منافسة شرسة بين إسبانيا والبرتغال على تجاوز مرحلة الخطر

مدريد ستلجأ إلى الأسواق المالية لإعادة تمويل اقتصادها رغم وجود محاذير

صفوف طويلة من العاطلين عن العمل أمام مكتب من مكاتب الإعانة الاجتماعية والتوظيف في مدينة بونتيفيدرا الإسبانية (رويترز)
TT

قامت الحكومة الإسبانية مؤخرا ببيع سندات بآجال مختلفة بقيمة إجمالية ناهزت 2.6 مليار يورو، كما سجلت نسب الاقتراض على السندات الإسبانية أعلى مستوى لها منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث بلغت 5.7 في المائة على السندات بأجل عشر سنوات. ورغم المساعدات العينية التي تلقتها البنوك من طرف البنك المركزي الأوروبي، فإن ذلك لا يخفي حالة من القلق باتت تسيطر على المستثمرين، حيث يعاني الاقتصاد الإسباني من مشكلة ارتفاع تكلفة الاقتراض، إضافة إلى مشكلة الركود. في المقابل نجح البرتغال في إقرار اقتراض بأجل عام واحد، وذلك لأول مرة منذ حصوله على مساعدة مالية دولية في شهر مايو (أيار) الماضي.

