هل ينجح برانسون في قطاع المصارف كما لمع في قطاعات الطيران والقطارات؟

في أعقاب صفقة شراء «نورثرن روك»

برانسون ساحر الاستثمار يدخل مجال المصارف (نيويورك تايمز)
TT

في صباح بارد في شهر يناير (كانون الثاني)، وجد السير ريتشارد برانسون نفسه يقف وسط شارع يروق لهواة المشي في نيوكاسيل، المدينة التي تقع شمال شرقي إنجلترا، في وضع لم يكن يتخيل قط أنه سيصبح عليه: لقد أصبح الملياردير مصرفيا. وذلك وفقا لتقرير مطول نشرته مجلة «بلومبرغ ماركتس».

في المقام الأول، كان المصرفيون هم عماد النظام الذي كرس برانسون مسيرة حياته المهنية في محاربته، حسبما أشارت مجلة «بلومبرغ ماركتس» في عددها الصادر في مايو (أيار). غير أنه يقف هنا أمام مصرف مزين بالعلامة التجارية التي تحمل اللونين الأحمر والأبيض لشركته «فيرجين غروب» المحدودة، إلى جانب شعار يحمل عبارة: «سعينا من أجل جعل تحسين أداء القطاع المصرفي يبدأ من هنا». وهنا، يقوم برانسون بالمهمة التي ينهض بها على أكمل وجه، بلعب دور رجل الأعمال المغامر بوصفه أيقونة شهيرة، الرجل الخارق في مجال التسويق.

ووسط احتشاد المتفرجين الفضوليين والمعجبين المنبهرين، يبتسم لطاقم العاملين بالمحطات التلفزيونية، وتسلط الكاميرات أضواءها على الأسنان ناصعة البياض والشعر الأصفر المميز لرجل الأعمال البالغ من العمر 61 عاما.

في سبتمبر (أيلول) 2007، هرع المذيعون التلفزيونيون إلى هذا الفرع للمصرف لتسجيل مشهد مختلف تماما: اصطفاف العملاء في تهافت لسحب أموالهم من المصرف. لقد كان الفرع في ذلك الحين جزءا من مصرف «نورثرن روك»، المصرف البريطاني الذي أدى اعتماده على التمويل قصير الأجل إلى أن يشهد أول حالة أزمة سيولة عالمية. وبعد منح مصرف «نورثرن روك» مبلغا قيمته 27 مليار جنيه إسترليني (52.6 دولار) في صورة قروض طوارئ، قامت الحكومة بتأميم المصرف في فبراير (شباط) 2008.

لقد أدت الأزمة المالية لاحقا إلى انقسام نورثرن روك إلى شركتين. ورثت «نورثرن روك» العامة محدودة المسؤولية، التي يشار إليها أيضا باسم المصرف صاحب الأداء الجيد، عمليات التجزئة ولديها مليون عميل و10.3 مليار جنيه في صورة قروض رهن عقاري و19.4 مليار جنيه في صورة ودائع. ورغم ذلك، كان المصرف ما زال يتكبد خسائر، حيث خسر مبلغا قيمته 224 مليون جنيه إسترليني في عام 2010. وكانت شركة «روك أسيت ماندجمنت» العامة محدودة المسؤولية، أو المصرف صاحب الأداء السيئ، مثقلة بديون سابقة يبلغ حجمها 50 مليار جنيه إسترليني. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) قامت الحكومة ببيع «نورثرن روك» إلى شركة «فيرجين ماني هولدينغز يو كيه» المحدودة، شركة الخدمات المالية التي يملكها برانسون، مقابل 747 مليون جنيه نقدا، و150 مليون جنيه في صورة ديون قابلة للتحويل. ويعتبر السعر الذي دفعه برانسون أقل بنحو 400 مليون جنيه إسترليني من المبلغ الذي دفعته الحكومة في يناير عام 2010 في صورة حزمة إنقاذ مقدمة للبنك، مما أدى بساسة المعارضة إلى الشكوى من أن الصفقة قد ردت لدافعي الضرائب مبالغ أقل من المستحقة لهم.

وربما يكون اقتحام قصر باكينغهام أسهل حالا من أن تصبح قوة مؤثرة في قطاع صرافة التجزئة البريطانية.

وعلى مدار عقدين، استحوذت على الصناعة الخمسة مصارف الكبرى: «باركليز بي إل سي» (بي إيه آر سي)، و«إتش إس بي سي هولدينغز» (إتش إس بي سي) و«لويدز بانكينغ غروب» الشركة العامة محدودة المسؤولية و«بنك أوف أسكوتلاند غروب» (آر بي إس) و«سانتاندر يو كيه»، الشركة العامة محدودة المسؤولية، والتي كانت شركة «أبيي ناشيونال» العامة محدودة المسؤولية إلى أن قامت شركة «بانكو سانتاندر إس إيه» (إس إيه إن) بشرائها في عام 2004. وتسيطر الشركة على نسبة 80% من الحسابات الجارية الشخصية و71% من قروض الرهن العقاري ونحو 60% من حسابات الادخار، بحسب اللجنة المستقلة للأعمال المصرفية في المملكة المتحدة.

