انتعاش بيع السندات يعيد التفاؤل بإمكانية احتواء أزمة الدين السيادي في أوروبا

إقبال ملحوظ على سندات الشركات الكبرى في منطقة اليورو

رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي (يسار) يتحدث مع محافظ المركزي الأوروبي حول إعادة بناء الثقة في الاقتصاد الايطالي (أ.ب)
TT

يمتد الانتعاش الذي تشهده أوروبا إلى سوق ديون الشركات في المنطقة، حيث يقوم المقترضون ببيع السندات بأقصى سرعة خلال عامين. وتزعمت «فيات إس بي إيه (إف)»، كبرى الشركات الصناعية في إيطاليا، وشركة «دايملر إيه جي» و«إلكتريسيت دو فرانس إس إيه» عروض سندات بقيمة 6.6 مليار يورو (8.7 مليار دولار) في أكثر أيام إصدار السندات ازدحاما منذ 12 يناير (كانون الثاني) 2010، بحسب بيانات جمعتها وكالة «بلومبرغ».

وزاد حجم مبيعات شركة «دايملر» في شتوتغارت بألمانيا إلى 750 مليون يورو من 500 مليون يورو، فيما باعت «إلكتريسيت دو فرانس» في باريس سندات تقدر قيمتها بـ1.6 مليار يورو، وطرحت «فيات» أول إصدار قياسي منذ يوليو (تموز). ويزيد ضخ البنك المركزي الأوروبي سيولة نقدية في البنوك من خلال القروض وإعادة هيكلة ديون اليونان حالة التفاؤل بإمكانية احتواء أزمة الدين السيادي في المنطقة. وقد انخفضت تكلفة الاقتراض بالنسبة للشركات الأوروبية غير المالية بمعدل أسرع هذا العام عنها بالنسبة لجهات إصدار السندات في الولايات المتحدة، بحسب بيانات بنك «أميركا ميريل لينش».

وقال إدوارد مارينان، خبير الائتمان الكلي في «رويال بنك اسكوتلندا» في ستامفورد وكونكتيكت «في الوقت الذي ما زالت تواجه فيه أوروبا كثيرا من التحديات الواضحة، كان هناك رد فعل تنظيمي وسياسي تجاه مشكلات منطقة اليورو». وأضاف «لقد انعكست الرغبة في خوض غمار مخاطر في إصدار جديد قوي».

وتتجه السندات التي أصدرها المقرضون غير الماليين في المنطقة نحو أفضل ربع مالي لها منذ عام 2009، محققة عائدات نسبتها 3.33 في المائة منذ نهاية ديسمبر (كانون الأول)، بحسب مؤشر بنك «أميركا ميريل لينش». وقد حققت أوراق مالية مماثلة في الولايات المتحدة عائدا نسبته 0.19 في المائة، بحسب مؤشر منفصل. وتضاءل العائد الإضافي الذي يطلبه المستثمرون لشراء دين شركة في منطقة اليورو بدلا من أوراق مالية حكومية ألمانية بقيمة 61 نقطة أساس منذ ديسمبر ليصل إلى 140 نقطة أساس أو 1.4 في المائة. كذلك، انخفضت الفروق بين سعري العرض والطلب في الولايات المتحدة بقيمة 45 نقطة أساس لتسجل 160 نقطة أساس.

