الدولية.

وفي السودان، تسببت المشاحنات بين الشمال والجنوب والنزاع حول عائد خطوط الأنابيب في تقليل حجم الإنتاج بنحو 240.000 برميل يوميا، بحسب وكالة الطاقة الدولية. كذلك، تسببت الاضطرابات في اليمن وسوريا في تقليل عدد براميل النفط بنحو 100.000 برميل يوميا بكل منها. ويشهد إنتاج النفط في ليبيا تحسنا عن الهبوط الذي شهده في الحرب الأهلية التي اندلعت بها العام الماضي، ولكن بقيمة 1.3 مليون برميل يوميا، لا يزال حجم الإنتاج أقل من الطاقة الإنتاجية اليومية المطلوبة بنحو 300.000 برميل يوميا، بحسب شركات متخصصة في تجارة النفط. ونتيجة لمشكلات الصيانة في بحر الشمال، تنتج النرويج وبريطانيا نحو 160.000 برميل نفط يوميا، وهو كم أقل من المعتاد، بحسب وكالة الطاقة الدولية.

وفي الصين، تباطأ النمو الاقتصادي، غير أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع ارتفاع حجم الطلب بقيمة 400.000 برميل يوميا.

وفي هذا العام، سيبلغ حجم الطلب العالمي على النفط 89.9 برميل يوميا، بحسب وكالة الطاقة الدولية، مما يقلل من الطاقة الإنتاجية الفائضة إلى مستوى أقل من صادرات إيران. وقد قض ذلك مضاجع شركات تكرير وتجارة النفط. ونظرا لأن منتجات النفط تشكل أهمية كبيرة للشركات ولسائقي السيارات، فإن التغيرات المتصاعدة في ميزان العرض والطلب لها تأثير ضخم نسبيا على الأسعار.

هل المضاربون هم المشكلة؟ يضخم التجار من حجم وسرعة تقلبات الأسعار، حتى وإن لم يغيروا الاتجاه. يحمل مضاربون كبار مراكز طويلة بأرقام قياسية في الغازولين، والتي تجدي نفعا لدى ارتفاع الأسعار، ومراكز طويلة بأرقام شبه قياسية في النفط الخام، حسبما يشير إد يارديني، رئيس شركة «يارديني ريسرش» وكبير خبرائها الاستراتيجيين في مجال الاستثمار. وبشرائهم هذه الحصص في السوق، يسهمون في رفع الأسعار الآن.

وعادة ما يُلقى باللوم على صيانة معامل التكرير الأميركية في ارتفاع أسعار الغازولين، غير أن أسعار النفط الخام كانت مرتفعة في أوروبا وآسيا، وأيضا في مناطق بعينها من الولايات المتحدة. ويتمثل إجراء يمكن لأي رئيس القيام به في سحب نفط من احتياطي النفط الاستراتيجي الذي يتم الاحتفاظ به في كهوف ملحية ضخمة بالقرب من خليج المكسيك. وقد حدث هذا ثلاث مرات، مع بدء عملية عاصفة الصحراء عام 1991، بعد أن اجتاح إعصار كاترينا منشآت إنتاج وتكرير النفط في دول الخليج عام 2005، وإبان الحرب الأهلية الليبية عام 2011. وفي عام 2000، أمر الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بسحب نفط من الاحتياطي، سامحا لمعامل التكرير بإعادة النفط مجددا في عام 2001.

غير أن خبراء النفط منقسمون بين تأثير عملية السحب هذه. وفيما مضى، أدى السحب من احتياطي النفط الاستراتيجي إلى خفض الأسعار، ولكن بشكل عارض فقط، إضافة إلى ذلك، فإن احتياطي النفط البالغ 696 مليون برميل، الذي يمكنه، على سبيل المثال، أن يعوض تعليقا مدته 280 يوما لصادرات النفط الإيرانية، هو مخزون طوارئ لحالات نقص الإمدادات، لا لوسيلة للحد من زيادات الأسعار.

ولقد ظهرت قضايا أخرى لا تمت سوى بصلة محدودة، إن وجدت، لأسعار الغاز الحالية. ولن يضيف التصديق على خط أنابيب «كيستون إكس إل»، الذي رفضه أوباما بمساره الحالي وسلط عليه غينغريتش الضوء يوم الاثنين كخطوة مفيدة، لحجم النفط الحالي، بل سيضيف فقط إلى الطاقة الإنتاجية الفائضة لخط الأنابيب في كندا، والتي من المتوقع أن تستمر حتى عام 2016. إن مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية تجعل شبكة الكهرباء أكثر نقاء، لكنها لا تؤثر بأي شكل على أسعار النفط. قد تفيد السيارات التي تعمل بالكهرباء، لكن المرجح ألا ترقى أرقام مبيعاتها لأهداف الإدارة. وسوف تؤدي زيادة إنتاج الولايات المتحدة إلى تقليل واردات النفط الأميركية وتخفيف الضغط على الطلب العالمي، غير أن الولايات المتحدة ستظل مستوردا رئيسيا للنفط لعدة سنوات.

وقال فيراسترو: «نحن نحتاج إلى مناقشة عقلانية تقوم على حقائق، لكن لسوء الحظ، ليس ذلك هو المناخ الذي نعيش فيه».