شيغيرو إندو: نحتاج إلى 230 مليار دولار لبناء اليابان الجديدة خلال 10 أعوام

السفير الياباني لدى السعودية لـ «الشرق الأوسط»: أكثر من 160 دولة و40 منظمة دولية وإقليمية ساهمت بما يقارب 300 مليار دولار

شيغيرو إندو السفير الياباني خلال لقائه مع «الشرق الأوسط»
TT

حققت اليابان في التاريخ الحديث، تطورا رائعا في النمو الاقتصادي من الرماد والخراب بعد الحرب، وقامت ببناء اقتصاد هو الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة في العالم، إلا أن الزلزال الذي ضرب شرقي البلاد، أفرز تحديات هائلة وغير مسبوقة بمثل هذا الحجم الذي كشف عن حاله الآن.

وقال السفير الياباني في حوار حصري لـ«الشرق الأوسط»: «نحتاج لعشر سنوات قادمة لإكمال كافة أوجه الإعمار والبناء، حيث تقدر إكمال هذه العملية برمتها بلغة الأرقام، بما يلامس 230 مليار دولار، وهذا يعني حاجتنا لتقييم الميزانية بشكل أكثر دقة، كما علينا أن نقوم بتنفيذ هذه العملية خطوة بخطوة». ومع ذلك، أكد شيغيرو إندو السفير فوق العادة والمفوض لليابان لدى السعودية، أن هدف سفارته من إحياء ذكرى الزلزال، هو ليس ببساطة مجرد إعادة بناء اليابان، لما كانت عليه قبل 11 مارس (آذار) 2011، بل لبناء اليابان الجديدة، من خلال تحويل التحديات إلى فرص، مرحبا بالاستثمارات الأجنبية، للمشاركة في إعمار المناطق المتضررة من الكوارث. وامتدح إندو موقف السعودية تجاه هذه الكارثة، مبينا أن التبادل التجاري بين البلدين بلغ 44 مليار دولار، مبينا أن اليابان تحتل المرتبة الثالثة بعد أميركا والإمارات العربية المتحدة من حيث النشاط الاستثماري في السعودية.

من جهة أخرى، أبدى إندو قلقه إزاء الوضع المأساوي في سوريا، مؤكدا أن موقف اليابان واضح وداعم لموقف المجتمع الدولي، ممثلا في الأمم المتحدة والجامعة العربية، ودول منطقة الشرق الأوسط وأولها السعودية.

وفيما يلي تفاصيل الحوار الذي أجرته مع شيغيرو إندو السفير فوق العادة والمفوض لليابان لدى السعودية، «الشرق الأوسط» في مكتبه بمباني السفارة اليابانية بالعاصمة السعودية الرياض:

* ما الآثار الاقتصادية المترتبة على أحداث الزلزال الذي ضرب شرقي اليابان مؤخرا؟

- أودت هذه الكارثة المؤسفة، بحياة ما يقارب 20,000 شخص وشردت نحو 340,000 شخص، يعيشون الآن في مساكن مؤقتة، بالإضافة إلى انهيار كامل للعديد من الطرق والمطارات، وبنى تحتية وتنموية أخرى لمشاريع كبيرة، ومنها مطار «سينداي» وقطاع التصنيع، وللأسف ما زالت المحنة في اليابان مستمرة ولكننا ماضون في احتوائها. وعموما نحتاج لعشر سنوات قادمة لإكمال كافة أوجه الإعمار والبناء، فيما تقدر إكمال هذه العملية برمتها بلغة الأرقام بما يلامس 230 مليار دولار، وهذا يعني حاجتنا لتقييم الميزانية بشكل أكثر دقة، كما علينا أن نقوم بتنفيذ هذه العملية خطوة بخطوة.

* وكيف تقيم ما وصلكم من دعم دولي في هذا الشأن؟

- هناك العديد من دول العالم والمنظمات الدولية والإقليمية التي مدت يد العون لليابان، لمساندتها ومواجهتها لهذه الكارثة، حيث تلقّت اليابان عروضا ودية وسخية، من أكثر من 160 دولة ومنطقة إقليمية، إضافة إلى دعم مساند من أكثر من 40 منظمة دولية وإقليمية، وتقدر مساهمة تلك الجهات والدول بما يقارب 300 مليار دولار.