واستمر تدفق الإصدارات أمس من خلال طرح كل من شركة «بي إيه إيه فاندينغ» المحدودة، صاحبة مطار هيثرو في لندن، و«نيست أويل أويج» (إن إي إس آي في) و«آر سي آي بانك إس إيه» والوحدة المالية بـ«رينو إس إيه». وقال خوان استيبان فالينسيا، خبير الائتمان في «سوسيتيه جنرال إس إيه» في لندن «ما نراه الآن هو استمرار لذلك المسار الإيجابي بعد صفقة اليونان». واستكمل قائلا «الفروق بين سعري العرض والطلب تقل، والعائدات محدودة جدا، مما يجذب جهات إصدار السندات بدرجة كبيرة لطرح سنداتها في السوق». وفي مواضع أخرى بأسواق الائتمان، تخطط شركة «أميريكان إكسبريس» لبيع أوراق نقدية أجلها خمس سنوات تقدر قيمتها بـ1.5 مليار دولار، بحسب شخص مطلع على تفاصيل الصفقة. وربما تحقق الأوراق النقدية عائدا أكبر بمقدار 130 نقطة أساس من سندات الخزانة التي لها الأجل نفسه، بحسب الشخص الذي رفض الكشف عن هويته نظرا لأنه لم يتم تحديد شروط الاتفاق بعد.

وتعتزم شركة «نوبل غروب» المحدودة (إن أو بي إل)، أكبر شركة تجارة سلع مدرجة بالبورصة من حيث حجم المبيعات، تأجيل تسويق قرض قيمته 1.5 مليار دولار في سوق القروض المشتركة، بحسب ثلاثة أفراد مطلعين على الأمر. ويذكر أن الشركة كانت قد خططت للبدء في تسويق القرض في سوق القروض المشتركة أمس. ومع ذلك، فإن بعض جهات الإقراض التي تم التقدم إليها لإجراء ترتيبات عملية التسويق أو المصارف الكبرى طلبت وقتا أطول للاستعداد، حسبما أشار الأفراد المطلعون، الذين اشترطوا عدم الإفصاح عن هويتهم نظرا لسرية التفاصيل. وكان الموعد النهائي الأصلي المحدد بالنسبة للمنسقين المحتملين للرد على الشروط التي أرسلتها شركة «نوبل» هو الأسبوع الماضي. وطالبت بعض المصارف بمد الفترة بهدف معالجة عمليات التصديق الداخلية على الائتمان. وقالت الشركة في بيان «لا يوجد أي تأجيل في جدولنا الزمني». وقالت جيني كيم، مديرة أسواق رأس المال بشركة «نوبل» المقيمة في هونغ كونغ، إنه سيتم توجيه بيان علني في الوقت المناسب.

وتعتبر سندات «مورغان ستانلي» أكثر الأوراق المالية للشركات الأميركية تداولا من قبل المتعاملين، من خلال 221 عملية تداول بلغت قيمتها مليون دولار أمس أو أكثر في نيويورك بحسب «تريس»، نظام إعداد التقارير الخاصة بأسعار السندات التابع لسلطة تنظيم صناعة الأوراق المالية.

ومنح ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، للمصارف أكثر من تريليون يورو (1.31 تريليون دولار) في صورة قروض بأجل ثلاث سنوات في ديسمبر وفبراير (شباط) من خلال عملية إعادة التمويل طويلة الأجل التي يجريها من أجل دعم النظام المالي.

وفي الوقت نفسه، وضع مزاد علني لتسوية مبادلات مخاطر ائتمان قائمة مرتبطة بالدين اليوناني هذا الأسبوع حدا لأكثر من عامين من التكهنات بشأن ما إذا كان يمكن الاعتماد على المشتقات في تأمين الدين السيادي بعد سعي واضعي السياسات الأوروبيين إلى منع توزيع حصص الأرباح خوفا من تفاقم الأزمة في المنطقة.

