نائب رئيس الوزراء البولندي الأسبق: الخلطة السحرية لعلاج الانهيار الاقتصادي العالمي تكمن في 3 عناصر

البروفسور ججيوش كوودكو ينتقد سياسات البنك الدولي الاقتصادية ويثمن ازدهار السعودية

البروفسور ججيوش كوودكو (تصوير: محمد الدوسري)
TT

في خضم الانهيارات والصعوبات الاقتصادية التي تعانيها البلاد الأوروبية مؤخرا، استطاع صناع السياسات الاقتصادية في بولندا، أن يصلوا ببلادهم إلى بر الأمان من الانزلاق في الانعكاسات التي خلفتها الأزمة المالية، ومشكلة الديون التي أغرقت بعضها في وحل التعسر الاقتصادي، معزين ذلك للسياسات الاقتصادية الحرة، والتي فكت عزلة بولندا، وأخرجتها من عباءة الشيوعية الضيقة إلى آفاق الانفتاح الاشتراكي الحر على الآخر.

وكشف مسؤول بولندي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط»، عن أن بلاده نجحت في جني ثمرة سياساتها الاقتصادية الجديدة، وأن بولندا حققت أعلى نسبة نمو تشهدها دول أوروبا، حيث بلغت 4.2 في المائة، متجاوزة كل توقعات الخبراء والمحللين الاقتصاديين، بل من المتوقع أن يلامس الإنتاج الكلي لبولندا في العام الحالي قرابة الـ700 مليار دولار، مشيرا إلى أن قدرة بولندا على التحكم إلى في سعر عملتها «الزلوتي» إلى أدنى سعر، ساعدها في رفع حجم صادراتها بشكل مفيد.

وأوضح البروفسور ججيوش كوودكو، نائب رئيس الوزراء وزير المالية الأسبق في جمهورية بولندا، أن بولندا تتجه بقوة نحو لعب دور أكثر أهمية، على مسرح الاقتصاد الأوروبي خلال السنوات المقبلة، مبينا أن الناتج الكلي في بولندا، حقق نسبة نمو كبيرة وغير متوقعة، قفزت من 3.9 في المائة في 210 إلى 4.3 في المائة خلال عام 2011، في الوقت الذي كانت تشير فيه تكهنات الحكومة البولندية والخبراء الاقتصاديين، إلى نسبة نمو لا تتجاوز الـ4.2 في المائة. وكان الحوار التالي:

* كيف تنظر إلى اقتصاد بلدكم بولندا بين اليوم والأمس؟

- بطبيعة الحال، مرت جمهورية بولندا بحقب مختلفة من نظم الحكم المتباينة جوهرا ومظهرا، أثرت بشكل أو بآخر في التحول والبنية التركيبية لاقتصاد بولندا، وبعد سقوط النظام الشيوعي حل نظام ديمقراطي برلماني، أسس لعهد جديد لبولندا، حيث تم اعتماد دستور جديد، أسس هو الآخر لنظام أساسي متطور، وذلك في عام 1997، ينص على خلق نوع من التوازن بين كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في البلاد، في الوقت الذي أقر فيه نظام الاقتصاد الحر، كنظام أساسي لاقتصاد البلاد، انتهت مؤخرا بتحول بالاقتصاد البولندي من الاقتصاد المتهالك في عهد القبضة الشيوعية، والتي كانت متسلطة على الحكم والاقتصاد في بولندا إلى اقتصاد السوق مع سقوط الحكم الشيوعي، حيث توج هذا التحول عام بانضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي في 2004، وبالطبع تبع هذا التحول الكبير الذي حدث في نظام الحكم، تحول نوعي في السياسات الاقتصادية، حيث انفتحت نحو الأفق الاقتصادي الأوسع، فاتجهت نحو سياسة الاقتصاد الحرّ المنفتح، جنب إلى جنب مع انطلاق الريادة الفكرية العلمية الاقتصادية، والتي انتهت بأن حققت بولندا، أعلى نسبة نمو تشهدها دول أوروبا، فبلغت 4.2 في المائة، متجاوزة كل توقعات الخبراء والمحللين الاقتصاديين، بل من المتوقع أن يلامس الإنتاج الكلي لبولندا في العام الحالي الـ700 مليار دولار، وحري بي أن أشير إلى أن بولندا استطاعت أن تتحكم في سعر عملتها «الزلوتي» إلى أدنى سعر، الأمر الذي ساعدها في رفع حجم صادراتها بشكل مفيد.