* وكيف تنظر إلى حجم الدعم الذي تلقته اليابان من السعودية تحديدا في هذه المناسبة؟

- أرجو أن تسمح لي في البداية، أن أعبر هذه النافذة الصحافية، عن تقديري العميق للدعم والتضامن والتعاطف والتشجيع، الذي أبدته حكومة وشعب المملكة العربية السعودية، في سبيل مؤازرة ودعم حكومة وشعب اليابان لتجاوز هذه المحنة، فهي لم تبخل علينا بالدعم السخي كعادتها في مثل هذه المواقف الإنسانية الحرجة، ومن بين ما قدمته لليابان الغاز الطبيعي المسال.

* وما حجم ما تم ترميمه وإعادته للحياة من جديد بعد هذه الكارثة؟

- حقيقة، استطاعت اليابان أن تبذل جهدا مقدرا في سبيل إعادة المياه إلى مجاريها مرة أخرى، دفعت بسير عملية التعافي في اليابان، من آثار كارثة الزلزال نحو الأمام.

وكان قد تم إعادة ترميم سلسلة التوريد لقطاع التصنيع بشكل كامل، وأعيدت الحياة لمطار «سينداي» بعد أن تم إصلاحه، وعاد إلى الخدمة في غضون شهر واحد بعد تعرضه للأضرار وغمرته مياه «التسونامي»، وكذلك تم إصلاح الطريق السريع المعطل تماما، في غضون أسبوع واحد بعد الزلزال.

كما تمت إعادة ترميم سلسلة التوريد لقطاع التصنيع بالكامل، حيث تعافت مستويات الإنتاج في قطاع التعدين والتصنيع حاليا، إلى مستويات ما كانت عليه قبل الكارثة.

كذلك، أكملت أكثر من 80 في المائة من الحكومات المحلية المنكوبة تشكيلات لخطة إعادة البناء، والتي تتضمن أهدافا طموحة لتصبح نماذج عالمية، لإدخال الطاقات المتجددة وتطوير مراكز متقدمة في مجال الطب، ذلك أن هدفنا من تحقيق هذه الخطط، هو توليد الطلب على إعادة الإعمار بطريقة ملموسة.

* برأيك ما الآثار المترتبة على هذا الزلزال على نشاط اليابان النووي وإقبال الاستثمار الأجنبي عليها؟

- تم تحقيق حالة الإغلاق البارد للمفاعلات النووية، في نهاية العام الماضي، أثناء عملية توقيفها عن الخدمة. وستواصل اليابان إعطاء الأولوية القصوى لسلامة الأغذية وإدارة صحة السكان في المناطق المجاورة لمحطة توليد الكهرباء.

وزادت واردات اليابان من الطاقة، بعد أن ظلت معظم مفاعلاتها النووية المنتجة للطاقة مغلقة، كما قررت الحكومة عقب كارثة تسونامي العام الماضي، إقفال معظم المفاعلات النووية المنتجة للطاقة والتي توفر قبل إغلاقها نحو 30 في المائة من حاجة البلاد من الطاقة.

عموما أستطيع القول بأن جميع المناطق، عادت تقريبا للحياة اليومية الطبيعية، ونأمل أن يأتي الناس إلى اليابان للسياحة والعمل والدراسة وهم مطمئنون، كما نرحب أيضا بالاستثمارات الأجنبية، ليكونوا شركاءنا في إعمار المناطق المتضررة من الكوارث. إلا أن الطريق إلى إعادة الإعمار بالكامل لا يزال طويلا.

* كانت قد أحيت السفارة اليابانية في الرياض مؤخرا ذكرى هذا الزلزال.. ما الرسالة التي تود توصيلها؟ وما الدرس الذي تلقيتموه منها؟

- بالطبع حققت اليابان في التاريخ الحديث، تطورا رائعا في النمو الاقتصادي من الرماد والخراب بعد الحرب، وقامت ببناء اقتصاد هو الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة في العالم.

وبإحياء ذكرى زلزال شرقي اليابان، يتم تذكيرنا بأننا نواجه الآن، تحديات هائلة وغير مسبوقة بمثل هذا الحجم، غير أن هدفنا، هو ليس ببساطة مجرد إعادة بناء اليابان، لما كانت عليه قبل 11 مارس 2011، بل لبناء اليابان الجديدة، من خلال تحويل التحديات إلى فرص.

أعود فأقول، لقد تم تذكيرنا بقيمة روابط الصداقة مع المجتمع الدولي، في أعقاب وقوع الزلزال، ولذلك فإننا ندرك تماما أنه من مسؤوليتنا مشاطرة المعرفة والدروس المستفادة من الكارثة مع بقية العالم، وترك هذا الجزء الأساسي من المعرفة إلى الأجيال القادمة.

