جدل أوروبي حول الضرائب والإنفاق

تقليل النفقات الحكومية.. «التكتيك» السائد في القارة لخفض العجز

مقر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت بألمانيا (رويترز)
TT

تعهد المرشح الاشتراكي في انتخابات الرئاسة الفرنسية، فرانسوا هولاند، مؤخرا بأنه في حالة انتخابه سيفرض ضريبة باهظة على الدخل تصل إلى 75 في المائة على كل الأرباح التي تتجاوز مليون يورو.

وعلى الفور قام خصم هولاند المحافظ، الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي، باستنكار الفكرة ووصفها بأنها هجوم ديماغوغي على مسؤولي الشركات الذين يحصلون على رواتب مرتفعة، ولكن بعد ذلك بأسبوعين، حان دور ساركوزي ليتعهد هو الآخر بتضييق الخناق على الأغنياء، حيث وعد بإلزام الأسر التي تقيم بالخارج لتفادي دفع الضرائب المرتفعة محليا بدفع ضرائب الدخل المطبقة داخل فرنسا وإلا فسوف يتم سحب الجنسية منها.

وبحسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز»، يرى الخبراء الماليون أن كلا الإجراءين إيماءة سياسية، تهدف إلى كسب الأصوات عن طريق اللعب على وتر السخط التقليدي تجاه الأثرياء لدى الطبقة العاملة في فرنسا. ويقول المتخصصون إنه نظرا لتأثير هذين الإجراءين على عدد قليل جدا من الناس، فإن أيا منهما لن يساهم بشكل ملموس في خفض الدين الحكومي الضخم الذي تسبب في جرّ أوروبا إلى أزمة مالية خطيرة امتدت لعام كامل، لم تبدأ في الخروج منها سوى مؤخرا.

ورغم عمق جذور تلك الأزمة، لم تفرض مسألة زيادة الضرائب من عدمه نفسها داخل أروقة السياسة الأوروبية إلا على استحياء، في الغالب بنبرة شعبية كتلك التي تكلم بها هولاند وساركوزي. وسوف تؤدي هذه اللهجة إلى تباين كبير مع الولايات المتحدة، التي يتناوش فيها الرئيس باراك أوباما ومنافسوه الجمهوريون بين فترة وأخرى حول السماح بزيادة بسيطة في الضرائب بالنسبة لكبار الأثرياء أو الاستمرار في خفضها - وكذلك حول مدى الاعتماد على خفض النفقات كجزء من المعادلة لتقليص العجز بأوجهه المختلفة. وفي فرنسا، كما في معظم البلدان الأوروبية، يتمثل التكتيك الرئيسي لخفض نسبة العجز وتقليل الدين في تقليل النفقات، وقد كان التركيز على تخفيض النفقات ردا فعل طبيعيا من الحكومات المحافظة الموجودة في السلطة بين البلدان الرئيسية التي تستعمل اليورو، وهو العملة الموحدة للاتحاد الأوروبي.

وهذا يعود في جزء منه إلى أن الأوروبيين، في ظل ارتفاع تكلفة نظم الحماية الاجتماعية بها، يدفعون بالفعل الكثير من الضرائب، كما يتفق خبراء الاقتصاد على أن زيادة الضرائب من شأنها أن تحول دون تحقيق مزيد من النمو - والنمو هو ما تتوق إليه أوروبا من أجل الخروج من الأزمة إلى الأبد.

وقد أثار التركيز على خفض الإنفاق معارضة غاضبة من النقابات العمالية والأحزاب اليسارية، التي طالبت بمزيد من التركيز على النمو كسبيل للخروج من الأزمة.

فهنا في فرنسا مثلا، تعهد هولاند بإعادة التفاوض بشأن اتفاقية الانضباط المالي التي وقعها الاتحاد الأوروبي مؤخرا، قائلا إنها تعتمد أكثر من اللازم على خفض الموازنة وينبغي أن تشمل الاستثمار وغيره من الإجراءات الرامية إلى تحفيز النمو. وقد صدّق زعماء أحزاب اليسار في ألمانيا وإسبانيا، الخميس الماضي، على دعوته إلى مراجعة الاتفاقية.