* ما هي المقومات التي تتكئ عليها بولندا في بنيتها الإنتاجية الاقتصادية بجانب سياساتها الاقتصادية؟

- تتمتع جمهورية بولندا بمقومات طبيعية، تعتبر هي الأساس الفعلي لترويض البنية الاقتصادية التي تقوم عليها، حيث يوجد بها كم كبير من مخزونات المواد الخام الطبيعية، كالفحم الحجري، والذي يعتبر من المواد الخام الاستراتيجية، حيث يسد 65 في المائة من احتياجات البلاد للطاقة، كما يعتبر الفحم النباتي ثاني المواد الخام الأساسية في بولندا، إذ تحتل بولندا بموجبه المرتبة السادسة في العالم من حيث استخراجه، كذلك هناك إحصائيات تؤكد أن بولندا تحتل المرتبة الثانية في تصنيع النحاس والفضة على مستوى الدول الأوروبية، في الوقت الذي تحتل فيه المرتبة الرابعة في تصنيع الكبريت على المستوى العالمي، بالإضافة إلى وجود كميات اقتصادية من الرصاص والنحاس، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية التي تزخر بها البلاد، فإن الزراعة في بولندا تعتبر مصدرا اقتصاديا مهما جدا، فهي تشغل نصف مساحة البلاد، الأمر الذي جعل بولندا من أفضل الدول الأوروبية الزراعية إنتاجا للحبوب والفاكهة والبطاطس والخضراوات والشمندر السكري، إذ يشكل فيه المزارعون نسبة 32 في المائة من التركيبة السكانية، منهم 87 في المائة أفراد، وتبقى النسبة الأخرى قطاعات حكومية وأخرى خاصة، فضلا عن ذلك، فإن ربع مساحة بولندا تغطيها الغابات، وبالتالي تصدر كميات كبيرة من المنتجات الخشبية، في الوقت الذي تتمتع فيه بولندا، بأفضل أنواع المراعي خاصة في جنوب بولندا، ما جعل الثروة الحيوانية تلعب هي الأخرى دورا اقتصاديا مهما، وتمثل الأبقار والخنازير السوداء الأعظم منها، غير أنها تحتاج إلى اهتمام أكثر مما هي عليه الآن، حتى تسهم في الاقتصاد بشكل أمثل.

كذلك تقدمت بولندا كثيرا في مجال صناعة الآلات والسفن، والورق والمنسوجات، وتكرير النفط، والصناعات الكيميائية والإلكترونية. وفي مجمل القول يمكن أن نعتبر بولندا بلدا صناعيا زراعيا، علما بأن الصناعة تسهم بنصف الدخل القومي، كما تلعب بولندا دورا محوريا ورائدا في مجال التجارة والنقل، خاصة بين شرق وغرب أوروبا من جهة، وبين شمال أوروبا وبين البلقان من جهة أخرى، في ظل مد سكك حديدية ضخمة، حيث تعتبر شركة القطارات البولندية، هي الشركة التي تقوم مقام الإدارة المحترفة، لشبكات السكة الحديد التي تنتشر في طول البلاد وعرضها، مع وجود موانئ بحرية مؤهلة ومجهزة بجميع المستلزمات.