والآن، السؤال هو هل بإمكان برانسون أن يعيد تنظيم القطاع المصرفي البريطاني بالصورة التي عرقلت بها علامة «فيرجين» التجارية، خاصته الصناعات المختلفة، بدءا من الموسيقى مرورا بشركات الطيران وانتهاء بالهواتف الجوالة. برانسون يقول في مقابلة أجريت معه بمقر «نورثرن روك» السابق في ضاحية غوسفورث التابعة لمدينة نيوكاسيل: «سوف نكون لاعبا على أعلى درجات الامتياز». ويأتي اختراق برانسون القطاع المصرفي في وقت تمر فيه الصناعة بتغيرات تنظيمية هائلة وعمليات اندماج في المملكة المتحدة وعبر أنحاء أوروبا. وتجبر المصارف على إبعاد عمليات التجزئة التي تقوم بها عن وحدات الصرافة الاستثمارية الأكثر عرضة للمخاطر ومكاتب التداول المؤقتة.

يقول إيان والش، شريك في المؤسسات المالية المنتسبة لمجموعة «بوسطن كونسلتينغ»: «ثمة تغيير أكثر هيكلية يجري مجراه في سوق المملكة المتحدة من أي وقت مضى في التاريخ الحديث». وفي إطار مهمته الرامية إلى إحداث ثورة في صرافة التجزئة في بريطانيا، تعاون برانسون مع فنان التحولات المؤثرة: المستثمر الأميركي في الأسهم الخاص: ويلبر روس. لقد استثمرت شركة روس، «دبليو إل روس آند كو»، مبلغا يقدر بنحو 350 مليون جنيه إسترليني في شركة «فيرجين ماني» مقابل 45% من أسهم الشركة، حصة تقارب نصيب «فيرجين غروب» في الشركة. يقول روس، 74 عاما، الذي يقدر حجم ثروته بنحو ملياري دولار على الأقل، بحسب «بلومبرغ بليونيرز»: «نعتقد أن إمكانية الاستحواذ على حصة في السوق من مصارف أخرى جديرة بالوضع في الحسبان».

لقد أنشأ برانسون عشرات الشركات بوعود جريئة، أحيانا، ما تحققت، كما في حالة «فيرجين أتلانتيك إيروايز» المحدودة، وفي أحيان أخرى، لم تتحقق.

خسرت أسهم شركة «فيرجين إكسبرس هولدينغز»، المساهمة محدودة المسؤولية، شركة الطيران الأوروبية المتخصصة في النقل لمسافات قصيرة، معظم قيمتها قبل قيام شركة «إس إن إير هولدينغ إن في» بشراء الشركة في عام 2004. وهل يتذكر أحد «فيرجين كولا»؟ وفي عام 2002، غيرت اسمها ليصبح «فيرجين ماني». وفي عام 2010، بلغ عدد عملاء الشركة 3 ملايين عميل، كما أصبحت تدير مبلغا قيمته 2.6 مليار جنيه إسترليني في قطاعها الاستثماري. وفي تلك السنة، حينما حصلت على ترخيص لأول مرة للعمل كمصرف، حققت ربحا قيمته 27 مليون جنيه إسترليني على عائد قيمته 91 مليون جنيه، بحسب وثائق مالية. غير أنها ما زالت لا تملك فروعا، كما أنها تفتقر لمنتجات مصرفية مثل الحسابات الجارية.

وما زالت «فيرجين ماني» نجما صغيرا بازغا في سماء العالم التجاري لبرانسون، الذي يضم ما لا يقل عن 55 شركة تحمل علامة «فيرجين»، أدرت عائدات بلغت قيمتها 13 مليار جنيه في عام 2011، بحسب «فيرجين غروب». ويقدر صافي ثروة برانسون بقيمة 4 مليارات دولار على الأقل، بحسب «بلومبرغ بليونيرز». لقد كان تحقيق مصرف برانسون شهرة على مسرح القطاع المصرفي في المملكة المتحدة هدف أنا غاديا الأساسي، منذ أن تولت منصب الرئيس التنفيذي للشركة في مارس (آذار) 2007. وتمثل الوظيفة عودة للوطن بالنسبة للمحاسبة السابقة التي يبلغ عمرها 50 عاما وطولها 1.85 مترا، حيث ساعدت غورملي في إنشاء «فيرجين ديريكت» وأمضت الست سنوات التالية هناك. وفي قسم الرهونات العقارية ذات التصنيف الائتماني المنخفض في «فيرجين ديريكت»، استحوذت غاديا على رهن عقاري حمل اسم «فيرجين وان» بالمشاركة مع «رويال بنك أوف أسكوتلاند». وقلل هذا مدفوعات المقترضين بتعويض ديونهم مقابل المدخرات. كان لدى «فيرجين وان» قروض تقدر قيمتها بـ3.75 مليار جنيه في عام 2001، حينما اشتراها مصرف «رويال بنك أوف أسكوتلاند» بالكامل مقابل 100 مليون جنيه إسترليني. وانضمت غاديا إلى «رويال بنك أوف أسكوتلاند»، وترقت في المناصب إلى أن أصبحت تشرف على محفظة الرهونات العقارية الخاصة بقطاع التجزئة والتي يبلغ إجمالي قيمتها 70 مليار جنيه إسترليني.

