شركات الاتصالات العالمية تتطلع إلى ليبيا ولكنها تنتظر الحكومة المقبلة

20% من محطات الإرسال تعرضت للتدمير

TT

تحرص شركات دولية على دخول قطاع الاتصالات في ليبيا الذي يعد من الفرص التجارية الهامة التي أفرزتها انتفاضات الربيع العربي. لكن تلك الشركات لن تعرف السبيل إلى ذلك إلا بعد أول انتخابات حرة في ليبيا التي مزقتها الحرب والمقررة في يونيو (حزيران) المقبل. ويعد قطاع الاتصالات الليبي في أشد الحاجة إلى استثمارات أجنبية بعد تعرض 20 في المائة من محطات الإرسال للتدمير أثناء ثورة العام الماضي التي أنهت ديكتاتورية معمر القذافي التي استمرت 42 عاما.

ولا تزال ليبيا البالغ تعداد سكانها ستة ملايين نسمة في حالة اضطراب سياسي بعدما أودى الاقتتال بين القبائل بحياة 150 مواطنا تقريبا الأسبوع الماضي. لكن شركة «اتصالات» الإماراتية و«كيوتل» القطرية و«الاتصالات» السعودية عبرت جميعا عن اهتمام محتمل بالعمل في ليبيا. وحجب القذافي اقتصاد ليبيا عن كثير من المنافسة الدولية وحجز رخص التشغيل والعقود لدائرته المقربة مما يجعل السوق جذابة للوافدين الجدد حاليا. وذلك وفقا لـ«رويترز».

وتقدم شركتان فقط خدمات الهاتف الجوال في ليبيا هما «المدار» و«ليبيانا» وكلتاهما مملوكة للدولة.

ولما كانت ليبيا صاحبة احتياطيات ضخمة من الطاقة يصبح متوسط مستوى الدخل بها أعلى بكثير من دول الجوار. وبما أن فرص الاستحواذ في قطاع الاتصالات العالمي تراجعت في السنوات الأخيرة فإن ليبيا تكتسب جاذبية أكبر. وقال أنور الفيتوري وزير الاتصالات الليبي لـ«رويترز» إن «ثلاثة أو أربعة» مشغلين أجانب على الأقل عبروا عن اهتمامهم بدخول ليبيا. لكننا سنترك الأمر للحكومة القادمة لاتخاذ قرار.

وستشهد ليبيا انتخابات برلمانية في يونيو (حزيران) القادم لاستبدال الحكومة الانتقالية التي لا تملك صلاحية اتخاذ قرارات كبرى بشأن الاقتصاد. وقال الفيتوري إن ليبيا ستفتح سوق الاتصالات أمام المنافسة الجديدة «حين يصبح لدينا قواعد للمنافسة وبنية تحتية مناسبة لهذا أيضا». وقال إن نحو 20 في المائة من المواقع التي تشغلها شركتا «المدار» و«ليبيانا» أصيبت بأضرار بينما حصل أكبر تدمير في زليتن ومصراتة وسرت التي أصبحت ساحات معارك مكثفة طوال فترة الحرب التي امتدت ثمانية أشهر. ولدى كل شركة 1000 محطة أرضية تقريبا.

وتعني هذه التلفيات التي قدرتها حكومة القذافي بمئات الملايين من الدولارات أنه تم قطع الصلة بين شبكات الجوال في شرق البلاد وغربها حين انتهى الصراع. وقال الفيتوري «عملنا على إعادة الخدمات إلى وضعها الطبيعي وانتهينا من هذا تقريبا. هناك طلب كبير على خدمات الاتصالات».

وأضاف الوزير أن عدد مستخدمي الإنترنت تضاعف منذ اندلاع الثورة. ولعب موقع «فيس بوك» دورا كبيرا في حشد المعارضة ضد القذافي. وفي أسواق أفريقية أخرى فرضت المنافسة الشرسة وكثرة عدد المشغلين مصاعب على الشركات الوافدة حديثا.