* إلى أي حد استطاعت أن تخرج بولندا من الأزمة المالية العالمية بأقل الخسائر؟

- تسجل بولندا أفضل حالات الاستقرار الاقتصادي، ويزيد تحسنها عاما تلو الآخر، بخلاف ما عليه اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، حيث حقق الناتج المحلي الإجمالي نسبة نمو كبيرة وغير متوقعة، قفزت من 3.9 في المائة في 210 إلى 4.3 في المائة خلال عام 2011، في الوقت الذي كانت تشير فيه تكهنات الحكومة البولندية والخبراء الاقتصاديين إلى نسبة نمو لا تتجاوز الـ4.2 في المائة، هذا دليل قاطع للإجابة على قدرة بولندا على تجاوزها صعوبات الأزمة المالية العالمية والتي حلت بالعالم مؤخرا، اتخذت تجاهها تدابير اقتصادية حكيمة، بعكس ما كان عليه الحال في بعض البلاد الأوروبية المجاورة، حيث كانت الأزمة أكثر تأثيرا في العمق الاقتصادي لكثير من الدول الأوروبية بجانب الاقتصاد الأميركي، وأعزي نجاح بولندا في تحقيقها استقرارا اقتصاديا عقلانيا، إلى حزمة من السياسات الاقتصادية الرشيدة التي اتبعتها الحكومة البولندية، التي جعلتها تتمتع باقتصاد قوي، حيث يصل فيها دخل الفرد إلى 36 ألف دولار سنويا، كمؤشر إلى تعاف اقتصادي يلفت الأنظار، ولكن مع ذلك من الصعوبة بمكان بالتكهن بما سيؤول إليه الوضع الاقتصادي البولندي في نهاية العام الحالي، خاصة إذا علمنا أن نسبة البطالة ارتفعت في العام الماضي عن العام الذي يليه من 12.1 في المائة إلى 12.5 في المائة.

* يعاني اقتصاد دول أوروبا حاليا من الانكماش العنيف بسبب أزمة الديون والأزمة المالية.. ألا تخشى أن يؤثر هذا الوضع على بولندا وهي تتشارك في الحدود مع عدد منها خاصة في مجالات التبادل التجاري؟

- صحيح أن الدول الأوروبية تعيش حالة من الانكماش الاقتصادي، نسبة للأسباب التي ذكرتها، وبطبيعة الحال فإن الأزمة المالية العالمية أثرت بشكل مباشر عليها، ولكن ينبغي أن تعلم في نفس الوقت، أن الاقتصاد البولندي استطاع أن ينجو من مؤثرات هذه الأزمة، ويحقق نموا ملحوظا مقارنة بوصفائه من اقتصاديات الدول الأوروبية الأخرى، وهذا النمو الاقتصادي، والذي أسهمت فيه زيادة الاستثمارات الحكومية بشكل واضح، حيث سدت النقص في استثمارات القطاع الخاص، أثبت أن بولندا هي البلاد الأوروبية الأكثر حظا ومنعة في الاقتصاد على مستوى منطقة شرق ووسط أوروبا، وهذا الوضع يؤهلها لأن تلعب دورا مؤثرا، على مجمل الوضع الاقتصادي الأوروبي، على المدى البعيد، غير أن المؤشرات تقول إن بولندا، ستشهد نموا في الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي.

* كيف تنظر إلى العلاقات الاقتصادية بين السعودية وبولندا؟

- تعتبر العلاقات بين السعودية وبولندا في أفضل حالاتها، ليس فقط على مستوى العلاقات الاقتصادية، ولكن حتى السياسية، إذ إن هناك الكثير من نقاط الالتقاء تجاه الكثير من المواقف في المحافل الدولية، سواء على صعيد أحداث الشرق الأوسط أو الصعيد العربي أو الصعيد العالمي، أما من الناحية الاقتصادية، فإن البلدين يتبادلان الكثير من المصالح الاقتصادية من ناحية الاستيراد والتصدير، ففي الوقت الذي تصدر فيه السعودية لبولندا منتجات ومشتقات البتروكيماويات، باعتبار أن المملكة من أكثر البلاد إنتاجا للنفط وبالتالي ملحقاته، فإن بولندا تصدر للسعودية الحديد والألمونيوم والأدوية والمنتجات الصيدلانية، بالإضافة إلى المواد الغذائية، ونجم عن هذا التبادل الاقتصادي تصاعد مستمر من حيث التبادل التجاري، إذ بلغ 550 مليون دولار حتى الآن، وفي طريقه للزيادة، وبشكل عام فإن البلدين متشابهان جدا، من ناحية الوضع الاقتصادي المزدهر ودخل الفرد.