وقد قامت النقابات العمالية في فرنسا، مؤخرا، بإضراب جديد ضمن سلسلة من الإضرابات المحلية، احتجاجا على ما قالوا إنه نظرة غير متوازنة للوفاء بالتزام مدريد بخفض الدين الحكومي.

وقد أدت الخفض الحاد، الذي يكون غالبا لرؤوس الأموال الأوروبية، إلى تدني مستويات المعيشة لملايين الأسر وتسبب في اصطفاف طوابير طويلة أمام مكاتب التوظيف، في وقت تجاوز فيه معدل البطالة 10 في المائة في دول منطقة اليورو.

وقامت اليونان وإسبانيا على سبيل المثال بخفض رواتب موظفي الحكومة، كما ارتفعت سن التقاعد من 60 عاما إلى 62 عاما في فرنسا، وإلى حد أعلى من ذلك في إسبانيا.

حالة اليونان الخاصة منذ بداية الأزمة كانت اليونان تمثل حالة خاصة، حيث كانت تواجه خطر إشهار الإفلاس، وكانت ترزح تحت الكثير من الضغوط مما دفعها إلى زيادة الضرائب بشكل كبير منذ إعلانها في خريف عام 2009 عن ارتفاع عجز الميزانية إلى مستوى أعلى مما أعلنت عنه في السابق. وعلى سبيل المثال، ارتفعت معدلات ضريبة القيمة المضافة إلى 23 في المائة وارتفعت الضرائب على الدخول الأكبر إلى 45 في المائة. واتخذ تعريف الدخل نطاقا أوسع شمل الأسر التي كانت معفية في السابق من تلك الضرائب. وحذر الخبراء اليونانيون والدوليون من تجاوز اليونان حدود فاعلية زيادة الضرائب على الدخل والأشكال الأخرى من الضرائب. وأشاروا إلى انتشار السخط العام وتلاشي أي آمال بتحقيق نمو مما يجعل من خفض الإنفاق الحكومي هو الخيار الوحيد اللازم لخفض الديون. وقال بانوس تساكلوغلو، الخبير الاقتصادي في كلية الاقتصاد والأعمال بجامعة أثينا، ومستشار في وزارة المالية: «لقد تمت زيادة شتى أنواع الضرائب، ولا يوجد أي مجال لأي زيادة أخرى للضرائب حاليا في اليونان. ويجب خفض ديون الحكومة من خلال خفض الإنفاق الحكومي». على أي حال، طالما كان التهرب من الضرائب هو الرياضة القومية لليونان، يجب أن يشمل أي أمل في زيادة دخل الحكومة من خلال فرض المزيد من الضرائب على المواطنين مستويات أخرى من التطبيق، بحيث يدفع المواطنون ما يدينون به. مشاكل الضرائب في إيطاليا كثيرا ما تنافست إيطاليا مع اليونان في مضمار التهرب الضريبي، ونتيجة لذلك، ظل التركيز على الضرائب، إلى جانب خفض الإنفاق، لا فرض ضرائب جديدة. بحسب تقديرات مسؤولي الضرائب في روما، يكلف تزايد عدد المتهربين من الضرائب على التجارة، إلى جانب الضرائب المعدومة التي تنتج عن الصفقات غير القانونية أو السرية، خزانة الدولة نحو 340 مليار دولار سنويا. وبحسب حساباتهم، يمكن أن يسدد هذا المبلغ 2.6 تريليون دولار من ديون إيطاليا في غضون ثمانية أعوام. مع ذلك يوضح لنا التاريخ أن الصراع ليس سهلا، حيث كشفت هيئة الضرائب الإيطالية مؤخرا عن مسح جوي أظهر وجود ما يزيد على مليون منزل وعقارات أخرى في أنحاء البلاد لم يكشف أصحابها عن امتلاكهم لها للتهرب من دفع الضرائب العقارية عليها. وقامت الشرطة في حكومة ماريو مونتي الجديدة بعمليات واسعة النطاق لتعقب المتهربين من الضرائب.

* شارك مايكل برينباوم من وارسو وأنتوني فايولا من لندن في إعدادالتقرير