وقال بيتر لانغ المحلل بشركة «بودكوم» في سيدني «ليبيا ليست كذلك. وهذا سيجذب المشغلين الأجانب سواء فيما يخص شراء حصص في المشغلين الحاليين أو شراء رخصة ثالثة». وأضاف «ليبيا هي واحدة من أغنى أسواق أفريقيا وتشبه جنوب أفريقيا والغابون في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ويمكن جمع كثير من المال من خدمات النطاق العريض (برودباند) والإنترنت». ووفقا لبيانات رسمية قفزت نسبة تشبع السوق الليبية بخدمات الجوال أو نسبة الهواتف إلى عدد السكان من أقل من واحد في المائة سنة 2001 إلى 172 في المائة في 2010. لكن كثيرا من المحللين يشككون في صحة هذه الأرقام ويقولون إن مسؤولين بالنظام السابق ربما اختلقوها رغم أن تذبذب جودة الخدمة يعني أن عددا كبيرا من الليبيين يستخدمون أكثر من هاتف. وقد تكون نسبة التشبع الحقيقية بخدمات الجوال أقل من هذا بكثير وهذا يفتح الساحة أمام إمكانية تحقيق نمو. ويعد معدل التشبع بخدمات البرودباند والإنترنت في ليبيا متأخرا بفارق كبير عن المتوسط الإقليمي بل وأقل من جيرانها الأشد فقرا. وطبقا لبيانات الاتحاد الدولي للاتصالات بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت بين الشعب الليبي 14 في المائة مقابل 49 في المائة في المغرب و37 في المائة في تونس و27 في المائة في مصر.

وقال ماثيو ريد المحلل الأول بشركة «انفورما تليكومز أند ميديا» في دبي إن سوق «البيانات توفر الكثير من الفرص المحتملة لأن شركة ليبيانا فقط هي التي لديها رخصة لخدمات الجيل الثالث».

وأضاف ريد «تعد خدمات البيانات والبرودباند عبر الهواتف الجوالة عالية التكلفة نسبيا ولذا ليس هناك إقبال قوي عليها حتى الآن. ولا تزال هناك آفاق أخرى للخدمات ذات القيمة المضافة وهذا سبب اهتمام المشغلين الأجانب». وتقدمت شركة «اتصالات» الإماراتية بعرض للحصول على رخصة في ليبيا عام 2009 لكن النظام السابق لم يكمل المزاد وترك القطاع في قبضة عائلة القذافي والمقربين منها. وقال ريد إن الخيار المفضل لأي شركة مشغلة جديدة مثل «اتصالات» سيكون شراء إحدى الشركتين القائمتين على الأرجح. وأضاف «ليبيا تستطيع بيع حصص في شركتي مدار وليبيانا وهذا يزيد المنافسة ويسمح بانتقال المهارات والمعرفة التقنية».

وقال أحمد كرود مدير عام سوق المال الليبي لـ«رويترز» الشهر الماضي إن خطط ما قبل الحرب لإدراج أسهم من شركة «المدار» و«ليبيانا» ستمضي قدما في العام المقبل. وقد تكون هذه الإدراجات فرصة لمشغلين أجانب لشراء حصص بالشركتين. وقال محلل إنه قد يتم تقدير قيمة «ليبيانا» بملياري دولار تقريبا و«المدار» بنصف هذا المبلغ تقريبا عند البيع رغم أنه أكد وجود كثير من الغموض مثل معدل التشبع الحقيقي بخدمات الجوال وهذا يعني أن تقييم الشركتين صعب جدا حاليا. وستتوقف أي صفقة بيع على موافقة الحكومة القادمة. ولما كانت البلاد تعج بالانقسامات السياسية ولديها جملة من مهام إعادة بناء الاقتصاد لا يتضح متى يمكن وضع سياسة لقطاع الاتصالات وكيف ستبدو ملامحها. ويخشى البعض من أنه قد يتعين الانتظار شهورا طويلة لذلك.

وقال محلل لقطاعات الاتصالات بالشرق الأوسط طلب عدم الإفصاح عن هويته لحساسية الموضوع «تأتي الاتصالات في ذيل قائمة الأولويات». وأضاف «الشبكات عاملة لكن ليست هناك استراتيجية حكومية واضحة بخصوص الاتصالات أو وسيلة تنفيذها». وضرب مثلا بأن ليبيا قد تتبع نموذج العراق في فترة ما بعد الحرب حيث فتحت الأخيرة السوق تماما وسمحت لكثير من شركات الاتصالات بتقديم الخدمات الدولية. وقال إنه يمكن استخدام هذه السياسة في بعض مناطق البلاد على الأقل «مع سعي بعض المناطق إلى تأسيس نظام فيدرالي تستطيع الحكومات الإقليمية السماح لشركات اتصالات أجنبية ببدء عملياتها دون موافقة الحكومة المركزية». لكن حالة مصر التي تستعد لانتخاب رئيسها الجديد بعد نهاية حكم حسني مبارك الذي استمر 30 عاما قد تشي بأن التأجيل قد يكون مصير تحرير قطاع الاتصالات.

وقال المحلل «قبل الثورة كانت مصر تتحدث عن خصخصة الشركة المصرية للاتصالات لكن هذا تأجل تماما. والوضع السياسي في ليبيا أشد انقساما.. يعد منح رخصة ثالثة غير واقعي بالتأكيد قبل حل مشكلات الحكومة والهياكل السياسية». وستظل آمال شركات الاتصالات الأجنبية معقودة على ليبيا.