* ماذا جنت بولندا من انضمامها لدول الاتحاد الأوروبي وماذا جنا الاتحاد من بولندا؟

- استطاعت بولندا أن تحجز مقعدها كعضو في الاتحاد الأوروبي، وذلك منذ 1 مايو (أيار) 2004، وكانت قد سبق أن لعبت دورها كعضو مؤسس لمنظمة التجارة العالمية منذ عام 1995 وعضو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، منذ عام 1996 والكثير من المنظمات الاقتصادية الدولية الأخرى، مثل صندوق النقد الدولي، منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، بالإضافة إلى منظمات أخرى مهمة، وهذه العضويات المهمة، كونت أرضية قوية انطلقت منها بولندا في مفاوضاتها الأوروبية، بالإضافة إلى البرنامج الاقتصادي والسياسي الذي جاءت به بولندا إلى مائدة هذه المفاوضات، وكنت قد رأست أنا شخصيا الفريق الذي قاد بولندا إلى حظيرة الاتحاد الأوروبي، وبالطبع هذه العضويات بجانب البرنامج الاقتصادي السياسي الجديد لبولندا، جعلها في موقع أتاح لها القدرة على زيادة وتطور تعاونها مع الدول الأعضاء في هذه المنظمات تسمح بعضوية بولندا في هذه المنظمات أن يزيد من تعاونها الاقتصادي مع الدول الأخرى، أما فيما يتعلق باستفادة هذه المنظمات بجانب الاتحاد الأوروبي من عضوية بولندا، فإن الأخيرة استطاعت أن تدعمها بمختلف الصعد، أولها قوة السياسات الاقتصادية والتي بثت فيها روح الثقة تجاه تحرير التجارة على أوسع نطاق عالمي ودولي، رأت قمة منظمة التجارة العالمية التي انعقدت في هونغ كونغ في الأول من ديسمبر (كانون الأول) 2005، إلى أن سياسة التحرير التي تدعو لها بولندا، منطقية، فأوصت بها في نتائج قمتها، وبموجب ذلك، قررت الدول الأوروبية أن تتبع سياسة التحرير، من أجل فائدة الدول ذات التنمية، من خلال القضاء التدريجي على المساعدات للتصدير، والعمل على تقليل الدعم الداخلي في مجالات مختلفة أهمها مجال الزراعة، بالإضافة إلى العمل على تقليل الجمارك والكوتا على البضائع المستوردة من الدول ذات النمو الأقل، الأمر الذي جعل الأسواق الأوروبية منفتحة، بالشكل الذي جلب لها أكبر عدد من الشركاء التجاريين.

* بولندا عضو في الكثير من المنظمات الدولية ما جدوى ذلك لبولندا؟

- بالتأكيد، كل العضويات التي نالتها بولندا مهمة وذات جدوى ولها ما بعدها لكل الأطراف، غير أنني أعتقد أن عضوية بولندا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تحديدا، كانت بمثابة خريطة طريق إلى تطبيق القوانين الحرة، وبشكل أكثر في مجال نقل رأس المال، في الوقت الذي أهل فيه موقع بولندا الاقتصادي لكسب ثقة مصادر التمويل الأجنبية، ومع ذلك أرى أن عضوية بولندا في الاتحاد الأوروبي جلبت لها أكبر النتائج الاقتصادية الإيجابية، كمحصلة نهائية لتأصيل قطاع التجارة الحرة وإزالة كافة العقبات في التجارة، بالإضافة لما حققته من الحصول على أموال سمحت لها بأن تقترب إلى التنمية الاقتصادية، وتحقق بذلك قفزة في النمو الاقتصادي غير متوقعة.

