شركة طيران جديدة تسبح ضد التيار في جزر المالديف

بينما تفلس شركات وتندمج أخرى في القطاع المتقلب عالميا

وانغ بيبي جورج فاينمان الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية «ميغا مالديفز» (نيويورك تايمز)
TT

في الوقت الذي تشهر فيه كثير من شركات الطيران إفلاسها أو تلجأ إلى الاندماج مع بعضها، كان جورج فاينمان يقتحم مجال الطيران بشركة جديدة قام بتأسيسها.

ويبحث فاينمان، الرئيس التنفيذي لشركة «ميغا مالديفز إير لاينز»، عن سوق متنامية تربط الصين، الآخذة في الازدهار، بجزر المالديف، الدولة ضئيلة الحجم. ويقول المستثمرون الأميركيون إنه يمتلك المقومات المناسبة لإنجاح الشركة، من حقوق هبوط مربحة في سوق آخذة في الاتساع، وشبكة دولية من الاتصالات، والموافقات الحكومية الأساسية.

يقول فاينمان: «خلال السنوات الـ10 المقبلة، قد تتحول جزر المالديف إلى فناء خلفي للهند والصين، على غرار جزر الكاريبي بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وكندا».

وقد أضافت الشركة الجديدة، التي ما زالت في عامها الثاني، مدينة شونغ كينغ إلى شبكة رحلات الطيران الخاصة بها التي تصل ماليه، عاصمة المالديف، ببكين وشنغهاي وهونغ كونغ. وبفضل اعتماد الشركة بصورة أساسية على الأفواج السياحية التي ترسلها وكالات السياحة والسفر، فقد نمت في الحجم ليصبح لديها نحو 180 موظفا، وهو ضعف العدد الذي كان يعمل بها حين بدأت رحلاتها في يناير (كانون الثاني) 2011.

وقد كان إنشاء الشركة الجديدة إجراء طموحا للغاية، في ظل معاناة صناعة الطيران بسبب ارتفاع أسعار الوقود واحتدام المنافسة.

وأشار مارتن كاريغز، الذي قضى معظم حياته المهنية في الطيران، لكنه الآن يشغل منصب الرئيس التنفيذي لاتحاد السياحة في منطقة آسيا والمحيط الهادي: «في هذه الصناعة، حتى لو ربحت مليار دولار في سنة من السنوات، فقد تخسره في سنة أخرى».

وقد واجهت «ميغا مالديفز» تحديات خاصة، وتحديدا بعد المظاهرات التي اجتاحت الشوارع في فبراير (شباط) احتجاجا على تنحي رئيس المالديف محمد نشيد، أو إجباره على التنحي في انقلاب عسكري، حسب روايته هو. وقد كان رد فعل الصين حيال تلك الأحداث عصبيا، حيث قام عدد كبير من شركات الطيران بإلغاء الرحلات إلى هناك.

وصرح فاينمان، في فبراير الماضي، بعد فترة بسيطة من اندلاع الاضطرابات في البلاد: «سوف نستمر في الطيران، ولكن من الصعب أن أحدد إلى متى. حتى الآن ما زالت الطائرات مكتملة، لكن الناس لم يعودوا يحجزون التذاكر» مقدما.

وإثر اندلاع الاضطرابات، لم توقف الشركة إلا مسارا واحدا فقط، وهو هونغ كونغ، وقال فاينمان إن الشركة ستستأنف برنامج رحلاتها الكامل بدءا من 4 أبريل (نيسان) المقبل، كما يتوقع أن تقوم الشركة، في يونيو (حزيران) المقبل، بالتوسع في خدماتها لتصل إلى 34 رحلة طيران شهريا من الصين إلى جزر المالديف.

وقد كانت خطته في البداية هي أن يؤسس أول شركة طيران اقتصادية في الصين، مع التركيز على الممر سريع النمو الذي يضم شونغ كينغ وووهان وشانغ شا. ولكن بعد انتقاله إلى الصين، قررت الحكومة الصينية تقليص استثمارات القطاع الخاص في صناعة الطيران، التي تشهد طفرة هائلة، مما جعله يشرع في البحث عن بدائل أخرى مثل عمليات التأجير، لكنه لم يجد إلا مساحة محدودة من الخيارات القابلة للتطبيق.

وحينما سافر مؤخرا إلى جزر المالديف مع زوجته الصينية وانغ بيبي لقضاء شهر العسل، الذي كان مؤجلا منذ فترة طويلة، وجد هناك ضالته المنشودة. وفي آخر أيام إجازته، التقى بالمسؤولين في المالديف للتباحث بشأن تأجير الطائرات من الصين، لكن المسؤولين اقترحوا عليه بدلا من ذلك أن يفكر في إنشاء شركة طيران دولية في جزر المالديف.

واعترف فاينمان (37 عاما): «كانت ضربة حظ. لقد ترددنا في البداية، حيث كنا ندرك مدى صعوبة مجال الطيران، وهذه المرة لم يكن لدي الدعم المالي أو خطة استثمار في مجال الطيران الاقتصادي بالحجم الذي كان لدي في السابق». لكنه وشركاءه المستثمرين ظلوا يتابعون حركة الطلب ويتحينون الفرصة، حتى تمكنوا أخيرا من الانطلاق.