وفي بروكسل، أكدت المفوضية الأوروبية أنها ستحتاج لعدة أيام لإجراء دارسة تفصيلية للميزانية العامة لإسبانيا لعام 2012، وتعتزم تحليل تداعيات كل إجراء وارد بها على حدة. وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية للشؤون الاقتصادية والنقدية، أماديو ألتافاج، إن الإدارة العامة المختصة بالشؤون الاقتصادية والمالية في المفوضية تعمل حاليا على دراسة مشروع قانون ميزانية الدولة بإسبانيا، بعد عرضها على مجلس النواب المحلي. وأشار ألتافاج إلى أن الإدارة المختصة لا تعلم متى سيكون التقييم جاهزا، مشيرا إلى أن الأمر قد يتطلب عدة أيام. وأوضح أن المفوضية تأمل في إعداد دراسة أولية لميزانية الدولة الإسبانية، وتشمل الميزانية العامة لإسبانيا إجراءات تقشفية تسعى لتوفير 27.3 مليار يورو. وتهدف هذه الإجراءات لخفض العجز في موازنة إسبانيا ليصل إلى 5.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، بعد أن وصل خلال 2011 إلى 8.51 في المائة ومن جانبها، توقعت وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني، أن إسبانيا ستكون الدولة الوحيدة من بين كبرى بلدان الاتحاد الأوروبي التي ستستمر في حالة الركود في 2013. ونشر رئيس «ستاندرد آند بورز» أوروبا، الخبير الاقتصادي جان ميشال سيكس، أحدث توقعاته حيث يعتقد أن الركود سيستمر في أوروبا حتى أواخر الربع الثالث من العام الحالي، ثم سيتبعه تعاف طفيف في الربع الأخير من السنة وفي 2013. ويتوقع سيكس أن اقتصاد منطقة اليورو سيعاني من الركود، مما سيترتب عليه أوضاع مختلفة بين الدول الأعضاء، حيث ستتجنب بعضها التراجع الاقتصادي، وخاصة ألمانيا (0.6 في المائة +) وفرنسا (0.5 في المائة +)، بينما سينخفض إجمالي الناتج المحلي بدول الجنوب. ومن المتوقع أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي لإيطاليا وإسبانيا بنسبة 1.5 في المائة نتيجة لتراجع الطلب الداخلي وتأثير تعديلات الميزانية، ويضاف إلى ذلك ارتفاع معدلات البطالة إلى 9.2 في المائة و24 في المائة على الترتيب. وفي 2013، عندما يبلغ تقدم النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو 1 في المائة بفضل ألمانيا (1.5 في المائة +) وفرنسا (1 في المائة)، فإن الاقتصاد الإيطالي سيظل في حالة ركود (0 في المائة) وكذلك الحال بالنسبة لإسبانيا التي ستستمر في التراجع (0.5 في المائة -) وسيصل معدل البطالة بها إلى 25 في المائة. وبحسب الوكالة، فإن إجمالي الناتج المحلي لمنطقة اليورو سوف يتراجع بنسبة 2.5 في المائة هذا العام، بينما سيكون التعافي بنسبة 1 في المائة العام المقبل وستظل إسبانيا الدولة الكبرى الوحيدة في منطقة العملة الموحدة التي سينخفض اقتصادها بنسبة 1 في المائة.. وفي لشبونة تمكنت البرتغال من طرح سندات ديون بقيمة 1.5 مليار يورو، تشمل، للمرة الأولى منذ أن طلبت قبل عام مساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي، سندات لأجل 18 شهرا. وأصدرت الخزانة البرتغالية سندات بقيمة مليار يورو مستحقة السداد على مدار 18 شهرا، بفائدة بلغت 4.53 في المائة، ومجموعة أخرى بقدر 500 مليون يورو لأجل ستة أشهر بفائدة قدرها 2.9 في المائة، بانخفاض كبير مقابل نظيرتها في عملية الطرح التي جرت الشهر الماضي (4.33 في المائة). وقد لاقى أول إصدار لسندات ديون لأجل سنة ونصف السنة تجريه البرتغال بعد حصولها على حزمة مساعدات بقيمة 78 مليار يورو إجماليا، معدلات طلب كبيرة فاقت العرض بقدر 2.6 مرة، بينما بلغ الطلب على الديون لأجل ستة أشهر خمسة أضعاف معدلات العرض. وقالت المفوضية الأوروبية ببروكسل، إن البرتغال تسير في الطريق الصحيح، لكن ذلك لا يعني نهاية المخاطر والتحديات، بهذه العبارات شخصت المفوضية الأوروبية الوضع الاقتصادي في البرتغال بعد استقصاءات الترويكا مؤخرا، والتي تجمع كل من الاتحاد الأوروبي، والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وحسب الكثير من المراقبين، لشبونة ستتمكن من اللجوء إلى الأسواق المالية لإعادة تمويل اقتصادها بنسبة مائة في المائة في عام 2014. موعد انتهاء خطة الإنقاذ التي أقرت في مايو2011. وبلغت قيمة المساعدة الإجمالية 78 مليار يورو تلقت منها حتى الآن 48.8 مليار يورو، كما أقرت مؤخرا الحصة الرابعة بقيمة 14.9 مليار يورو. ومقابل هذه المساعدات تعين على حكومة اليمين الوسط التي يرأسها بدرو باسوس كويللو، القيام بإصلاحات جذرية، وآخرها طالت سوق العمل لتحسين الإنتاجية. وفي عام 2011 بلغت قيمة الاقتطاعات 7.5 في المائة من قيمة الإنتاج المحلي الخام، مما سمح بتخفيض العجز إلى 4.2 في المائة هذا العام، في حين بلغت قيمة الدين 115 في المائة من الناتج المحلي الخام، في عام 2013 حسب توقعات المفوضية الأوروبية. ولكن الأزمة لا تزال جاثمة، وتتمثل بالركود، فالأوضاع الاقتصادية تفاقمت نهاية عام 2011، مما يثقل الأفق. وهذا العام شهد تراجع الناتج المحلي الخام بنسبة ناقص 3.25، بينما وصلت نسبة البطالة إلى 15 في المائة في شهر فبراير (شباط) الماضي، مما يتسبب في حالة استياء عام، تشكل تحديا أساسيا للحكومة. أما بالنسبة للمستشار الحكومي سابقا كافاكوو سيلفا، فقال «كان يتعين على البرتغال إجراء هذه الإصلاحات قبل الآن. استفقنا متأخرا، وهذا أمر سخيف، مع أن إسبانيا ليست بعيدة عنا. وهي عرفت مصاعب جمة، بدأت بإصلاحاتها في وقت مبكر، مما ساعدها على تجنب الكثير من المشاكل التي نواجهها. هم بدأوا الإصلاحات في عام 2009 في حين بدأناها في عام 2011. وهذا هو الخطأ الأعظم الذي ورثناه. الوجه الآخر للأزمة يتمثل في تفاقم الفقر الذي طال الطبقة المتوسطة، فالبنك الغذائي في لشبونة يوزع الوجبات على 300.000 مواطن في العاصمة».