* على الرغم من أنك تعد من المبتكرين في شأن الاقتصاد والإدارة.. هل نحن في عالم تجاوز زمن العمل التقليدي لزمن العمل الريادي؟

- هذا يذكرني بشعار ظهر مؤخرا مفاده «إما أن تبتكر وإما تتوقف عن العمل»، وهذا مذهب شائع في كليات الإدارة، ومع إيماني بأنه ما من شخص ينكر أهمية الابتكار البالغة في تحقيق مزيد من الإنتاجية والتقدم الاقتصادي بشكل عام، إلا أننا نعلم جميعا أن التطور كان ممكنا لقرون كاملة من دون وجود أي قدرات ابتكارية بارزة، وحتى يومنا هذا، لا تتوقف أغلبية الدول والاقتصادات الوطنية والغالبية العظمى من الشركات عن العمل، نتيجة لغياب موهبة الابتكار، بل تجرى أمورها على ما يرام، وتحقق عيشا كريما بفضل الاعتماد على التقليد.

* ألا تعتقد أن مثل هذا التفسير يؤدي إلى الكسل العقلي والتفكيري ويؤدي في نهاية المطاف إلى الفقر والموت الذي تعاني منه الدول المتخلفة؟

- في ظني أن الذين يموتون ليسوا أولئك العاجزين عن التفكير والعمل المبتكر، واستحداث أساليب إنتاج ومنتجات جديدة، بل هم العاجزون عن المنافسة، مما يعني أنه يمكنك التنافس من غير ابتكار، أعتقد أن ترديد الحكومات ورجال العمل التجاريين وأساتذة كلية التجارة، والاستشاريين من كل التخصصات، وخبراء علم الإدارة، لمثل هذه الشعارات الجوفاء يشجع الفهم الخاطئ بصرف الانتباه عن المتطلبات الحقيقية، لتحقيق النجاح التجاري وأسبابه، أقول إن الابتكار لأولئك البارعين في الابتكار ولكنه ليس لكل شخص.

* كيف تنظر إلى السياسات التي اتخذها البنك الدولي تجاه الدول الأوروبية التي وقعت في فخ الديون، وما تقييمك لمسار المعالجات التي اتخذها في اليونان؟

- للأسف، البنك الدولي لم يستطع أن يقر سياسات اقتصادية إنقاذية حكيمة بعيدة المدى، وكل ما فعله ويفعله هي سياسات معالجة مؤقتة سرعان ما تنكشف سيئاتها، وبرأيي فإن السياسات التي يتخذها البنك الدولي، تجاه اليونان أقل من بدائية، فهي حلول مؤقتة، سيترتب عليها مستقبلا سرطان من الدين القاتل، حيث يقوم بقرضها لفك ضايقتها عن طريق الدين نفسه، وأعتقد أن اليونان بهذا المسلك تقود نفسها نحو الهوة السحيقة.

* وما نصيحتك للدول التي ترزح في مشكلة الديون أو الفقر أو تعيش هاجس الأزمة المالية العالمية؟

- أعتقد أن كل دول العالم معنية بأن تتحول إلى التحرر من الأفكار التقليدية والنمطية، مع ضرورة التحرر من سجون الفكر الاقتصادي الآيديولوجي الشيوعي، إلى رحاب الاشتراكية والانفتاح على السوق الحر، والانعتقاق من عباءة الليبرالية قديمها وحديثها، والاتجاه إلى صناعة مزيد من اللحمة والاندماج على المستوى المجتمعي والمؤسسي والفردي والدولي.

كما على هذه البلاد أن تسعى لخلق نوع من السوق الاجتماعية، فقد أثبت نجاحها في البلاد التي تحاول الخروج من العزلة التي تفرضها عليها بعض الظروف السياسية، وهناك ما يشير إلى أن هذه السياسة الاقتصادية، نجحت في دول الاتحاد الأوروبي عامة، والدول الاسكندفانية بشكل خاص.