كان يجب أن يمثل هذا قفزة محتملة بالنسبة لها إلى فئة كبار المسؤولين التنفيذيين بمصرف «رويال بنك أوف أسكوتلاند». غير أن غاديا تقول إنها باتت واقعة تحت ضغط من قبل رؤسائها من أجل شراء الرهونات العقارية منخفضة التصنيف وترتيبها في مجموعات ثم إصدار سندات عليها.

عارضت ذلك، وفي سبتمبر 2006. اتصلت ببرانسون. وفي خلال أسبوع، حصلت على موافقة على العودة إلى «فيرجين ماني»، في تلك المرة، كرئيس مجلس إدارة لها.

وفي عام 2008، عانى مصرف «رويال بنك أوف أسكوتلاند» من أكبر خسارة ما قبل الضرائب في تاريخ الشركات البريطانية: 40.7 مليار جنيه إسترليني. ومنذ ذلك الحين، دفعت الحكومة مبلغا قيمته 45.5 مليار جنيه إسترليني كحزمة إنقاذ. وفي «فيرجن ماني»، حولت غاديا انتباهها إلى جهة إقراض متعثرة أخرى، وهي مصرف «نورثرن روك». وحينها، استشعرت فرصة. إن شراء «نورثرن روك» من شأنه أن يمنح «فيرجين» البصمة الجغرافية ونطاق المنتجات اللذين يكفلان لها منافسة أكبر مصارف التجزئة في بريطانيا.

في أكتوبر (تشرين الأول)، بناء على نصيحة من مصرف الاستثمار «غرين هيل آند كو»، شكلت غاديا اتحاد مصارف لطرح المصرف المتعثر في مناقصة. وكان من بين هؤلاء الذين اتصل بهم «غرين هيل» روس: «ويلبر شخص مناسب يمكننا اللجوء إليه بالنظر إلى خبرته في مجال الخدمات المالية والاستثمار في المواقف العصيبة»، هذا ما يقوله إدوارد ويكفليد، المدير العام بمصرف «غرين هيل».

ويذكر أن روس صنع لنفسه اسما كمتخصص في حالات الإفلاس في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي بشركة «روتشيلد». وكان من بين أشهر خبراته خبرته مع «بنك أوف نيو إنغلاند»، الذي كان إشهار إفلاسه في عام 1991 في ذلك الوقت يمثل ثاني أكبر عملية تصفية لمصرف في تاريخ الولايات المتحدة. ورغم خيبة الأمل التي ألمت بهما، فإنهما بقيا على اتصال. ويقول روس إنه كان مبهورا من استمرار غاديا في تحقيق أرباح خلال عامي 2008 و2009. رغم المناخ الاقتصادي المريع. ويقول روس: «لقد رسخ هذا قدرا كبيرا من المصداقية في أذهاننا بشأن إدارة فيرجين».

وفي عام 2010، استثمر روس مبلغا قيمته 96.5 مليون جنيه في «فيرجين ماني»، مستحوذا على حصة نسبتها 21%. ووعد أيضا بمنح مبلغ إضافي قيمته 500 مليون جنيه لدعم عملية استحواذ. ومنذ عام 2008، اتبع روس استراتيجية تخالف النهج المتبع من قبل المستثمرين، والتي تتمثل في الاستثمار في جهات الإقراض المتعثرة. وقد أنفق 1.8 مليار دولار على عمليات استحواذ على مصارف، معظمها ممثلة في شراء جهات إقراض أميركية إقليمية، مع أنه خصص 400 مليون دولار لجهود يقدر حجم رأسمالها بـ1.6 مليار دولار من أجل إعادة رسملة «بنك أوف أيرلاند» في يوليو (تموز) 2011. وحتى 23 مارس ارتفعت قيمة أسهم المصرف بنسبة تزيد عن 27% في البورصة الآيرلندية.