نحن ما زلنا ملتزمين بإتاحة هذه المعلومات لجميع البلدان، بأقصى درجة من الشفافية، وخاصة المعلومات في مجالات مثل تعزيز السلامة النووية والوقاية من الكوارث. إنه أيضا من مسؤوليتنا العالمية توضيح عملية التعافي من الكوارث وإعادة بناء اليابان الجديدة، التي سوف تقدم مساهمة أكبر من أي وقت مضى من أجل سلام ورخاء العالم.

* ما تقديرات التبادل التجاري بين اليابان والسعودية؟

- بلغ حجم الصادرات اليابانية إلى السعودية 8 مليارات دولار، فيما تقدر الصادرات السعودية إلى اليابان بـ36 مليار دولار، مما يعني أن مجمل التبادل التجاري بين اليابان والسعودية يبلغ حجمه 44 مليار دولار.

* ولكن رغم ذلك هناك إحجام من ناحية الاستثمار الياباني في السعودية.. ما تعليقك؟

- أعتقد أن هذا القول غير دقيق، ذلك أن اليابان تعتبر في الترتيب الثالث بعد الولايات المتحدة الأميركية ودولة الإمارات العربية المتحدة من حيث النشاط الاستثماري في السعودية، كما أن للأخيرة استثمارا كبيرا في اليابان، ويتضح ذلك في الشركة الوطنية السعودية للنفط «أرامكو»، في الوقت الذي تقوم الشركة النفطية اليابانية «شوا شيل» في الاستثمار في منتجات النفط السعودي.

* (مقاطعا).. أقصد أن هناك شحا في التوجه الياباني للاستثمار في صناعة السيارات في السعودية.. أليس كذلك؟

- هناك استثمارات يابانية حديثة في هذا المجال، وتحديدا في مجال تجميع الناقلات المتوسطة، حيث هناك شركة «إسيوسو» التي تنشط في هذا المجال وبدأت بالفعل نشاطها في السعودية.

كما أن هناك استثمارا يابانيا آخر وهو أيضا بدأ مؤخرا في السعودية، وبخاصة في مجال تحلية المياه، بالإضافة إلى صناعة الكابلات البحرية التحتية.

* هناك اتهام بأن اليابان تتلاعب بسعر عملتها «الين» ما كان له الأثر المباشر في تصاعد وانخفاض أسعار صادراتها لزيادة حجمها.. ما رأيك؟

- سعر الين الياباني تتحكم فيه ظروف خارجية، منها المشكلات التي تعج بها منطقة الشرق الأوسط ودول الربيع العربي، بالإضافة إلى مشكلة الديون الأوروبية والأزمة المالية العالمية.

وكل ما تفعله الحكومة اليابانية، تشريع سياسات مالية ومصرفية لكي تعيد الاستقرار للين الياباني، حتى لا يؤثر سلبا على الاقتصاد الياباني، ولكن حتى هذه السياسات الحكومية هي أيضا محكومة بالظروف العالمية.

وكانت قد حققت اليابان فائضا تجاريا في الشهور الماضية، بلغ في فبراير (شباط) 394 مليون دولار، وذلك بعد أن سجلت عجزا تجاريا قياسيا في الشهر الذي سبقه، فضلا عن ذلك فإن التحسن الذي طرأ على الاقتصاد الأميركي، كان أحد أسباب ارتفاع الطلب على السلع اليابانية، وهذا يلعب دورا في أسعار صرف الين الياباني في ظل وارتفاع الطلب على واردات الطاقة تحديدا.

* على ذكر مشكلات منطقة الشرق الأوسط والربيع العربي.. كيف تنظرون إلى المشكلة السورية وما موقف اليابان منها؟

- حقيقة نحن قلقون جدا لما يحدث في الشأن السوري، ونتأسف لما يحدث في الشارع السوري من عراك قاتل بين الشعب والحكومة السورية، ونتمنى أن تتحسن الأوضاع في سوريا وأن تفي الحكومة السورية بما التزمت به تجاه المجتمع الدولي والأمم المتحدة. وطبعا الموقف الياباني لا ينعزل عن الموقف الدولي من سوريا، ويدعم موقفي الجامعة العربية والوسيط الأممي كوفي عنان، ونحن نؤيد هذا الاتجاه الدولي بشكل قاطع وحاسم.