كذلك أدعو إلى ضرورة البحث عن الحقائق الاهتمام بها، كما أدعو إلى ضرورة الانتباه إلى الأخطاء والأكاذيب السياسية والاقتصادية، التي تنتشر في عالم أصبح سريع التفاعل والتغير، ومن ثم تبني ثلاثة عناصر تشكل رؤوس مثلث بناء أي اقتصاد قوي معافى في العالم، وأرى فيها سر بناء الاقتصاد القوي، وهي القيم والسياسات الاقتصادية السليمة، وتأهيل وبناء المؤسسات القائمة، على هذه الدول أن تفكر في المستقبل أمر بطريقة علمية مسنودة بحزمة السياسات الاقتصادية، وتعبئتها بآليات تنفيذية ناجعة، إذ إن العراقيل التي تقف حجر عثرة أمام النمو الاقتصادي العالمي، هي نفسها العراقيل التي تمنع التنمية من الانطلاق الحقيقي الواسع، وليس من الضرورة أخذ سياسات الاقتصاد الناجحة وتطبيقها بحذافيرها، على نحو ما تطبق به في بلاد نشأتها، إذ إنه من الأهمية بمكان، تطويع وتحوير تلك السياسات بما يشابه ويماثل الطبيعة والقيم التي تقوم عليها بلاده.

* بهذه المناسبة.. كيف تقيم الاقتصاد الإسلامي بما في ذلك المصرفية والتمويل الإسلامي وكيف تفسر انجذاب العالم نحوها؟

- أعتقد أن الاقتصادات الإسلامية والمصرفية الإسلامية، بدأت فعلا تتغلغل في العالم، وتوسعت بشكل ملحوظ إلى حد ما، ذلك لأن الدين الإسلامي أشاع أهم قيمة في البناء الاقتصاد السليم، وهي قيم الصدق والأمانة والشفافية، حيث إن ذلك أحد عوامل نجاح الاقتصاد الإسلامي، ولكن النظام المالي الإسلامي لا يخلو من عيوب تحتاج إلى إصلاح، وعلى الدول الإسلامية والعربية، والسعودية خاصة، أن تحاول الاستفادة من القيم السمحة التي زرعها الدين الإسلامي في التكوين المجتمعي فيها، في النهوض باقتصادها إلى أعلى ذروة يمكن الوصول لها.

* هل تعتقد أن نظام الاقتصاد الإسلامي في طريقه إلى إحكام السيطرة على اقتصادات العالم؟

- لا.. لا أستطيع أن أقول، إن الاقتصاد الإسلامي في طريقه لإحكام سيطرته على اقتصادات الدول، ولكن أقول إنه توسع وبدأ ينتشر، لأن به بعض المميزات المرغوبة والتي يفتقدها النظام المالي العالمي، غير أنه يقوم على الدين والعقيدة، وأنا شخصيا لا أؤمن بدور الدين في مثل هذه الأشياء بقدر ما أؤمن بما يسمى بالعلم وتطبيقاته ونظرياته، وأشجع حركة الإبداع والابتكار في كافة مناحي الحياة.

* ولكنك قلت إن الدين الإسلامي يشيع أهم قيمة يحتاجها البناء الاقتصادي السليم وهي قيمتا الصدق والشفافية؟

- نعم قلت ذلك، وأؤكد على أهميتها، لأن القيم والسياسات الاقتصادية وبناء المؤسسات القائمة عليها، رؤوس مثلث بناء أي اقتصاد قوي معافى في العالم، ولكن دعني أقل لك، إن القيم الجميلة فقط لا تكفي لبناء اقتصاد قوي، ما لم تستكمل حلقتها البنائية مع الاتجاه نحو تشريع سياسات اقتصادية سليمة، في ظل تسهيل إطلاق مؤسسات قائمة على مقومات النجاح الحقيقية.