وتعود جذور شركة الطيران هذه إلى مسابقة للخطط التجارية شارك فيها فاينمان حين كان في جامعة ميتشيغان. وقد صمم فاينمان، الذي قضى 5 سنوات في شركة «بوينغ» عمل خلالها مهندس طيران وفضاء، خطة لشركة طيران اقتصادي في الصين. وبعد أن حصل على ماجستير في إدارة الأعمال، قام بزيارة الصين لأول مرة سنة 2004، وساعده واحد ممن استعان بمشورتهم أثناء وضع خطته الاستثمارية، وهو رجل كان يعمل في شركة طيران أميركية في الصين، في ترتيب لقاء له مع مسؤول كبير في إدارة الطيران المدني بالصين، التي تشرف على حركة الطيران داخل البلاد. ويقول فاينمان، القادم من ولاية نيو أورليانز، إنه بعد أن حظيت خطته برد فعل إيجابي، حزم حقائبه على الفور وذهب إلى الصين.

وبعد أن جمع مبلغا بسيطا كرأسمال من أهله وأصدقائه، لجأ إلى بعض المستثمرين، ويقول إنه تمكن من الحصول على تمويل بلغ 60 مليون دولار، لكنه اضطر للتخلي عن الخطة حينما صار واضحا أن الصين لن توافق عليها.

وبعد مرور سنوات، أصبح يمارس نشاطه في أصغر دويلات آسيا، وهي جزر المالديف، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 330 ألف نسمة يعيشون في 1200 جزيرة تنتشر على مساحة 35 ألف ميل مربع. ويزور البلاد نحو 900 ألف سائح كل عام، ويمثل السياح الصينيون النصيب الأكبر من السوق، حيث تضاعف عدد الزوار الصينيين القادمين إلى جزر المالديف خلال عام 2010، كما ارتفع بنسبة 67 في المائة خلال عام 2011.

وقد بدأت شركة «ميغا مالديفز» نشاطها العام الماضي بطائرة من طراز «بوينغ 767» تطير ما هونغ كونغ وجزر المالديف، ثم توسعت في خدماتها في وقت لاحق من نفس العام لتضم شنغهاي وبكين وشونغ كينغ، وفي يناير من العام الحالي، تمت إضافة طائرة أخرى من الطراز نفسه.

ويشعر فاينمان بالتفاؤل تجاه فرص نجاح الشركة مستقبلا، حيث يتوقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي، وهو منظمة تمثل صناعة الطيران، أن ترتفع حركة الطيران الدولي من الصين بنسبة تقارب 10 في المائة سنويا حتى عام 2014، مما يجعل منها أسرع أسواق العالم نموا في عدد الرحلات الدولية.

يقول فاينمان: «نتوقع أن نحقق أرباحا في 2012، وهو ثاني عام كامل يمر علينا».

ويضع فاينمان أسواقا أخرى صوب عينيه، حيث يمتلك حقوق توقف (ترانزيت) في الصين، مما يسمح لطائرات شركته بمواصلة رحلاتها إلى بلدان مثل اليابان. صحيح أن شركات الطيران من أميركا وأوروبا قد تظل تتفاوض لسنوات من أجل مد خطوط طيران إلى الصين، لكن بكين لا تخشى أي منافسة من بلدان صغيرة مثل جزر المالديف. ويقول فاينمان إن شركته قد حصلت على موافقة على تمديد رحلاتها إلى ممر الصين - اليابان، وإنه يخطط لإضافة مسارات جديدة إلى بلدان أخرى. يقول برندان سوبي، محلل في مكتب «مركز طيران آسيا والمحيط الهادي» في سنغافورة: «لقد عثرت شركة ميغا مالديفز على مكان جميل تمارس فيه نشاطها، ولكن هناك تحديات كثيرة»، حيث توجد نحو 24 شركة طيران تقدم خدماتها في جزر المالديف، وتتصدرها سريلانكا والإمارات. ويقول سوبي إنه مع النمو الذي تشهده السوق، فإن المنافسين القائمين الذين يملكون موارد مالية أكبر لديهم فرصة أفضل في زيادة رحلات الطيران التي يسيرونها.

غير أن فاينمان يقول إنه يعتقد أن الشركات الجديدة لديها ميزة، وهي أنها عادة ما تكون قادرة على التجاوب بشكل أسرع مع الظروف المتغيرة، ويضيف أن برنامج الرحلات الخاص بشركته يعتبر جزءا من هذه الميزة، فالطيران إلى جزر المالديف يكلف كثيرا، ومعظم الزوار الصينيين يجيئون في إجازات قصيرة، وتحاول شركة «ميغا مالديفز» أن تساعدهم على زيادة الوقت الذي يقضونه تحت أشعة الشمس هناك، وذلك بتنظيم توقيتات رحلاتها بحيث تصل مبكرا.

ويختتم فاينمان قائلا: «أهم قاعدة في عالم الأعمال: ابحث عن السوق المناسبة، ثم قدم فيها خدمة جيدة. وهذا هو ما فعلناه».

* خدمة «نيويورك تايمز»