وقال مارينان من «رويال بنك أوف اسكوتلندا»: «لقد كرست أوروبا جهدا متعدد الجوانب من أجل استغلال الوقت ومخاطبة القضية الأساسية الممثلة في الدين السيادي والخسائر في ميزانيات المصارف». وباعت شركة «فيات» أوراقا مالية لأجل خمس سنوات تقدر قيمتها بـ850 مليون يورو، والتي تم تسعيرها بحيث تدر عائدا نسبته 7 في المائة، حسبما أشارت بيانات جمعتها «بلومبرغ». وكانت آخر مرة باعت فيها «فيات» أوراقا مالية بحجم قياسي باليورو في يوليو، حينما حققت عائدا قيمته 1.5 مليار يورو من عملية بيع ضمت أوراقا نقدية يحين أجل استحقاقها في عام 2014، والتي تدر حاليا عائدا نسبته 5.4 في المائة، وسندات يحين أجل استحقاقها في 2018، والتي تدر عائدا نسبته 7.4 في المائة. ويقدر حجم صفقة قياسية باليورو بخمسمائة مليون يورو على الأقل. وقال الرئيس التنفيذي لشركة «فيات»، سيرغيو مارشيوني، للصحافيين أمس في بروغ ببلجيكا «إنه فارق هامشي في الإصدار الأخير». وأشار إلى أن دفتر الطلبات الخاصة بالسندات كان «قويا نسبيا». وحصلت شركة «فيات» على تصنيف «بي إيه 2» من قبل «موديز إنفستورز سيرفيس»، وهو تصنيف أقل بمستويين من تصنيفها الاستثماري، وعلى تصنيف «بي بي» من قبل «ستاندرد آند بورز»، التي أوضحت الشهر الماضي أنها ربما تخفض التصنيف الائتماني للشركة الكائنة في تورينو لمستوى إضافي في شهر مايو (أيار). وأدار كل من «آي إم آي إس بي إيه» و«باركليز كابيتال» و«كريدي أغريكول سي آي بي» و«كوميرز بانك إيه جي» و«غولدمان ساكس غروب» و«ناتيكسيس» و«يوني كريديت إس بي إيه» آخر عملية بيع لشركة «فيات».

وتم تحديد سعر سندات «دايملر» (دي إيه آي)، التي أجلها سبع سنوات والمقدرة بقيمة 750 مليون يورو بفائدة نسبتها 2.625 في المائة، بحيث تحقق 65 نقطة أساس إضافية عن المبادلات. وحصلت شركة صناعة سيارات «مرسيدس بنز» على تصنيف «إيه 3» من قبل وكالة «موديز» وعلى تصنيف «إيه-» من قبل شركة «ستاندرد آند بورز». وتضمنت مبيعات «إلكتريسيت دو فرانس» مليار يورو حققتها أوراق نقدية لأجل 15 عاما بنسبة فائدة 4.125 في المائة، والتي تم تسعيرها بحيث تحقق 145 نقطة أساس إضافية عن معدل المبادلة، حسبما أظهرت بيانات جمعتها وكالة «بلومبرغ». وباعت الشركة أيضا سندات أجلها 25 عاما بفائدة نسبتها 5.5 في المائة بسعر 500 مليون جنيه (793 مليون دولار) والتي ستحقق 210 نقاط أساس إضافية عن الدين الحكومي البريطاني. وحصلت «إلكتريسيت دو فرانس» على تصنيف «إيه إيه 3» من وكالة «موديز» وعلى تصنيف «إيه+» من شركة «ستاندرد آند بورز». ورفضت كارول تريفي، المتحدثة باسم الشركة، التعليق.

وشملت الكيانات الأخرى التي أصدرت سندات بالأمس «أنغلو أميركان»، شركة التعدين التي تتخذ من لندن مقرا لها، ومجموعة «فينسي إس إيه (دي جي)» للبناء في روي، ماميزو، بفرنسا، وشركة «أنغليان ووتر غروب» المحدودة لإدارة الأموال في المملكة المتحدة وفي هذا الصدد كتب غاي ليباس، كبير خبراء الدخل الثابت في شركة «جاني مونتغمري سكوت إل إل سي» في رسالة أرسلها عبر البريد الإلكتروني، قائلا «بالنظر إلى التجمد الممتد في إصدارات الائتمان الأوروبية، فليس من المستغرب أن نرى مجموعة أسماء تندفع خارج الأبواب، خشية احتمال إغلاق الأبواب مرة أخرى».